لهذه الأسباب يكثف الاحتلال هدم المنازل في المناطق الخاضعة له أمنيا بالضفة
نابلس – أيام قليلة كانت تفصل الشاب فوزي الأحمد وزوجته وطفله الصغير عن السكن بمنزلهم الجديد في الحي الغربي بقريته كفر الديك قرب مدينة سلفيت (شمالي الضفة الغربية)، قبل أن يباغتهم عشرات من جنود الاحتلال بهدم المنزل وتحويله إلى ركام باستخدام جرافتين ضخمتين.
وبحجة عدم الترخيص والبناء في المنطقة “سي”، الخاضعة لسيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية وفق اتفاق أوسلو، سوَّى الاحتلال منزل الأحمد ومئات من البيوت والمنشآت الفلسطينية بالأرض منذ بداية العام، في سياسة ليست بالجديدة لكنها بدأت تتسارع في الأيام الأخيرة.
وبالتفاصيل، فقد دهم جيش الاحتلال قبل أيام (في تمام الساعة الخامسة فجرا) منزل الأحمد من دون سابق إنذار وهدمه بعد منع أصحابه من الاقتراب أو حتى إخراج ما يمكن من الأثاث، محطمًا حلما راود العائلة منذ 5 سنوات عندما وضعوا لبنته الأولى.
ويقول الحاج نافز الأحمد والد فوزي إن الاحتلال أخطرهم كما عشرات من أصحاب المنازل “بوقف البناء” قبل عامين، لكنهم واصلوا البناء لعدم وجود أرض غير تلك، في ظل ضيق المساحة التي تشهدها القرية، ولأن هناك منازل مجاورة تحمل ترخيصا، “فاطمأننّا بإمكانية الترخيص”، حسب تعبيره.
ويضيف أبو فوزي (65 عاما) فيقول، وهو يقف فوق الركام والحزن يتملَّكه، إن الاحتلال أخطرهم “بوقف البناء وليس الهدم”، وقدموا أوراقا تثبت ملكيتهم للأرض أملا بترخيص البناء، لكن الاحتلال كان يرفض، بل فاجأهم بالهدم.
وشُيِّد المنزل على مساحة نحو 200 متر مربع، وبتكلفة تجاوزت 70 ألف دولار أميركي، بعد أن اقترض نجله معظمها وباع مركبته ليفي بالتزاماته وديونه العالقة.
هدم بقرار عسكري
وإضافة إلى منزل فوزي الأحمد، هدمت سلطات الاحتلال بكفر الديك 5 غرف زراعية قبل شهرين، وأخطرت 100 منزل بوقف البناء ومن ثم الهدم، وذلك يعني أن القرية تواجه خطر “التهجير والعقاب الجماعي”، كما يقول محمد ناجي رئيس البلدية.
ويضيف ناجي للجزيرة نت أن الاحتلال يصنف 13 ألفا و500 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضيهم بمناطق “سي”، من أصل 15 ألف دونم هي كل مساحة القرية.
ويتابع أن ما تبقى وهو 1500 دونم، منها 1250 دونما فقط مخطط هيكلي للقرية يرفض الاحتلال توسعته منذ 30 عاما، كأنه يعاقب القرية مرتين؛ بالهدم ومنع التوسع، لمصلحة 4 مستوطنات إسرائيلية سكنية وصناعية تجثم على أراضيها وأراضي القرى المحيطة.
وكل ذلك أدى -حسب ناجي- إلى انحسار الأرض وارتفاع سعرها من نحو 8 آلاف دولار إلى 70 ألفا للدونم الواحد، فضلا عن تكدس المنازل وتلاصقها والتوجه للبناء العمودي أو الانتقال إلى القرى المجاورة، “ففي قرية بروقين المجاورة 50 منزلا لأهالي كفر الديك”، حسب قول ناجي.
ورغم الخوف الذي بات يعيشه أهالي كفر الديك بهدم أول منزل في قريتهم، فإن الخطورة تكمن بعدم التزام الاحتلال بالإجراءات القانونية المتبعة في الهدم، وبرضوخ المستوى السياسي الإسرائيلي “لمطالب المستوطنين”.
ويقول الأهالي إن قريتهم تتعرض “لقرار عسكري إسرائيلي” بالهدم من دون إذن محكمة، ولهذا هُدم منزل فوزي الأحمد بعد 5 أيام من تصويره جويا، وهي مدة غير كافية لاستصدار أمر من المحكمة بمنع الهدم أو تجميده.
وتشير المعطيات على الأرض إلى أن الاحتلال يمارس “سياسة ممنهجة ومتسارعة” في الهدم بمناطق “سي” بالضفة الغربية، وأن الهدم شمل منازل مسكونة وليست قيد الإنشاء فقط.
ومثل عائلة الأحمد، تجرَّع المواطن محمد أبو السعود مرارة هدم منزل عائلته في قرية سبسطية قبل أيام بداعي البناء من دون ترخيص وبمناطق “سي”، إذ استيقظت زوجته وأطفاله على عشرات الجنود يطوّقون المنزل ويخرجونهم منه بالقوة ويباشرون بالهدم مانعين أحدا من الاقتراب.
وبعد مدّ وجزر مع الجنود، منحوا العائلة 20 دقيقة فقط لإخراج ما يمكن من الأثاث، “وليتنا لم نفعل، لأنهم حطموه خلال نقله”، كما تقول زوجة محمد أسماء أبو السعود للجزيرة نت.
وأخطرهم الاحتلال “بوقف البناء، وليس الهدم”، فتوجهوا إلى المحكمة الإسرائيلية لمتابعة الإجراءات لكنها لم تستجب لهم كالعادة، “وجاء الرد بالجرافة العسكرية وبغتة”، وفق أسماء.
وغير بعيد، وفي قرية برقة المجاورة لسبسطية، هدم الاحتلال منذ أيام، وللمرة الثالثة، منشأة سكنية (كرفان) للمواطن مشير سيف، بعد أن هُدم منزله الإسمنتي ومنشأته الزراعية في المكان نفسه قبل نحو 3 سنوات.
لماذا الهدم؟
تأتي سياسة الاحتلال بتكثيف الهدم في هذه المناطق لتعزيز سياسته، بمنع توسيع المخططات الهيكلية للمناطق الفلسطينية من أجل مزيد من التضييق، وخنق العمران الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يرى خليل التفكجي، مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية بالقدس، هذا الهدم عقابا جماعيا يمارسه الاحتلال، ويُحرِّض عليه المستوطنين الذين يتتبعون البناء الفلسطيني بمناطق “سي” لمنعه، ولذا “لن يبرر الاحتلال الهدم، ولن يمنح رخصا للبناء”.
ويضيف التفكجي -للجزيرة نت- أن إسرائيل خططت لضم الأراضي الفلسطينية بمجرد تقسيمها عبر أوسلو إلى “A” و”B” و”C”، أي “سي” التي يعدّها الاحتلال “مناطق نفوذ” لمستوطناته، واستخدم أساليب مختلفة لتهويدها كالأوامر العسكرية و”الرعي العبري”، كأن يسيطر مستوطن راع بماشيته على آلاف الدونمات بحماية الجيش.
ومن 5800 كيلومتر مربع هي مساحة الضفة الغربية، تصنف إسرائيل 62% من أراضيها بمناطق “سي”، ويحتل البناء الاستيطاني 1.6% من مساحة الضفة الغربية، في حين يقدر المخطط الهيكلي المستقبلي للمستوطنات بـ6%، أما المخططات الهيكلية للمناطق الفلسطينية “فلم تزد شبرا واحدا من قبل أوسلو حتى اليوم”.
وبمقارنة بسيطة، يقول التفكجي إن المخطط الهيكلي لـ145 مستوطنة إسرائيلية يبلغ 6% من أراضي الضفة الغربية، بالمقابل تخصص المساحة نفسها (6%) من الضفة للمخطط الهيكلي لـ500 قرية ومدينة فلسطينية. ويضيف “تقدر منطقة البناء في مستوطنة معاليم أدوميم في شرق القدس بـ10 كيلومترات مربعة، أما المخطط الهيكلي لها (منطقة النفوذ) فيبلغ 30 كيلومترا مربعا”.
وهدمت إسرائيل منذ مطلع عام 2021 حتى يونيو/حزيران الماضي أكثر من 1350 منزلا ومنشأة فلسطينية بالضفة الغربية والقدس، في حين أخطرت في الفترة نفسها أكثر من 1050 منزلا بوقف البناء، وغالبا فإن الهدم مصير أكثر من 50% من الأبنية المتعلقة بها تلك الإخطارات.
المستوطنون والسياسات الماكرة!
ويتفق محمود الصيفي مدير مركز أبحاث الأراضي (مؤسسة غير حكومية) بشمال الضفة الغربية مع التفكجي على أن هناك تسارعا بالهدم في مناطق “سي”، وأن الاحتلال يستهدفها عبر أذرعه المختلفة كدائرة التنظيم والبناء والجيش والشرطة وسلطة حماية الطبيعة.
ويضاف إلى تلك الجهات -يقول الصيفي للجزيرة نت- المستوطنون الذين يراقبون فرادى وجماعات (كجمعية ريجفيم الاستيطانية) البناء الفلسطيني، ويصورونه، ويقدمون كل البيانات لجيش الاحتلال الذي لا يتوانى عن الهدم.
ويواجه المواطنون مشكلة في عدم تمكنهم من تجهيز الملف القانوني لتقديمه للمحاكم الإسرائيلية، نظرا لقصر مهلة الاعتراض التي يمنحها الاحتلال لهم التي لا تزيد عادة على 30 يوما، فضلا عن أن الاحتلال لا يسلم الإخطارات باليد بل يلقيها أرضا ليعثر عليها المواطنون بالمصادفة.
ويوضح الصيفي أن الأخطر من ذلك هو إصدار جيش الاحتلال أمرا عسكريا في أبريل/نيسان 2018 تحت رقم 1797، يتضمن منع المواطن الفلسطيني من حق الاعتراض لدى محاكم الاحتلال، ويمنح القاطن بمنطقة “سي” مهلة 96 ساعة، وبعد انقضائها يهدم العين، “وبالطبع لا يمكن لأحد تجهيز أوراقه في هذه المدة”.
ويعتقد الصيفي أن إسرائيل إذا استمرت في سياستها بالهدم والملاحقة بمناطق “سي”، فهذا لا يعني فقط أن آلاف المنازل والمنشآت في دائرة الاستهداف القريب، بل يؤكد أن لا شيء بقي للفلسطينيين من أرضهم.