الرئيس الفلسطيني عرفات يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين بحضور الرئيس الأميركي كلينتون بعد توقيع اتفاقية أوسلو بواشنطن (رويترز)

الرئيس الفلسطيني عرفات يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين بحضور الرئيس الأميركي كلينتون بعد توقيع اتفاقية أوسلو بواشنطن (رويترز)

رام الله- يوافق يوم 13 سبتمبر/أيلول ذكرى توقيع اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي أنشئت بموجبها السلطة الفلسطينية.

فما هذه الاتفاقية؟

 

سُمّيت اتفاقية إعلان المبادئ-أوسلو، وهي اتفاق سياسي وقّعته، بحضور دولي، منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” مع إسرائيل يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993.

ووقع الاتفاقية في البيت الأبيض الأميركي عن الجانب الإسرائيلي رئيس الوزراء حينذاك إسحق رابين، وعن الجانب الفلسطيني الرئيس الراحل ياسر عرفات.

epa08211624 President of the State of Palestine Mahmoud Abbas (C) holds up a map of Palestine in 1917, 1937, 1947, 1967 and 2020 as he addresses the UN Security Council about the situation in the Middle East, including the Palestinian question at United Nations headquarters in New York, New York, USA, 11 February 2020. EPA-EFE/JASON SZENES
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعرض خرائط لما تبقى من الأراضي الفلسطينية منذ وعد بلفور وحتى عام 2020 (الأوروبية)

ما هدف الاتفاقية والمفاوضات؟

تنص الاتفاقية على “إنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة”. وتناولت هيكلية وتكوين السلطة الفلسطينية، ونصت على أن هدف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، من بين أمور أخرى، إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالية فلسطينية.

ووفق الاتفاقية فإن الفترة الانتقالية لا تتجاوز 5 سنوات، وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 (نص على انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67) ورقم 338 (وقف إطلاق النار بين العرب وإسرائيل).

وفي 28 سبتمبر/أيلول 1995 وقّع في العاصمة واشنطن على المرحلة الثانية للاتفاقية (طابا/أوسلو-2) وتستعيد بموجبها السلطة الفلسطينية 30% من مساحة‌ الضفة الغربية.

كيف جزأت الاتفاقية الأراضي الفلسطينية؟

قسمت اتفاقية طابا أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق، مع احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على الحدود والأمن الخارجي والقدس والمستوطنات و”مسؤولية الأمن الشامل للإسرائيليين”. والمناطق الثلاث هي:

– منطقة “أ”: وتخضع أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية وهي مراكز المدن، ومساحتها 21% من مساحة الضفة البالغة نحو 5 آلاف و760 كيلومترا، من أصل 27 ألف كيلومتر مربع هي مساحة فلسطين التاريخية.

 

– منطقة “ب”: وتخضع إداريا للسلطة الفلسطينية وأمنيا لإسرائيل، وتُقدر بنحو 18% من الضفة، وهي غالبا مناطق مأهولة في القرى والضواحي.

– منطقة “ج”: وتخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وهي أقل سكانا، وأكبر مساحة وتقدر بنحو 61% من مساحة الضفة.

ما مصير الأراضي التي تسيطر عليها سلطة رام الله؟

إثر اقتحام رئيس حزب الليكود المعارض في حينه أرييل شارون المسجد الأقصى المبارك يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وأعادت إسرائيل خلال أقل من عامين احتلال جميع المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في الضفة، وانسحبت عام 2005 بشكل أحادي من مستوطناتها في قطاع غزة.

لماذا لم تقم دولة فلسطينية؟

جاء اندلاع انتفاضة الأقصى بعد أكثر من عام على انتهاء الفترة الانتقالية دون قيام الدولة الفلسطينية، وبعد شهور من فشل قمة “كامب ديفيد” بولاية ميريلاند الأميركية (11 يوليو/تموز 2000) نتيجة خلافات حول قضية القدس ورفض اعتبارها عاصمة للفلسطينيين.

جمعت القمة الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات.

 

ووفق معطيات مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، أقامت إسرائيل 38 مستوطنة بالأراضي المحتلة عام 1967 حتى 1977، و78 مستوطنة إضافية حتى عام 1990، و12 مستوطنة جديدة بين 1990 و2000، و99 بؤرة استيطانية بين عامي 2000 و2012.

أما اليوم فتقول حركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية إن 132 مستوطنة و147 بؤرة استيطانية تنتشر في الضفة. وهو الواقع الذي جعل إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة مستحيلة.

أما عدد المستوطنين فتضاعف عدة مرات خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث قُدر بنحو 105 آلاف عام 1991، ونحو 210 آلاف عام 2000، و340 ألفا عام 2012، ونحو 451 ألفا بالضفة، وقرابة 230 ألفا شرقي القدس.

المناطق التي قسمتها اتفاقية أوسلو بالضفة الغربية
المناطق التي قسمتها اتفاقية أوسلو بالضفة الغربية (الجزيرة)

لماذا وُقع اتفاق أوسلو؟

يجيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل، بلال الشوبكي، بقوله إن طرفي الاتفاقية لم يؤمنوا بأنها ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، ولكن كان لكل طرف فلسفته التي دفعته لهذا الاتفاق.

فإسرائيل -والكلام للشوبكي- كانت ترى فيها فرصة ومساحة واسعة للاستمرار في الاستيطان والتهويد مع تخفيض أشكال النضال الفلسطيني، وتحييد حركة كبيرة مثل “فتح” التي كانت فاعلة من خارج وداخل فلسطين.

وأضاف أن المفاوضات بالنسبة لإسرائيل كانت “غاية وليست بالضرورة وسيلة قد تؤدي لتحقيق نتائج على الأرض، وأعفت نفسها من أعباء الاحتلال”.

 

أما فلسطينيا، فيوضح الأكاديمي الفلسطيني أن قيادة منظمة التحرير لم تكن على قلب رجل واحد “جزء آمن بأن الاتفاقية قد تؤدي لدولة ومنهم الرئيس الحالي محمود عباس، وآخر كان يرى فيها شكلا من إدارة الصراع، والذهاب إليها ذهاب المضطر لا المختار”.

ويلفت الشوبكي إلى متغير إقليمي دفع الفلسطينيين إلى أوسلو، فمن جهة منظمة التحرير فقدت الجغرافيا التي تجعلها في احتكاك مباشر مع الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فقدان القدرة على ممارسة أعمال نضالية، ومن جهة ثانية فقدت الدعم المادي والسياسي العربي بعد وقوفها إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت.

في ظل تلك المغيرات، رأى فريق فلسطيني وعلى رأسهم الرئيس الراحل عرفات أن أوسلو قد يكون الجسر الذي يعيد منظمة التحرير إلى الداخل، وممارسة عملها من هناك.

في الخلاصة، يقول الشوبكي إن أوسلو لم تعد قائمة قانونيا ولا سياسيا “فالمرحلة الانتقالية انتهت، وهناك شرط زماني ومكاني تم الإخلال به من الطرف الإسرائيلي”.

 

لماذا الإصرار الفلسطيني على المفاوضات رغم فشلها؟

يرى الشوبكي أنه لا إجماع في أوساط القيادة الفلسطينية على أنها الخيار الأفضل، لكنه “إصرار العاجز بعد إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وفق فسلفة جديدة عقب انتفاضة الأقصى، تقوم على إقامة مؤسسات الدولة إلى حين قيامها أو الاعتراف بها”.

 

كيف تخلصت إسرائيل من “العبء الفلسطيني”؟

وفق المحاضر الفلسطيني، اليوم وبعد 29 عاما على أوسلو، لا تتحمل إسرائيل تكاليف إدارة الحياة اليومية للشعب الفلسطيني كشعب تحت الاحتلال، وألقت بذلك على كاهل الفلسطينيين أنفسهم.

وأضاف “تم تحميل الفلسطيني أعباء مؤسسات دولة في مرحلة ما دون الدولة وقبل التحرير، ولم يعد بالإمكان التنصل من البنية المؤسساتية الضخمة أو التراجع للوراء لأن ذلك يعني المساس بحياة الناس اليومية”.

وباعتقاده “مَن ساهم في إنشاء السلطة من قوى إقليمية ودولية، والاحتلال بناها لتكون عاجزة عن تصدّر النضال ضد الاحتلال”. وبالتزامن مع ذلك، أشار الشوبكي إلى تهميش منظمة التحرير كواجهة تاريخية وحقوقية للنضال.

 

أين دور الولايات المتحدة من الصراع؟

يعود أيمن يوسف، الباحث بالعلاقات الفلسطينية الأميركية إلى عام 1993، حين ولدت اتفاقية أوسلو برعاية الولايات المتحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول المنظومة الدولية إلى أحادية القطبية.

ويرى يوسف أن الدور الأميركي اختلف، فالإدارة الديمقراطية بزعامة بيل كلنتون كانت أكثر اندفاعا وتحفزا ورغبة في إحداث اختراق بملف عملية السلام تلك المرحلة.

 

أما الآن، يضيف يوسف فـ “اختلف الوضع، ورغم أن الإدارة ديمقراطية بزعامة جو بايدن، فإن الدور الأميركي اختلف ولا رغبة له في إحراز تقدم، بل يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية”.

من هنا يتابع الأكاديمي الفلسطيني أن الإدارة الأميركية على قناعة بأن الحلول الجذرية للصراع غير ممكنة، وتتجه إلى إدارته وتوسيع دائرة التطبيع العربي مع إسرائيل، دون أي جهد لإحلال السلام، وبلا دولة فلسطينية في الأفق.

epa03491111 Mahmoud Abbas (C), President of the Palestinian National Authority, Palestinian Foreign Minister Reyad al-Maliki (R) and the Palestinian delegation react after a vote on a resolution to upgrade the status of the Palestinian Authority to a nonmember observer state during the 67th session of the United Nations General Assembly at United Nations headquarters in New York, New York, USA, 29 November 2012
عباس يتوسط الوفد الفلسطيني بالأمم المتحدة بعد التصويت على قرار لرفع مكانة السلطة الوطنية لدولة بدرجة مراقب (الأوروبية)

ما مكانة فلسطين بالأمم المتحدة حاليا؟

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، بأغلبية 138 دولة، على منح فلسطين وضعية دولة غير عضو مثل الفاتيكان، وسمح هذا الإجراء للسلطة في رام الله بالمشاركة في بعض عمليات التصويت في الجمعية العامة والانضمام لبعض الهيئات الدولية.

ويسعى الفلسطينيون للتقدم بطلب إلى مجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة، وهو ما يمنحهم اعترافا دوليا بدولتهم.

وأية دولة تتقدم بطلب للانضمام إلى الأمم المتحدة يجب أن تحصل على موافقة مجلس الأمن أولا، حيث تملك الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) قبل تبني القرار في الجمعية العامة لهذه المنظمة الأممية.

 

كيف تقوم الدولة؟

اليوم بعد 29 عاما على اتفاقية أوسلو، يؤيد 40% من الفلسطينيين حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) و58% يعارضونه، وفق استطلاع المركز الفلسطيني للدراسات والبحوث المسحية نشره في مارس/آذار الماضي. ويعارض 70% العودة للمفاوضات مع تل أبيب بدون شروط مسبقة.

 

ويقول 68% إن فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، خلال السنوات الخمس القادمة، ضئيلة أو ضئيلة جداً، و30% يرون أن الفرص متوسطة أو عالية.

وعن الطريقة الأمثل لإنهاء الاحتلال وقيام دولة مستقلة، انقسم الفلسطينيون إلى 3 مجموعات: 44% يقول إنه يتحقق بالعمل المسلح، و25% يؤمنون بالمفاوضات، و24% بالمقاومة الشعبية السلمية.

هل تقطع السلطة الفلسطينية علاقاتها بإسرائيل؟
موقعو اتفاق أوسلو اعتقدوا أنه سيفضي لإقامة دولة لهم (الجزيرة)

ماذا في الأفق؟

يرى الشوبكي أن إسرائيل نجحت في تحويل الحركة الوطنية الفلسطينية تدريجيا إلى أحزاب سياسية “ولا يمكن الآن الرجوع خطوات للوراء، لأن ثمن ذلك كبير على مستوى الشارع غير المهيأ لأي ثورة أو عمل نضالي”.

وتابع أن الاحتلال هو المتحكم في المشهد بشكل كامل، في حين تحولت السلطة الوطنية من بذرة دولة إلى بلدية كبيرة تدير الضفة والقطاع جزئيا، وتهتم بشؤون السكان خدماتيا بعيدا عن البعد الوطني أو السياسي .

وبعد 29 عاما على “أوسلو” يلخص الشوبكي المشهد “من بذرة دولة عام 1993 إلى خدمات إنسانية وتسهيلات مثل الجيل الرابع من الاتصالات، وفق ما أعلنه الرئيس بايدن في زيارته الأخيرة إلى بيت لحم”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author