حرب روسيا على أوكرانيا شُنت ضد دولة واحدة، لكن تبعاتها أضرت بالعديد من البلدان، بما في ذلك بعض أكثر دول العالم ضعفا، ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق، يمكن للخسائر الاقتصادية لهذه الحرب أن تكون مدمرة في بعض أجزاء العالم بحلول منتصف ونهاية عام 2022.

وقد قال الكاتب ريك نيومان في مقال له بموقع “ياهوو نيوز” (Yahoo News) إن الصدمة الاقتصادية من الحرب الروسية على أوكرانيا ستنتشر على نطاق أوسع وأعمق مع تذبذب الاقتصاد الأوكراني والعقوبات التي تخنق الصادرات الروسية والبيلاروسية.

 

فقد ينخفض إنتاج أوكرانيا بنسبة 45% هذا العام، وفقا للبنك الدولي، حيث تعاني أوروبا الشرقية من ركود بنسبة 4.1%، ومن المحتمل أن تتجه أوروبا الغربية إلى الركود أيضا.

ومن جانبها، توقفت روسيا عن نشر بعض البيانات الاقتصادية، لكنها تواجه أيضا ركودا عميقا، ولا يبدو أن الولايات المتحدة متجهة إلى الركود في الوقت الحالي، لكن النمو يتباطأ والمستهلكون متشائمون.

 

وأوضح نيومان أن البلدان الأفقر في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا قد تعاني أكثر من أوروبا أو الولايات المتحدة، قائلا إن العدوان الروسي يضرب العالم بأسره بـ4 طرق رئيسية.

الطاقة

تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم، وتحاول العديد من الدول تقييد أو وقف مشتريات الطاقة الروسية وحرمان موسكو من عائدات الطاقة التي تشتد الحاجة إليها، وفي ظل أفضل السيناريوهات، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة أسعار البنزين في الولايات المتحدة فوق 5 دولارات للغالون في المتوسط، وكان ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، التي تعتمد بشكل أكبر على الطاقة الروسية، أكثر حدة، ولا يزال من الممكن حدوث صدمة طاقة كاملة، مع ارتفاع الأسعار بشكل دراماتيكي.

 

الغذاء

والضرر الذي لحق بأسواق الغذاء العالمية ليس فوريا مثل الضرر في أسواق النفط والغاز، لكن بعض الخبراء يحذرون من أن الكارثة تلوح في الأفق، فقبل الحرب، أنتجت أوكرانيا 30% من زيت عباد الشمس في العالم، و6% من الشعير، و4% من القمح و3% من الذرة.

وحاصرت روسيا جميع موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، وهي الطريقة الرئيسية لتصدير أوكرانيا الغذاء إلى بقية العالم، ولا شيء يتحرك عبر تلك المنافذ، ولا تستطيع روابط السكك الحديدية والطرق المؤدية إلى أوروبا نقل كل الإنتاج في أوكرانيا، هذا هو قطع الإمدادات الحالية، كما يمكن أن تقلل الحرب نفسها من زراعة المحاصيل المستقبلية بنسبة 10% إلى 35%، وفقا للتقديرات.

 

وتعد روسيا أيضا مُصدرا رئيسيا لزيت عباد الشمس والقمح والشعير، ولا توجد عقوبات مباشرة على الصادرات الغذائية الروسية، لكن العقوبات الواسعة على أجزاء أخرى من الاقتصاد الروسي تقطع هذه الشحنات.

أما الأسمدة فمشكلة أخرى، لأن روسيا هي أكبر مصدر للأسمدة النيتروجينية، وأوقفت الحكومة الروسية الصادرات، وتعد روسيا وبيلاروسيا -وهما الحليفان الوثيقان- منتجين رئيسيين للبوتاس، وهو مكون رئيسي في العديد من الأسمدة، وتؤثر العقوبات على إمدادات البوتاس من كلا البلدين.

كما أن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء، لأن الزراعة والنقل يصبحان أكثر تكلفة، فمنذ بدء الحرب الروسية، قفزت أسعار القمح بنحو 30%، وزيت عباد الشمس ارتفع بحوالي 50%، كما ارتفعت التكلفة العالمية للأسمدة بنسبة 230%، مما ينذر بارتفاع أسعار المواد الغذائية في المستقبل، أو انخفاض الغلة من قبل المزارعين الذين يقللون من استخدام الأسمدة.

ويوضح الكاتب أن الدول المتقدمة ستكون قادرة على استيعاب ارتفاع الأسعار وإيجاد حلول بديلة، مثل مصادر جديدة للأغذية المطلوبة، أما الدول النامية فسوف تعاني أكثر.

 

ويقدر تقرير جديد صادر عن مجموعة “أوراسيا والإستراتيجيات المستدامة” (DevryBV) أن حرب أوكرانيا وحدها يمكن أن تزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بمقدار 101 مليون بحلول نهاية عام 2022، وقد يرتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع بما يصل إلى 201 مليون، وستكون التأثيرات أسوأ في أجزاء من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، التي تحصل على الكثير من الأغذية الضرورية من أوكرانيا وروسيا.

ويمكن للمنتجين الآخرين في النهاية تعويض الإمدادات الغذائية، وكما تعلمنا من جائحة “كوفيد-19″، لا يمكن إعادة تكوين سلاسل التوريد التي تم بناؤها على مدى عقود في غضون شهر. وبعض البلدان محظوظة بما يكفي لامتلاك إمدادات داخلية يمكنها الاستفادة منها، لكن الكثير منها يعتمد على الغذاء من أماكن أخرى.

ونقل نيومان عن سارة تابر مستشارة المحاصيل في مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy)‏ قولها في أبريل/نيسان الماضي “المشكلة ليست في نقص القمح، إنه نقص في السفن الكافية لتحريكها ونقص الأموال لشرائها”.

 

زعزعة الاستقرار

وقد لا تمانع روسيا في أن تتسبب وحشيتها في أوكرانيا في حدوث صعوبات في جميع أنحاء العالم، وقال روديغر فون فريتش -الذي قضى عقدا من الزمن سفيرا لألمانيا في بولندا ثم روسيا- لمجلة “دير شبيغل” (Der Spiegel) الألمانية مؤخرا إن “حسابات بوتين هي أنه بعد انهيار إمدادات الحبوب، سوف يفر الأشخاص الجائعون من هذه المناطق ويحاولون الوصول إلى أوروبا، إنه يريد زعزعة استقرار أوروبا بتدفقات جديدة من اللاجئين وتكثيف الضغط السياسي حتى تتخلى الدول الغربية عن موقفها المتشدد ضد روسيا، هذه هي حربه الهجينة الجديدة”.

 

وسيكون ذلك مماثلا للإستراتيجية التي اتبعتها روسيا بعد دعمها للحكومة السورية في الحرب الأهلية هناك، والتي أدت إلى فرار أكثر من 13 مليون لاجئ إلى أوروبا وأماكن أخرى.

الشحن والنقل

وتسبب “كوفيد-19” في تعقيد الممرات البحرية في العالم، وتتسبب النزعة العسكرية الروسية الآن في تعقيدات إضافية، فحوالي 11% من القوى العاملة في مجال الشحن البحري العالمي من روسيا، و4% من أوكرانيا.

وقد تتسبب العقوبات والالتزامات المحتملة في زمن الحرب في نقص العمال وتفاقم ازدحام الموانئ في بعض المناطق، وجزء كبير من البحر الأسود محظور على الشحن التجاري، وبالنظر إلى الحصار الروسي لأوكرانيا وإحجام شركات التأمين عن كتابة سياسات للطرق في أي مكان بالقرب من منطقة حرب؛ لا تزال خطوط الشحن تشحن البضائع غير الخاضعة للعقوبات داخل وخارج روسيا للوفاء بالعقود، لكن معظمها يشير إلى أنها ستتوقف عن الشحن بمجرد انتهاء صلاحية العقود، وسيؤدي ذلك إلى الإضرار بروسيا، لكنه سيسبب اضطرابات في أماكن أخرى أيضا.

ومن الواضح أن نتائج حرب روسيا في أوكرانيا لا يمكن التنبؤ بها، ويمكن أن تنتهي بشكل غير متوقع إذا أطاح شخص ما ببوتين أو حققت أوكرانيا سلسلة من النجاحات في ساحة المعركة التي تبدو بعيدة المنال في الوقت الحالي.

 

وفي يوم من الأيام، قد تتمتع الأسواق بارتفاع هائل مع اقتراب طريق السلام، ولكن حتى ذلك الحين، من المرجح أن تنتشر الأضرار الجانبية في الاقتصاد العالمي مع استمرار القتال. وبهذه الطريقة، فإن حرب بوتين ضد أوكرانيا هي حرب ضد الكثير من دول العالم، وفقا للمقال.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *