5 حروب على غزة “لدواعٍ انتخابية”.. هكذا تتسلق الأحزاب الإسرائيلية على دم الفلسطينيين
القدس المحتلة/ غزة – ما بين عامي 2008 و2022، لم تغِب غزة عن المشهد الانتخابي الإسرائيلي، وكانت مسرحا لخمس حروب كبيرة والعديد من جولات التصعيد العسكرية، حوّلت خلالها إسرائيل الدم الفلسطيني إلى سلم تصعد عليه الأحزاب المتنافسة لاستقطاب الناخب الإسرائيلي.
وفي الخامس من أغسطس/أب الماضي، اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية الانتقالية يائير لبيد تدشين حملته الانتخابية للكنيست الـ25، باكرا، بشن عملية عسكرية محدودة في غزة سُميت بـ”بزوغ الفجر” ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي أطلقت على أيامها الثلاثة “معركة وحدة الساحات”.
هذه العملية أثبتت، مرة أخرى، توظيف قادة الأحزاب الإسرائيلية الحروب والتصعيد العسكري ضد غزة من أجل استمالة الإسرائيليين وكسب أصواتهم.
عقيدة الدم
ويرى عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) سهيل الهندي في هذا “التوظيف الدموي” أساسا أصيلاً في “العقيدة الصهيونية”. وقال للجزيرة نت “منذ زمن بعيد وحسم التنافس المحموم بين الأحزاب الصهيونية يعتمد على إراقة الدم الفلسطيني”.
وهذا وفق اعتقاد الهندي ينسجم أيضا مع توجهات المجتمع الإسرائيلي، الذي يميل نحو اليمين المتطرف، لتتعزز لدى الأحزاب الصهيونية على اختلاف توجهاتها ومشاربها السياسية قاعدة “اقتل أكثر تحصل على مقاعد أكثر”.
وبالنسبة للفلسطينيين، لا يرى الهندي فرقا بين حزب وآخر، وقال “كلهم في كفة واحدة.. يختلفون داخليا ويتفقون على ذبحنا وانتهاك حرماتنا ومقدساتنا”. وأضاف “قد يحققون غايتهم ولكنها مؤقتة، وسيكون لجرائمهم عواقب وخيمة عليهم، والمقاومة ترقب تطورات الميدان، ولن يطول صمتها إزاء هذه الجرائم”.
“لا أمن ولا استقرار”
ويتفق المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي مع الهندي على أن الأحزاب والمتنافسين الإسرائيليين على حد سواء في برامجهم ضد الفلسطينيين، وقال “جميعهم يستخدمون الدم الفلسطيني جسرا للوصول لأصوات الناخبين”.
وأضاف سلمي للجزيرة نت أن إسرائيل التي تخوض انتخاباتها الخامسة في غضون 4 أعوام، فشلت في مرات كثيرة وستفشل مرة أخرى، ولن يتحقق لها الأمن والاستقرار على حساب الدم الفلسطيني ما دامت المقاومة قادرة على التصدي للمشروع الاستعماري الاستيطاني، وتقف “رأس حربة” أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية والتمدد في المنطقة العربية.
تصدير أزمات
في الجهة المقابلة، يرى الصحفي الإسرائيلي يؤاف شطيرن أن العملية العسكرية الأخيرة على غزة أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الحملات الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية، وانعكست نتائجها على تركيبة الائتلافات الحكومية، وهوية وشخصية رئيس الوزراء.
وأوضح أن الحملات العسكرية التي تكررت بالانتخابات الإسرائيلية في الفترة بين 2008 و2022، عكست سعي الحكومات المتعاقبة إلى تصدير أزمات الداخلية وترحيل صراعها إلى الفلسطينيين، الأمر الذي شكل اليوم واقعا كرس أزمة الحكم بإسرائيل.
يقول شطيرن “تنافس قادة الأحزاب الإسرائيلية فيما بينهم في شن 6 عمليات عسكرية ضد قطاع غزة”، مشيرا إلى أن هدف العمليات العسكرية كان تقويض حكم حماس ونزع سلاح المقاومة، وهو ما لم يتحقق، في مؤشر لفشل قادة الأحزاب ورؤساء الحكومات المتعاقبة الذين باتوا يبحثون عن تسوية لضمان الهدوء على جبهة غزة.
حروب بدوافع انتخابية
- كانت أولى الحروب الإسرائيلية ضد غزة يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، حين اختار رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، الذي كان يواجه ملفات وتهم فساد، تصدير الأزمة السياسية الداخلية بعملية عسكرية عرفت بـ”الرصاص المصبوب” (“معركة الفرقان” حسب التسمية الفلسطينية)، استمرت 23 يوما، وكانت سببا لخسارته الانتخابات التي جرت يوم 24 فبراير/شباط 2009، لصالح منافسه بنيامين نتنياهو.
- وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، واجهت حكومة نتنياهو خطر التفكك والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، إذا لم يصادق الكنيست على الميزانية العامة للدولة، وفي حملة عسكرية أطلقت عليها إسرائيل “عامود السحاب”، وفلسطينيا “معركة حجارة السجيل”، واستمرت 8 أيام، أسست الأحزاب الإسرائيلية حملاتها الانتخابية.
وبذلك جهز نتنياهو نفسه لانتخابات برلمانية أجريت يوم 22 يناير/كانون الثاني 2013، وفاز بها واستمر في رئاسة الوزراء، لكنها حملت في طياتها مؤشرات للشرخ السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل. - أطلق جيش الاحتلال في السابع من يوليو/تموز 2014 عملية عسكرية أسماها “الجرف الصامد”، وأطلقت عليها حماس “العصف المأكول”، واستمرت 51 يوما، حيث تمكنت المقاومة من أسر الجنديين الإسرائيلييْن هدار غولدن وأورون شاؤول، وهو ما شكل ضربة وبداية انتكاسة لنتنياهو.
وجاءت هذه الحرب بعد أن صوت الكنيست على حل نفسه، والتحضير لانتخابات برلمانية جرت يوم 17 مارس/آذار 2015، على خلفية أزمة الميزانية العامة، وقيام نتنياهو بعزل اثنين من وزرائه، هما وزير المالية يائير لبيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني. - وخلافا للحملات العسكرية السابقة، شنت إسرائيل عملية أسمتها “الحزام الأسود”، وأطلقت المقاومة الفلسطينية اسم “صيحة الفجر” في ردها عليها، بعد إجراء انتخابات الكنيست 2019، حيث عصفت بنتنياهو أزمة بعد فشله للمرة الثانية في تشكيل حكومة نتيجة للانقسام بين اليمين، وملاحقته بملفات فساد.
ووجد نتنياهو في العدوان على غزة فرصة لتصدير أزماته السياسية والقانونية. ويوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أطلقت إسرائيل الحملة العسكرية على غزة باغتيال القائد العسكري في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، بقصف منزله مما أدى إلى استشهاده وزوجته. وتفاقمت أزمة نتنياهو السياسية والقانونية، وهو ما شكل أزمة حكم في إسرائيل، حيث كانت الحرب محاولة لمنع الإطاحة به، غير أنه فشل للمرة الثالثة في تشكيل حكومة. - في العاشر من مايو/أيار 2021، اندلعت “معركة سيف القدس” التي أسمتها إسرائيل “حارس الأسوار”، وقد بدأتها المقاومة انتصارا للمقدسيين في حي الشيخ جراح، وردا على الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والداخل المحتل، وتوقف إطلاق النار بعد 11 يوما بوساطة مصرية وتحركات وضغوط دولية.
وفي نهاية المطاف فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، وتمت الإطاحة به بتشكيل ائتلاف حكومي برئاسة يائير لبيد ونفتالي بينيت لم يصمد طويلاً وتفكك بعد نحو عام. - في يونيو/حزيران الماضي تمت المصادقة على حل الكنيست والتوجه مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل للانتخابات، ليبرز من جديد “سيناريو غزة” لحسم الصندوق واستقطاب الناخبين مع لجوء حكومة لبيد المؤقتة لشن عملية “بزوع الفجر” (وحدة الساحات)، استهلتها باغتيال القائد العسكري البارز في الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري.