59 ألف إصابة جديدة.. فرنسا تدق ناقوس الخطر مع عودة كورونا بقوة قبيل أعياد الميلاد
باريس- قبل أقل من شهر على الاحتفال بأعياد الميلاد، وعلى وقع موجة برد قارس تضرب القارة العجوز، تعيش فرنسا وأوروبا موجة تاسعة من فيروس كورونا، وسط ارتفاع كبير في عدد الإصابات نتيجة ظهور المتحور الجديد سريع الانتشار “بي كيو.1.1” (BQ.1.1).
وتأتي هذه الموجة في وضع صحّي متوتر بالفعل في فرنسا؛ حيث تواجه المستشفيات وباء التهاب القصيبات المنتشر على نطاق غير مسبوق، في حين تثير الإنفلونزا الموسمية مخاوف من تأثير “مضاعف 3 مرات”.
وشهدت العاصمة باريس وعدة مدن فرنسية أمس وأول أمس (الخميس والجمعة) إضرابا للأطباء وفنيي المختبرات واختصاصيي الأشعة، للمطالبة بتحسين ظروف العمل ورفع تعريفة الكشف الطبي من 25 إلى 50 يورو، وللضغط على الحكومة قبيل مناقشتها ميزانية الضمان الاجتماعي في الجمعية الوطنية.
ارتفاع الإصابات
وانتعش الفيروس مستفيدا من عودة الطقس البارد الذي يسهل انتشاره، وارتفعت الإصابات بشكل كبير، فوفقا لآخر تحديث لوزارة الصحة الفرنسية مساء أمس الجمعة، زادت الإصابات على 59 ألف إصابة مؤكدة خلال 24 ساعة، في حين بلغت أعداد المرضى في أقسام العناية الفائقة 1137 مريضًا.
وحسب وزارة الصحة الفرنسية يوم الجمعة قبل الماضي، تم الإبلاغ عن 48 ألفًا و629 إصابة جديدة في فرنسا، مقابل 33 ألفًا و177 إصابة الجمعة السابقة، أي بزيادة بلغت 46%.
ومع توقّع الجهات الطبية المختصة أن يتجاوز عدد الإصابات عتبة 70 ألفا يوميا في الفترة القليلة المقبلة، خاصة مع اكتشاف المتحور الجديد سريع الانتشار “بي. كيو. 1.1″، يسود تخوف حقيقي من أن تؤدي العودة القوية للوباء إلى إنهاك النظام الصحي.
من جهته، أوضح طبيب الأمراض القلبية في مستشفيات باريس محمد غنّام أن الفيروس لم يختفِ أبدا، ولكنه يتطور في شكل موجات مختلفة. وأرجع الموجة الجديدة إلى انخفاض درجات الحرارة، واستئناف النشاط الاجتماعي بشكل مكثف من دون اتخاذ وسائل الوقاية.
كما يشير غنام -في حديثه للجزيرة نت- إلى انخفاض فعالية اللقاح التي تقل بعد بضعة أشهر، ودعا إلى الحصول على جرعات معززة بسرعة، خاصة الجرعة الرابعة للأعمار فوق 65 عاما، وذلك إلى جانب التطعيم ضد الإنفلونزا لتجنب زيادة العبء على المستشفيات في الأشهر المقبلة.
ناقوس الخطر
وفي ظل الموجة الجديدة من الوباء، دقّت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن ناقوس الخطر خلال جلسة مساءلة للحكومة في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) الثلاثاء الماضي، وأطلقت نداء بضرورة “احترام الإجراءات الصحية، وارتداء الكمامة”، خاصة في وجود “الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة أو في المناطق المزدحمة، مثل وسائل النقل العام”.
وقالت إن “هذه الاحتياطات اليسيرة تنقذ الأرواح”، وأضافت أن “هذه الموجة تذكرنا بأن الفيروس لم يختفِ، ويضرب مرة أخرى، ويقتل مرة أخرى”.
وأبلغت بورن عن زيادة بقرابة 10% في حالات الاستشفاء على مدى أسبوع واحد، وارتفاع بنسبة 22% في الحاجة للرعاية الفائقة، مع تسجيل 400 حالة وفاة الأسبوع الماضي.
وشددت على أن المستشفيات ستواجه ضغوطا إضافية، لأنه إلى جانب عودة وباء كورونا، “هناك وباء التهاب القصيبات، والإصابات به هي الأعلى في السنوات الأخيرة، وذلك إضافة إلى وباء الإنفلونزا الموسمية”.
أما وزير الصحة السابق والمتحدث باسم الحكومة، أوليفييه فيران، فدعا خلال اجتماع لمجلس الوزراء -الثلاثاء الماضي- الفرنسيين إلى التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد والإنفلونزا الموسمية.
وأضاف أن تلقي لقاحات الإنفلونزا هذا العام جاء أقل بنسبة 15% مقارنة بعام 2021، مؤكدا أن التطعيم ضد فيروس كورونا من شأنه أن يجنب الضغط الإضافي على المستشفيات.
وتشير أرقام وزارة الصحة الفرنسية أنه حتى الآن تم تطعيم 5 ملايين فرنسي فقط ضد الإنفلونزا.
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور غنّام إلى أنه في الوقت الحالي ترجع عدوى كورونا إلى المتحور أوميكرون من نوع ” بي. إيه 4″ (BA.4) و”بي. إيه 5″ (BA.5)، وحذّر من المتحور الجديد (بي. كيو. 1.1) الذي “يجب أن ننتبه إلى خصائصه التي لا نعرفها جيدًا حتى الآن”، وفق تعبيره.
ويحلّ المتحور الجديد محل أوميكرون “بي. إيه 5″؛ في حين تشير دراسة فرنسية -أجراها معهد “باستور” ونشرتها صحيفة “ليبراسيون” (Libération)- إلى أن القدرات المتطورة للمتحور الجديد تجعله أكثر انتشارا وتسمح له بمقاومة مناعة الإنسان بشكل أقوى مقارنة بالمتحورات السابقة.
في حين لاحظ غنّام أن مقاومة المتحور الجديد للقاح يمكن أن تكون جزئية فقط، ويظل اللقاح فعالًا نسبيًا أمامه.
التطعيم غير كافٍ
وخلال الأسابيع الماضية، دعت العديد من الهيئات الصحية مثل الأكاديمية الوطنية للطب ولجنة مراقبة المخاطر الصحية والتنبؤ بها، إلى العودة إلى إلزامية الكمامات خاصة في وسائل النقل العمومي، ولكن الحكومة اختارت مبدأ مناشدة “مسؤولية” الجميع.
وشجعت هيئة الصحة العامة الفرنسيين على تحديث لقاحهم المضاد لفيروس كورونا منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وضرورة أخذ جرعة معززة للأشخاص المعرضين للخطر.
ورغم أن نسبة تطعيم الفرنسيين بلغت نحو 80%، فإن نسبة التعزيز بالجرعة الثانية تأخرت كثيرا وتعد منخفضة جدا لدى أغلب الفئات العمرية.
ولذلك، أوضحت وزارة الصحة الفرنسية -الثلاثاء الماضي- أن مستويات التطعيم اليوم “غير كافية”، ولأنه “لم يتبقَ سوى 3 أسابيع على أعياد الميلاد يجب التركيز الآن على التحفيز والتوعية”.
بينما شدّد الطبيب غنّام على أنه إذا لم تُتخذ الإجراءات الوقائية بسرعة، مثل إعادة إلزامية ارتداء الكمامة في وسائل النقل العمومي، سيكون الوضع في المستشفيات أكثر خطورة.
وتوقّع أن تبلغ الموجة التاسعة ذروتها نهاية ديسمبر/كانون الأول، ويتصادف هذا مع التجمعات والاحتفالات برأس السنة، وحينها ستكون المستشفيات ممتلئة بالنظر إلى 3 أسباب: العدد الكبير من المصابين بفيروس كورونا، والإنفلونزا الموسمية، ونقص الموظفين وطواقم التمريض.
وحسب آخر تحديث لوزارة الصحة الفرنسية مساء أمس الجمعة، أودى وباء كورونا بحياة ما يزيد على 159 ألفا في فرنسا، وأكثر من 6.6 ملايين حالة وفاة في العالم، وفق منظمة الصحة العالمية.