6 منهم يصلون الأربعاء.. هل يستطيع المبعوثون الغربيون إنعاش العملية السياسية في السودان؟
الخرطوم- تترقّب الخرطوم وصول 6 مبعوثين غربيين نهاية الأسبوع الجاري في مهمة تبدو معقّدة بدأها المبعوثون قبل 10 أشهر لاستعادة المسار الديمقراطي وضمان تماسك السودان، في عملية سياسية متعثرة بسبب التجاذب بين القوى المدنية المتعددة وكذلك مع المكون العسكري، ووسط تدخلات إقليمية ودولية.
ويتزامن وصول المبعوثين مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الخرطوم في إطار جولة للترتيب للقمة الروسية الأفريقية المقررة في يوليو/تموز المقبل.
ويتوقع أن يناقش لافروف مع المسؤولين انشغالات موسكو في ظل “ضغوط أميركية” على السودان وعواصم أفريقية أخرى لمحاصرة روسيا وعزلها وتعطيل استثماراتها وتقليم أظافر شركة “فاغنر” الأمنية في المنطقة، حسب مصادر أمنية تحدثت مع الجزيرة نت.
وتوضح المصادر أن موسكو منزعجة من تخلّي نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” عن مستشارين وخبراء روس قبل نحو شهرين. وتوقع خروج عشرات من عناصر شركة “فاغنر” العاملين في حراسة شركات روسية تنشط في تعدين الذهب بشمال البلاد وشرقها، دون أن تتأثر الاستثمارات الروسية في السودان.
زيارة جديدة للمبعوثين
يضم وفد المبعوثين الغربيين، الذي سيصل إلى الخرطوم الأربعاء المقبل، المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي آنيت ويبر والمبعوث الفرنسي الخاص للاتحاد الأفريقي فريدريك كلافيه.
كما يشمل مسؤول القرن الأفريقي في الخارجية الألمانية تورستن هوتر، والمبعوث البريطاني للقرن الأفريقي والبحر الأحمر سارة مونتغمري، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان جون جونسون.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم إيدن أورهارا، إن المبعوثين سيجرون محادثات مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه مع “حميدتي”، تتركز على إنجاح العملية السياسية واستئناف المساعدات الإنسانية والاقتصادية إلى السودان، كما سيلتقي المبعوثون مع القوى السياسية والكيانات المدنية ووكالات الأمم المتحدة.
تباين أميركي أوروبي
ويرجح أن تتغير لهجة المبعوثين الغربيين خلال لقائهم مع البرهان هذه المرة مقارنة بزيارتهم السابقة إلى الخرطوم، حسب مصادر دبلوماسية سودانية للجزيرة نت.
وقالت المصادر إن زيارة المبعوثين في أبريل/نيسان 2022 حملت تلويحا بفرض عقوبات على من يعرقلون المسار الديمقراطي، في إشارة الى البرهان عقب قراراته بحل مجلسي السيادة والوزراء وإقصاء تحالف قوى الحرية والتغيير من السلطة وفرض حال الطوارئ.
وترى المصادر ذاتها أن مياه كثيرة مرّت تحت الجسر خلال الشهور العشرة الماضية، كشفت عن تباين في مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية في التعاطي مع الأزمة السودانية، حيث تميل واشنطن إلى توسيع الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي ليشمل قوى أخرى، من أجل خلق قاعدة سياسية عريضة تدعم الحكم الانتقالي وضمان الاستقرار السياسي، وهو ما تمضي فيه مصر التي تستضيف المقاطعين للاتفاق الإطاري في ورشة بالقاهرة لتغيير المعادلة السياسية الحالية برضا أميركي.
وتضيف المصادر أن الإدارة الأميركية تفضّل التعاون مع الجيش السوداني ومنحه دور سياسيا خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتعتقد أنه أكبر منظومة متماسكة في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد وضعف القوى السياسية وخلافاتها، مما يجعله الأكثر قدرة على المحافظة على استقرار ووحدة السودان وشريكا في مكافحة الإرهاب والمضي في خطوات التطبيع مع إسرائيل ومحاصرة النفوذ الروسي والصيني المتمدد في المنطقة، حسب وصفها.
وفي المقابل -حسب المصادر ذاتها- تدفع الدول الأوروبية لتنفيذ الاتفاق الإطاري وتطويره ليكون اتفاقا شاملا، مع دعم القوى المدينة الموقّعة عليه لتشكيل الحكومة الانتقالية والتفاهم مع “حميدتي” المتحمس للاتفاق بعدما اقترب من التحالف مع ائتلاف قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، باعتباره مدخلا لمعالجة سجله مع الدول الغربية واستمالتها لتغيير موقفها منه، والاعتراف بدوره في السودان والمنطقة، كما يطرح نفسه شريكا في مكافحة الهجرة غير النظامية التي تقلق الأوروبيين.
مواقف جديدة
وبدا أن المكون العسكري الذي خضع للضغوط الخارجية خلال الفترة الماضية -حسب مراقبين- ووقع على الاتفاق الإطاري ورضي بالخروج من العملية السياسية والعودة إلى الثكنات، استطاع التفاهم مع عواصم غربية مؤثرة عبر تعاون أمني وعسكري، وانعكس ذلك في مواقف جديدة خلال اليومين الأخيرين اعتبرته قيادات في قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي تراجعا ومحاولة للتنصل من الاتفاق وإغراقه بقوى أخرى تدعو للشراكة مع العسكر.
وقال عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي، الأحد، إن القوى السياسية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري ليست كافية لحل المشكلة السياسية وتحقيق الاستقرار السياسي.
وأضاف كباشي خلال خطاب جماهيري في كادقلي -حاضرة ولاية جنوب كردفان- أن القوات المسلحة خارج العملية وتقف على مسافة واحدة من كافة المبادرات السياسية، مؤكدا أنها لن تمضي في الاتفاق الإطاري السياسي إذا لم تأت قوى أخرى بمقترح مقبول لتحقيق التوافق.
وأكد أن القوات المسلحة “لن تحمي دستورا غير متوافق عليه وقع عليه 10 أشخاص”، داعيا الموقعين على الاتفاق الإطاري إلى قبول الآخرين.
وكان البرهان قال خلال لقاء جماهيري في ولاية نهر النيل بشمال البلاد السبت الماضي إنه لا يسعى لانقلاب أو تغيير الوضع في البلاد، وإن الجيش لن يمضي في تنفيذ الاتفاق الإطاري مع جهة واحدة، ودعا جميع الأطراف للكف عن المضي بالعملية السياسية بمعزل عن بقية القوى، مشددا على أن “الجيش ليس ضد أحد، وقد وقّع على الاتفاق الإطاري على ألا يُقصي الآخرين”، وأن يشمل النقاش حول القضايا المتفق حولها كل القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني المحظور الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير.
تراجع أم كسب للوقت؟
ويسعى جنرالات المكون العسكري إلى خلط الأوراق وممارسة ضغوط على تحالف قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي، كما يرى قيادي في التحالف تحدث للجزيرة نت، وقال إنهم يدرسون المواقف الجديدة للبرهان وكباشي، واعتبرها محاولة للالتفاف على الاتفاق الإطاري للاستمرار في السلطة وعدم العودة للثكنات، حسب تعبيره.
وفي اتجاه آخر، يعتقد الباحث والمحلل السياسي موسى عبد القادر أن العسكر والقوى المدنية يعتمدون على قوى خارجية لتحسين موقفهم التفاوضي والحصول على مكاسب سياسية.
ويقول للجزيرة نت إن زيارة المدير العام لجهاز المخابرات أحمد إبراهيم مفضل إلى واشنطن مؤخرا يبدو أنها حققت اختراقا للبرهان مع جهات أميركية نافذة، وأعقبها ترتيب أميركي لزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم الأسبوع الماضي.
ويرى المحلل أن البرهان ينتهج سياسة “النفس الطويل” والمناورات لكسب الوقت في إنهاك القوى المدنية وإضعافها واستمرار دوره السياسي.