“هل يمكن أن تلعب معي؟” بهذه الكلمات البسيطة يكوّن الأطفال معظم صداقاتهم، وتنشأ علاقة قد تستمر لباقي العمر، لكن يصعب الأمر تدريجيا بتقدم العمر ويصبح أكثر تحديا، خاصة لمن يعانون من القلق الاجتماعي، الذي يجعل تكوين العلاقات أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة لهم.
فما القلق الاجتماعي؟ وكيف يؤثر على تكوين العلاقات؟ وكيف تتعامل معه؟
توتر وخجل
القلق الاجتماعي هو نوع من القلق يجعل من يعانون منه يشعرون بالتوتر الشديد والخجل في المواقف الاجتماعية، ما يدفعهم أغلب الأوقات إلى تجنب المناسبات والتفاعل مع الآخرين.
وينبع هذا القلق من الخوف المفرط من أن يصدر الناس عليك أحكاما سلبية، أو اعتقادك أنك لست محبوبا أو أنك ستفعل شيئا غير ملائم سيجعل الآخرين ينفرون منك، أو أي أفكار سلبية أخرى.
وعندما يتعلق الأمر بتكوين صداقات جديدة، يجد الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أنفسهم غير قادرين على دفع أنفسهم للتفاعل مع الآخرين، لكن لا يعني ذلك أنه لا يمكنك بناء علاقات جديدة، فمن خلال اتخاذ بعض الخطوات، يمكنك البدء في بناء صداقات مفيدة.
وإليك بعض الإستراتيجيات الفعالة لمساعدتك في رحلتك للبحث عن أصدقاء:
ابدأ بما يريحك
حاول إيجاد طرق لمساعدة نفسك على الشعور بالراحة في أثناء تكوين صديق جديد.
على سبيل المثال؛ يمكن أن تجد أنك تشعر براحة أكبر عندما تقابل شخصا واحدا فقط، أو تجد أن الوجود في مجموعات يرفع عنك حرج أن تتكلم طوال اللقاء، ويخفف شعورك بالقلق.
لاحظ الأفكار السلبية
يلعب التفكير السلبي دورا كبيرا في تفاقم القلق الاجتماعي، مثل الاعتقاد بأن لا أحد يهتم بما تريد قوله، والإفراط في تحليل كلمات الناس وأفعالهم وتفسيرها وفق اعتقاداتك السلبية عن نفسك.
على سبيل المثال؛ قد تجد نفسك تكرر أفكارا مثل “لا أحد يحبني”، “وجودي غير مرغوب به”.
وبمجرد ملاحظة وتحديد هذه الأفكار، حاول الاستغناء عنها بأخرى أكثر توازنا ترتكز على الواقع، مثل “لقد تمت دعوتي إلى هذا التجمع، ووجودي مرحب به، ولدي أشخاص يحبونني ويهتمون بي”.
ويساعدك تحديد وملاحظة أفكارك السلبية التي ترددها معظم الأوقات على تغييرها، وتغيير طريقة تفكيرك، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على شعورك وتصرفك المبني على هذه المشاعر.
تخيل أسوأ احتمال
اسأل نفسك “ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث حقا؟”.
تقول المعالجة النفسي سامانثا كينغما لموقع “سايك سنترال” (Psych Central) “في كثير من الأحيان، لا ندرك ما هو سبب قلقنا، وعندما نعترف ونقول أسوأ مخاوفنا بصوت عال، ندرك أنها ليست حقيقية”.
على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالقلق قبل مناسبة اجتماعية، فكر في أسوأ سيناريو محتمل؛ حيث قد تخطر لك أفكار مثل “إذا تحدثت سيبدو كلامي سخيفا، ما سيشعرني بالإحراج، ويظل الموقف يطاردني فيما بعد”. في النهاية ما تخشاه فعليا هو قول تعليق سخيف، وليست نهاية العالم.
ضع أهدافا صغيرة
من الطبيعي أن ترغب في تجنب الأشياء التي تخيفك، لكن تجنب المواقف التي تحفزك قد يجعل القلق أسوأ على المدى الطويل، ومن الأفضل أن تبدأ بمواجهة مواقف صغيرة غير مريحة نوعا ما، ثم التدرج في مواجهة الأصعب.
يمكنك البدء بتحديد أهداف صغيرة ثم اتخاذ خطوات نحوها، مثل الابتسام لشخص غريب، أو تبادل المجاملات مع البائع، أو إجراء محادثة صغيرة مع جارك، أو مراسلة أحد معارفك أو أصدقائك الحاليين.
مارس المهارات الاجتماعية
في أثناء محاولتك لتكوين صداقات جديدة، من المفيد أن تتعلم وتمارس بعض المهارات الاجتماعية، التي ستساعدك على تخفيف قلقك، وبناء علاقات بطريقة أسهل.
ويمكنك التدرب على جعل لغة جسدك أكثر انفتاحا، وتعلم كيفية إجراء محادثة قصيرة، وقد يساعدك التمرن مسبقا على هذه المحادثات، والتفكير في بعض الموضوعات التي لا تحتاج إلى التفكير كثيرا أو التعمق في التفاصيل حتى تستخدمها لبدء المحادثات الصغيرة.
ابحث في المكان الصحيح
من أجل العثور على أصدقاء، تحتاج إلى البحث عن فرص للتعرف على أشخاص جدد، ولتقصير المسافات، يمكنك البحث في الأماكن التي يتواجد بها أشخاص يشاركونك اهتماماتك.
إذا كنت مهتما بالتغذية الصحية والرياضة، يمكنك البحث في صالات الرياضة، أو إذا كنتِ مهتمة بالقضايا الإنسانية والمجتمعية، يمكنكِ التطوع في نشاطات الجمعيات الخيرية والتعرف إلى صديقات هناك.
وبالإضافة إلى تكوين علاقات جديدة، فكر في التواصل مع معارفك الحاليين مثل جيرانك أو زملاء العمل أو أصدقاء أصدقائك.
لا ترد الدعوات
عندما تقابل أشخاصا جددا، احرص على قبول دعواتهم لك لقضاء المزيد من الوقت معا، وشاركهم الحماس لوضع الخطط المشتركة، وابذل قصارى جهدك لتكون موجودا، وأظهر اهتمامك واستعدادك لبذل الجهد لتقوية العلاقة.
كن صبورا مع تطور صداقتك، حيث أظهرت دراسة أن الأمر قد يستغرق قضاء 50 ساعة أو أكثر قبل أن تطور علاقة التعارف إلى صداقة حقيقية.
ابق على تواصل
بعد أن سعيت لبدء الحديث وشاركت أصدقاءك المحتملين الجدد بعض الخطط، من المهم جدا أن تحافظ على تواصلك معهم، حتى لو برسالة صغيرة للاطمئنان عليهم أو مشاركة مقطع فيديو مضحك أو دراسة حول موضوع تناقشتم به سابقا.
ولا تنتظر أن يبادر الآخرين طوال الوقت، ولا تدع الأفكار السلبية مثل “لا أريد أن أثقل عليهم” أو “ربما لا يود هو التواصل معي” أن تمنعك من ذلك، وضع في اعتبارك أنه عليك أيضا أن تبادر وتعرض على الآخرين قضاء الوقت معا.