نحو سماء آمنة.. المقاومة في غزة تطور صواريخ مضادة لطيران الاحتلال
غزة- شهدت ساعات التصعيد الأخيرة في قطاع غزة كثافة في إطلاق قوى المقاومة صواريخ أرض-جو للتصدي للطائرات الحربية الإسرائيلية، لعرقلة تنفيذها غارات جوية، ردا على صواريخ أطلقتها المقاومة على مستوطنات “غلاف غزة” نصرة للمسجد الأقصى المبارك.
وبثت كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقوى أخرى، مشاهد مصورة لعمليات تصدي دفاعاتها الجوية بصواريخ أرض-جو لطائرات الاحتلال في أجواء القطاع.
وكان لكتائب القسام فضل السبق في استخدام هذه النوعية من الصواريخ، قبيل موجة التصعيد الأخيرة، بإعلانها -لأول مرة- في الثالث من الشهر الجاري عن أن “سلاح الجو” التابع لها كان في مهمة تدريبية في أجواء مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية جنوب القطاع، عندما اعترض طيران حربي إسرائيلي طائرة مسيرة من نوع “شهاب” محلية الصنع، فردت الدفاعات الجوية للقسام باستهداف الطيران المغير بعدد من صواريخ أرض-جو.
وكان لافتا خلال التصعيد الأخير عدم اقتصار استخدام هذه الصواريخ على كتائب القسام، بإعلان قوى صغيرة منضوية في “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة” عن مشاركتها بالتصدي للطيران المغير بهذه النوعية ذاتها.
وأقر متحدث باسم جيش الاحتلال بأن 7 صواريخ أرض-جو أطلقت من غزة، الخميس الماضي، انفجرت 5 منها في أجواء غلاف القطاع، واثنان باتجاه البحر، من دون تفعيل أي صواريخ اعتراضية.
المقاومة الفلسطينية تطلق صواريخ أرض – جو باتجاه الطائرات الإسرائيلية في أجواء #غزة… pic.twitter.com/j01MJTagyF
— ثائر الدر 🇱🇧 (@thaeraldorr) April 6, 2023
ستريلا محلي الصنع
وكشفت مصادر سياسية وعسكرية في المقاومة للجزيرة نت، عن نجاح مهندسي المقاومة في تطوير نموذج محلي عن صواريخ “ستريلا 2” سوفياتية الصنع، المضادة للطيران، “وما حدث في الأيام القليلة الماضية كانت مرحلة تجريبية لهذه الصواريخ”.
وتتطلع المقاومة للوصول إلى “سماء آمنة”، بتطويرها منظومات دفاعية تمنع استباحة الطيران الحربي الإسرائيلي لأجواء القطاع، بعد نجاحها منذ العام 2014 في تحييد المروحيات الحربية التي يستدعي تنفيذها مهام هجومية وضرب أهداف على الأرض التحليق على ارتفاعات منخفضة، بحسب مصادر المقاومة.
وقالت إن المقاومة كثفت عقب “معركة سيف القدس” في مايو/أيار عام 2021، من مساعيها لتطوير صواريخ مضادة للطيران، في محاولة منها لمنع أو تقليل مخاطر التحليق المكثف والآمن لمقاتلات الاحتلال في أجواء غزة، وتنفيذ غارات هجومية، وقد نجحت في امتلاك “مخزون” من هذه الصواريخ، وهو ما أثبتته كثافة عمليات التصدي الأخيرة.
ومنذ الحرب الثالثة على غزة في العام 2014، ظلت كتائب القسام وقوى المقاومة تعتمد استخدام مدافع 14.5 سوفياتية الصنع، بمدى إطلاق نار يصل إلى ألفي متر، مما أسهم في تحييد المروحيات، في حين أسفرت جهود مهندسي المقاومة -بحسب المصادر- عن نسخة محلية من صواريخ “ستريلا 2″، ورغم أنها لا تزال في المرحلة التجريبية فإنها ستسهم في عرقلة عمل المقاتلات الحربية الإسرائيلية.
وفي العام 2013 كشفت كتائب القسام عن امتلاكها صاروخ “ستريلا 2” ويعني بالعربية “السهم”، لم تفصح عن مصدره، واستخدمته -لأول مرة- في 19 أبريل/نيسان من العام الماضي، في التصدي لمقاتلات إسرائيلية في أجواء غزة.
وفي ذلك الحين، أقرت إسرائيل باستهداف طائرتها بصاروخ أرض جو، ولاحقا قالت أوساط أمنية وعسكرية إن “الطائرات أصبحت تحلق في أجواء غزة على ارتفاعات بعيدة، إثر تأكد امتلاك حماس لصواريخ مضادة للطيران”.
وهذه المنظومة من الصواريخ خفيفة الوزن، وتحمل على الكتف، وهي مصممة لاستهداف المقاتلات والمروحيات الحربية على ارتفاعات منخفضة تتراوح بين ألف و1500 متر، وقد دخلت حيز الاستخدام فعليا في العام 1968، وتمتاز بقدرتها على المباغتة، لسهولة نقلها وإطلاقها في ثوان معدودة، مما يجعلها في مأمن من الرصد والاعتراض.
🔴 كتائب القسام تعرض مشاهد لإطلاق صواريخ أرض-جو تجاه طيران الاختلال بعد استهدافه طائرة “شهاب” خلال مهمة تدريبية جنوب قطاع غزة pic.twitter.com/dPFQGP5noN
— ساحات 🇵🇸 (@Sa7atPlBreaking) April 3, 2023
إستراتيجية جديدة
وقال الناطق باسم حماس حازم قاسم للجزيرة نت: “إن المقاومة تنتهج إستراتيجية جديدة في التعامل مع طيران الاحتلال في سماء غزة، وتواصل تطوير قدراتها وأدواتها للرد على جرائمه”.
وتهدف مخططات المقاومة إلى الوصول لمرحلة تأمين سماء غزة من الطيران الإسرائيلي المعادي، ومنعه من حرية التحليق والاستهداف، وفق قاسم.
ومن بين قوى عدة شاركت في التصدي للطيران، عرضت وحدة الدفاع الجوي التابعة لحركة المجاهدين مقطعا مصورا يظهر فيه أحد عناصرها وهو يطلق صاروخ أرض- جو، محمولا على الكتف، وقال القيادي في الحركة مؤمن عزيز للجزيرة نت: “المقاومة تعمل على مدار الساعة من أجل تثبيت نظرية الردع”.
ومن أجل هذه الغاية، كشف عزيز عن تطوير أسلحة وصواريخ محلية الصنع، ولا يزال التطوير عليها مستمرا لتحسين قدراتها، كي لا تكون طائرات الاحتلال في مأمن أثناء تحليقها في سماء غزة.
وقال إن صواريخ أرض-جو التي استخدمتها المقاومة خلال الأيام الماضية هي جزء من المنظومة التي طورتها “العقول الهندسية للمقاومة” على صعيد الدفاعات الجوية، “ومثلما نجحنا في تحييد المروحيات على مدار السنوات الثماني الماضية، فإننا على الطريق لتأمين سماء غزة بالكامل”.
بصمات بارزة وتطور لافت
ويؤمن الخبير العسكري اللواء متقاعد يوسف شرقاوي بقدرة المقاومة في غزة على الوصول لغاية “سماء آمنة”، وقال للجزيرة نت: “بما أنها بدأت ستصل”، غير أنه لا يبالغ في تقديرها، رغم احتمالات الخطر على طيران الاحتلال، جراء هذه الصواريخ التي لا تزال في المرحلة التجريبية، وبحاجة إلى مزيد من الوقت للتطوير من حيث الدقة والمدى والقوة التفجيرية.
وعاد شرقاوي لمدح مساعي المقاومة الحثيثة لامتلاك سلاحها وتطوير قدراتها بالمتاح لديها من إمكانيات بسيطة، “رغم الحصار المشدد برا وبحرا وجوا”، وقال: “كان لصواريخ ستريلا دور محوري لصالح ثوار فيتنام، باستخدامها عبر نصب الكمائن للمروحيات على قمم الجبال، ونجحوا في إسقاط نحو 3 آلاف مروحية”.
ورغم أن “ستريلا 2” أو “سام 7″، التي يقول شرقاوي أنها استمدت اسمها الثالث “الكوبرا” من مقدمة الصاروخ وهي منبع التغذية وتشبه الكوبرا في حساسيتها العالية، منظومة قديمة فإنها لا تزال رائجة لدى كثير من الجيوش وحركات التحرر حول العالم.
ووصف شرقاوي المرحلة الحالية التي وصلت إليها المقاومة بصواريخها محلية الصنع بأنها “مرحلة مباغتة وتشويش”، وقال: “مقاومة غزة تعلمت فنون الحرب من تجارب الحروب، وهي في سباق كبير مع الاحتلال الذي يمتلك أكثر المنظومات العسكرية تطورا، ومع ذلك تركت بصمات بارزة في مواجهته”.
وبدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم للجزيرة نت، إن إسرائيل تنظر بخطورة كبيرة للتطور اللافت في قدرات المقاومة على صعيد استهداف الطيران، وقد توقف محللون عسكريون وأمنيون إسرائيليون طويلا أمام الكثافة التي شهدها التصعيد الأخير في إطلاق صواريخ أرض-جو، ترجح مستويات إسرائيلية أنها صناعة محلية.
ورغم أن هذه الصواريخ لا تزال في مرحلتها الأولى، فإن المخاوف الإسرائيلية قائمة من نجاحها في إسقاط طائرة ما سيحدث تحولا إستراتيجيا في المواجهة، باعتبار أن سلاح الجو هو الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي منذ عقود، ويعتمد عليه في عمليات التجسس وجمع المعلومات الاستخبارية، وفي تنفيذ غارات جوية ومهام هجومية.