استثمارات ضخمة ودعم سياسي لأيرلندا.. بايدن يلقي بكل ثقله لإخراج أرض أجداده من أزمة سياسية خانقة
لندن- لم يفوت الرئيس الأميركي جو بايدن فرصة زيارته إلى أرض أجداده في أيرلندا الشمالية دون أن يؤكد على أهمية عودة الاستقرار السياسي في البلاد، بمناسبة مرور 25 عاما على توقيع اتفاقية الجمعة العظيمة التي أرست السلام بين الوحدويين الأوفياء للتاج البريطاني والمعتنقين للمذهب البروتستانتي وبين الانفصاليين المعتنقين للمذهب الكاثوليكي.
وفي زيارة تحمل الكثير من الدلالات ظهر الرئيس الأميركي بمظهر الراعي والضامن لاستمرار استقرار أيرلندا الشمالية وعدم انزلاقها من جديد نحو العنف، والسعي لحل الأزمة السياسية التي تعيشها منذ أكثر من سنة بسبب مقاطعة الحزب الديمقراطي الأيرلندي كل مؤسسات الدولة كخطوة احتجاجية على وضع أيرلندا الشمالية بعد البريكست، وهو ما أدى إلى تعطيل الجهاز التنفيذي وكذلك البرلمان.
وبينما توقع الجميع أن بايدن سيفاخر كما العادة بأصوله الأيرلندية من جهة والدته فقد تحدث في خطابه هذه المرة عن أصوله البريطانية أيضا من جهة والده، وهي إشارة فهم منها البعض حرص الرئيس الأميركي على علاقات متوازنة بين أيرلندا وبريطانيا.
عراب السلام
يعلم الرئيس الأميركي أن بلاده كانت هي الراعية لاتفاقية الجمعة العظيمة التي وضعت حدا لصراع دموي راح ضحيته 3600 شخص، كما أنه يعلم حجم الأزمة السياسية التي تعيشها أيرلندا الشمالية بين الاتحاديين والانفصاليين، والتي عطلت مؤسسات البلاد، ولهذا شدد خلال كلمة ألقاها في العاصمة بلفاست على ضرورة عودة هذه المؤسسات للعمل في أقرب وقت.
ومن أجل إقناع الحزب الديمقراطي الأيرلندي بالعودة للسلطة التنفيذية وللبرلمان فقد وعد الرئيس الأميركي بتوجيه استثمارات أميركية بقيمة 6 مليارات جنيه إسترليني، في محاولة لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أيرلندا الشمالية، خصوصا بعد البريكست.
وكان لافتا أن بايدن وصل إلى أيرلندا بنقطة واحدة في جدول أعماله وهي الحث على عودة الحياة السياسية إلى طبيعتها في بلفاست، والتشبث باتفاقيات الجمعة العظيمة، حيث لم يخصص للقاء الذي جمعه برئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلا مدة وجيزة ولم تخرج عنه أي قرارات مهمة.
الأولوية لأيرلندا
بدورها، تتذكر الصحفية والسياسية إيفون ريدلي المتخصصة في ملف انفصال أسكتلندا وأيرلندا عن المملكة المتحدة تغطيتها توقيع اتفاقية الجمعة العظيمة قبل 25 عاما وكيف “أن الجميع كان مقتنعا بأنه يجب عدم العودة إلى العنف مهما كلف الثمن”، مضيفة في حديثها مع الجزيرة نت أن زيارة بايدن إلى أيرلندا “تعتبر زيارة بالغة الأهمية ولها وزنها، وقطعا ستترك أثرها على الوضع السياسي في أيرلندا”.
وأكدت ريدلي أن أيرلندا “ربما تكون قريبة من الانفصال عن المملكة المتحدة أكثر من أسكتلندا، لأن القناعة التي لمستها لدى الأيرلنديين أن الحل هو أن أيرلندا الموحدة والبعيدة عن لندن سيكون لها مستقبل زاهر خارج المملكة المتحدة”.
ولفتت إلى أن الرئيس بايدن “وجد في جدول أعماله 4 أيام من أجل زيارة أيرلندا، لكنه اعتذر عن حضور حفل تنصيب الملك تشارلز الثالث في مايو/أيار المقبل، وهو ما يدل على أهمية الملف الأيرلندي لدى الرئيس الأميركي”.
وحضرت الحسابات السياسية للرئيس بايدن في هذه الزيارة “ذلك أن كل رئيس أميركي يسعى للحديث عن أصوله الأيرلندية، وهذا راجع إلى البنية الديمغرافية الأميركية التي فيها طبقة مؤثرة جدا في القرار السياسي ولها أصول أيرلندية، ولهذا يسعى بايدن إلى حشد هذه الطبقة قبل أي إعلان محتمل عن ترشحه لولاية رئاسية ثانية”.
خطاب متزن
من جانبه، وصف عضو حزب الخضر الأيرلندي رايان سميث خطاب الرئيس الأميركي في بلفاست بأنه خطاب متزن، ويراعي التوازنات السياسية في أيرلندا، موجها انتقادات شديدة إلى بعض الأصوات الصادرة عن الحزب الديمقراطي الأيرلندي التي اتهمت بايدن بأنه يريد الضغط عليها للعودة إلى البرلمان وإلى الحكومة.
وقال السياسي الأيرلندي إنه يشفق على أصحاب هذا الخطاب، مشيرا إلى أن “أيرلندا تحتاج لبناء مستقبل أفضل، وأن تكون أقوى وعلاقاتها جيدة مع بقية دول العالم لا أن تعيش معزولة عن العالم”.
في المقابل، حذر سميث من حالة العنف المتصاعدة لدى بعض الشباب الذين احتفلوا بذكرى اتفاقيات الجمعة العظيمة بإضرام النيران في إطارات السيارات وإغلاق بعض الشوارع، مؤكدا أن “هؤلاء الشباب لم يعيشوا حالة العنف التي شهدتها أيرلندا، ومع ذلك ما زالت دائرة العنف مستمرة وتضر بالفئات الأكثر هشاشة في البلاد”.