الاحتجاجات على قانون رفع سن التقاعد في فرنسا لم تتوقف حتى بعد قرار المجلس الدستوري أمس الجمعة (الأناضول)

الاحتجاجات على قانون رفع سن التقاعد في فرنسا لم تتوقف حتى بعد قرار المجلس الدستوري أمس الجمعة (الأناضول)

باريس – بعد 3 أشهر من الأزمة السياسية والاجتماعية بسبب قانون إصلاح نظام المعاشات التقاعدية المثير للجدل، صدّق المجلس الدستوري في فرنسا أمس الجمعة على جوهر القانون، بما في ذلك الإجراء الرئيسي المتمثل في رفع سن التقاعد القانوني من 62 إلى 64 عاما.

ويعد هذا القرار رفضا مباشرا لمسودة “استفتاء المبادرة المشتركة”، الذي كان من بين السيناريوهات الثلاثة المطروحة أمام المجلس، لكن اليسار الفرنسي تقدم بطلب ثانٍ الخميس الماضي في انتظار بت المجلس الدستوري في أمره يوم الثالث من مايو/أيار المقبل.

 

ومن المقرر أن تُنشر المواد التي تمت المصادقة عليها في الجريدة الرسمية في غضون 15 يوما، أي بحلول نهاية أبريل/نيسان الجاري، على أن يبدأ تطبيقها من سبتمبر/أيلول المقبل.

وقال المجلس مساء أمس الجمعة إن السلطة التنفيذية (الحكومة) “لم تتجاهل أي شرط دستوري”، سواء في استخدامها ميزانية معدلة للضمان الاجتماعي لتمرير إصلاحها، أو المادة الدستورية التي استنكرتها الأحزاب المعارضة والنقابات.

بنود رفضها المجلس

لكن المجلس رفض 6 مواد في قانون إصلاح التقاعد، بما في ذلك “مؤشر كبار السن” الذي يشجع على توظيف كبار السن والاحتفاظ بهم في الشركات، وفرض الرقابة على عقود العمل غير محددة المدة لكبار السن.

 

بالإضافة إلى ذلك، رفض المجلس -الذي يترأسه رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيان- الآلية التي تضمن الحفاظ على تحصيل الاشتراكات من المعاش التكميلي، وبعض الشروط المتعلقة بالحق في المغادرة المبكرة لموظفي الخدمة المدنية في الفئات العاملة.

 

كما تشمل المواد بعض الأحكام المرتبطة بـ”مراقبة فردية محددة لصالح الموظفين الذين يعملون في حرف أو أنشطة معرضة بشكل خاص لمخاطر مهنية معينة”، والمادة 27 التي تضمن نظام بيانات للأشخاص المؤمن عليهم في نظام دفع المعاشات بشكل منتظم.

يذكر أن المجلس الدستوري -المكون من 9 أعضاء (حكماء) يتم تعيينهم كل 9 سنوات- تأسس بموجب دستور الجمهورية الخامسة بتاريخ الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1958، وهو مسؤول عن مراقبة توافق القانون مع الدستور، وأشرف على مراقبة 13 قانونا عاديا و4 قوانين أساسية.

“لم تنته المعركة”

وقال جيرالد أوليفيه (محلل سياسي متخصص في العلاقات الدولية) للجزيرة نت “يجب أن يتحمل الشعب الفرنسي مسؤوليته، لأنه كان السبب وراء اختيار إيمانويل ماكرون رئيسا للبلاد منذ عام 2017″، مشيرا إلى أن القرار كان متوقعا حتى مع لجوء الحكومة للمادة (49.3) من الدستور، لأنها تعلم أنه إجراء قانوني ولها كل الحق في تطبيقه.

وبعد لحظات قليلة من إعلان قرار المجلس الدستوري، جاء رد زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلانشون سريعا، إذ كتب في تغريدة عبر حسابه على تويتر أن القرار “يلبي احتياجات النظام الملكي الرئاسي أكثر من اهتمامه بمطالب الشعب ذي السيادة”، مؤكدا أن “النضال مستمر ويجب أن يستجمع قواه”.

 

 

من جانبها، رأت مارين لوبان المرشحة الرئاسية السابقة وزعيمة أقصى اليمين أن “المصير السياسي لإصلاح نظام التقاعد لم يُحسم بعد”، واصفة الإصلاح بأنه “غير مُجد وظالم”.

 

 

 

ورأى رئيس الجبهة الوطنية جوردان بارديلا أن “ماكرون لن يكون قادرا على الاختباء وراء القرار الذي لا يغلق النقاش بأي شكل من الأشكال”، مؤكدا أنه يسهم في تشكيل شرخ كبير بين رئيس الجمهورية والشعب الفرنسي.

وفي مقابل الأصوات السياسية والشعبية المعارضة لقرار المجلس الدستوري، عبر مؤيدو الحكومة عن ترحيبهم بقرار أمس الجمعة، مثل وزير العمل أوليفيه دوسوبت الذي عدّه “نهاية العملية التشريعية والديمقراطية للإصلاح بعد أشهر من المشاورات والنقاشات البرلمانية”.

في حين نشرت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن (عرابة القانون) سلسلة من 5 تغريدات على تويتر أشادت فيها بما رأته “وصول إصلاح نظام التقاعد إلى نهاية عملية ديمقراطية من دون أن يكون هناك فائز ولا خاسر”.

النقابات ترفض لقاء ماكرون

وأعلنت الرئاسة أن ماكرون دعا ممثلي النقابات للحضور الثلاثاء المقبل في قصر الإليزيه “بغض النظر عن قرار المجلس الدستوري”. وأضافت في بيانها أن “الباب سيبقى مفتوحا من دون شروط مسبقة لهذا الحوار”.

ويأتي ذلك في إشارة واضحة إلى تغير سياسة رئيس الجمهورية تجاه النقابات العمالية، خاصة بعد رفضه الجلوس معهم على طاولة النقاش قبل شهر تقريبا.

 

لكن السكرتير الفدرالي لنقابة “سي جي تي” للخدمات العامة فرانسوا ليفارتوفسكي أكد للجزيرة نت أن الاتحاد النقابي رفض مقابلة ماكرون قبل الثاني من مايو/أيار المقبل.

وأضاف المتحدث نفسه أن “فرنسا تشهد اليوم نقاشا وجوديا حول ما هو قانوني وما هو شرعي. فمثلا، ماكرون هو رئيس قانوني من دون شك، لكن رغبته في فرض قوانين أساسية كإرغامنا على العمل عامين إضافيين هو أمر غير شرعي”.

وأضاف ليفارتوفسكي أن “ميزان القوى الذي يمكن أن يرغم ماكرون على التراجع هم أرباب العمل والشركات الكبرى، والإضرابات المستمرة التي تهدد استقرار الاقتصاد، فضلا عن غضب الشعب”.

ولا تزال النقابات العمالية -التي ترى أن العقل هو المفكر والموجه للمظاهرات منذ بدايتها- تؤمن بأن المصادقة على أي قانون لا يعني تطبيقه بالضرورة، لأن الجميع متشبث بالتعبئة لمحاربة هذا القانون الذي يعمق حجم المشكلة بين الحكومة والشعب.

ويرى المحلل السياسي أوليفيه أن الخوف الآن يدور حول ردود الفعل التي قد تكون عنيفة بعد يوم طويل من الانتظار، لأن كثيرين يرون أن آمالهم في التمكن من تخطي النزاع الاجتماعي المتجذر منذ يناير/كانون الثاني الماضي قد تبخرت، “وهو ما يُنذر بمواصلة الخروج إلى الشارع وعدم إخماد لهيب التعبئة الذي اندلع منذ أشهر”.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author