القاهرة- تعمل الحكومة المصرية على التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر في مسارات عديدة، وسط نجاحات وتحديات ومشاعر قلق من التعثر لدى بعض المستفيدين، بسبب الظروف الراهنة التي تتطلب -بحسب خبراء اقتصاد تحدثوا للجزيرة نت- تصحيحا وحسن إدارة ورعاية.
وتواجه المشروعات الصغيرة في مصر تحديات عديدة، في وقت تتزايد فيه مساعي الحكومة لتفعيل تنمية تلك المشروعات والعناية بالأسر المنتجة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، عن طريق عدة مسارات:
- جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.
- مشروع الأسر المنتجة.
- تفعيل صندوق دعم الصناعات الريفية والبيئية والإنعاش الريفي.
- تدشين المبادرات.
- المساهمة في التسويق الإلكتروني.
- تنظيم المعارض.
ووفق إحصائيات رسمية، حظيت محافظات الوجه القبلي بنسبة 45% من إجمالي التمويل الحكومي المُوجه لتلك المشروعات خلال الفترة من يوليو/تموز 2014 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2022، مُقابل 36% لمحافظات الوجه البحري، و14% للمحافظات الحضرية.
وأوصت لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب في 3 أبريل/نيسان الجاري، جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر بإعداد مقترح تعديل القانون رقم 152 لسنة 2020، الخاص بعمل الجهاز لتمكين المرأة أكثر من المزايا والحوافز الواردة في القانون، حيث تصل نسبة السيدات بين الحاصلين على سجلات تجارية من المشروعات الصغيرة إلى 26%.
وأشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة لضرورة تحقيق التمكين الاقتصادي القائم على المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في أنحاء البلاد، مؤكدا الاهتمام بذلك في تنفيذ إستراتيجية تنمية محافظة شمال سيناء الحدودية.
وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن قطاع المشروعات الصغيرة يحظى باهتمام كبير من جانب الدولة، من خلال العديد من المبادرات الداعمة له، والمعارض للترويج لمنتجاته.
رحلة كفاح
يمتلك كيرلوس داود مشروعا خاصا في صناعات النسيج اليدوية في جنوب البلاد، وبالتحديد في مدينة نقادة بمحافظة قنا، وهو مشارك دائم في معارض “ديارنا” التي تنظمها وزارة التضامن الاجتماعي لدعم صغار المستثمرين، ومن بينها المعرض المقام حاليا في مدينة 6 أكتوبر بالقرب من العاصمة القاهرة في الفترة من 16 مارس/آذار الماضي إلى 20 أبريل/نيسان الجاري.
ويوضح داود -في حديثه للجزيرة نت- أنه من بيت متخصص في صناعة النسيج اليدوية، وانطلق في مشروعه بتمويل عائلي خالص، رافضا التوجه للقروض خشية التعثر في ظروف اقتصادية صعبة، وهو ما حدث مع كثيرين في الفترات الأخيرة.
ويشير داود إلى أن أصحاب المشروعات الصغيرة يجدون في معارض “ديارنا” الحكومية فرصة جيدة للتسويق الذي يعدّ التحدي الأكبر لهذه المشروعات، موضحا أن التسويق الداخلي بمصر يخضع لموقع المعرض، ففي الوقت الذي كان فيه المعرض يقام بقلب القاهرة الجديدة (منطقة راقية) كان الإقبال كبيرا ومربحا، على عكس المعرض الحالي في مدينة 6 أكتوبر الذي لم يؤتِ ثماره حتى الآن.
ويطالب داود بدعم الحكومة لصغار المستثمرين في معارض التسويق الخارجي في دول العالم، مشيرا إلى تجربته وكثيرين في معرض بدولة البحرين مؤخرا، تكبدوا فيه خسائر بسبب تكلفة السفر والشحن والجناح في المعرض، ليفاجؤوا بمنتجات صينية تباع بأسعار أقل رغم أن جودة المنتج المصري المصنوع يدويا أفضل.
وشعور القلق من التعثر والديون ما زال هو الهاجس المسيطر على الكثيرين في هذا الوقت، ومنهم رامي رجب، وهو صاحب مشروع متناهي الصغر في صناعة الملابس الجاهزة، أوضح للجزيرة نت أن السوق لا يتحمل السعي للحصول على قروض لتوسعة مشروعه الخاص في ظل الركود الحالي، فيما يشير إلى سعي البعض لاستغلال تمويلات الحكومة وقروضها لسداد ديون عليهم وليس لبدء مشروع أو توسعة مشروع حالي، وفق ما يرصده.
ويعرف القانون رقم 152 لسنة 2020 المشروعات الصغيرة بأنها “كل مشروع يبلغ حجم أعماله السنوي مليون جنيه ويقل عن 5 ملايين جنيه، أو كل مشروع صناعي حديث التأسيس يبلغ رأسماله المدفوع أو رأس المال المستثمر بحسب الأحوال 50 ألف جنيه ويقل عن 5 ملايين جنيه، أو كل مشروع غير صناعي حديث التأسيس يبلغ رأسماله المدفوع أو رأس المال المستثمر بحسب الأحوال 50 ألف جنيه، ويقل عن 3 ملايين جنيه”، علما بأن الدولار يساوي نحو 31 جنيها مصريا.
أي أن المشروعات المتناهية الصغر هي كل مشروع يقل حجم أعماله السنوي عن مليون جنيه أو كل مشروع حديث التأسيس يقل رأسماله المدفوع أو رأس المال المستثمر بحسب الأحوال عن 50 ألف جنيه.
تحديات تعرقل النمو
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن الوعي بأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر ضعيف في مصر، رغم أن دولا كثيرة أحدثت به تنمية اقتصادية مثل اليابان، ورغم وجود دراسات جدوى مصرية كثيرة جدا، فإنها لم تنقل إلى أرض الواقع سواء عن طريق الحكومة أو رجال الأعمال أو الجمعيات المعنية بالتمويل.
ويعرب الصاوي -في حديثه للجزيرة نت- عن ضيقه الشديد بعدم حوكمة تلك الجمعيات المعنية بالتمويل لهذه المشروعات، التي يقول إنها تقدم تمويلا بسعر عال جدا دون أي رعاية، بينما عدد ليس بقليل من المستفيدين من القروض يستخدمها في تدبير بعض احتياجاتهم الاجتماعية بدلا من المشروعات، مثل الإنفاق على البيوت أثناء البطالة أو سداد الديون، بل بعض المستفيدين يقعون في ورطة ما يسمى “تدوير الديون” عبر اللجوء إلى جمعية تلو جمعية لسداد قرض من جمعية لأخرى، ليسقط ضحية للدين في نهاية المطاف.
ويرى الصاوي أن أهم التحديات التي تواجه تلك المشروعات تكمن في البيروقراطية الحكومية والفساد في المحليات، وصعوبة الحصول على التمويل البنكي لغياب الضمانات، فيما تنبع التجارب الناجحة من ارتباط المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بمشروعات متوسطة وكبيرة مثل الصناعات المغذية.
ويشير إلى أن هناك إشكالية في التنميط المستمر المرتبط بتلك المشروعات ومحاولة اقتصارها على مشروعات بعينها، مثل البقالة والخضروات والمنسوجات، موضحا أن مشروعات البرمجيات من المشروعات الصغيرة في الهند، والحكومة هناك ترعاها وتقدم لها كل فرص النجاح.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه لا بد لإنجاح المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة من تضافر عدة مرتكزات، في مقدمتها حسن التدريب والإدارة والتسويق والجودة، للخروج بمنتجات تناسب مثيلاتها المنافسة على الصعيد المحلي أو الخارجي.
ويقترح الصاوي أن تبدأ الحكومة في التعريف بهذه المشروعات من مرحلة التعليم الفني بعد المرحلة الإعدادية في المدارس التجارية أو الصناعية أو الزراعية، ليتعرف هؤلاء التلاميذ على مفاهيم هذه المشروعات منذ الصغر في المدارس.
تنسيق الجهود
ويرى الباحث الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن أهم تحدي يواجه تلك المشروعات هو فعالية تنسيق الجهود المبذولة في ملف المشروعات الصغيرة، خاصة مع منظومة الأسرة المنتجة التابعة لوزارة التضامن، أو مسارات جهاز تنمية المشروعات التابع لرئاسة الوزراء، أو غيرهما من المبادرات المجتمعية، بحيث تكون هناك مظلة جامعة تحكمها معايير الحوكمة والشفافية وتقودها خطة واضحة.
ويوضح الطاهر -في حديث للجزيرة نت- أن نجاح المشروعات الصغيرة يبدأ بالعناية بتشغيل آلة الإنتاج الأولى في نواة المجتمع، وهي الأسر، متوقعا أنه مع الوقت والتوسع المدروس وتكثيف البرامج التوعوية والتحفيزية، قد ترتقي منظومة الأسر المنتجة بشكل يساهم في حل الأزمة الاقتصادية، خاصة فيما يخص المسار التنموي المرتكز على إحياء الحرف التراثية اليدوية والمساهمة في التصدير وجلب العملة الصعبة.
ويرى الباحث الاقتصادي أنه في حالة مصر الراهنة، لن تنجح تلك المشروعات إلا بعد الاهتمام الحكومي بها بشكل مماثل للبنية التحتية كالجسور والطرق، في ظل غياب التنسيق والتكامل، وعدم الاعتناء بنشر ثقافة الأسر المنتجة والتوعية بمثل تلك المشروعات التنموية بشكل كاف ومؤثر، رغم أنها تعتبر حجر الزاوية في اقتصاديات عدة.