ستنطلق صفارات الإنذار ظهر هذا اليوم في جميع المدن الرئيسة بالضفة الغربية لإحياء الذكرى 75 “للنكبة”؛ عندما أجبرت إسرائيل في 15 مايو/أيار 1948 آلاف الفلسطينيين على الفرار من منازلهم إلى الأبد. وبعد 75 عاما على ذلك، يبدو أن النظام السياسي الفلسطيني مهدد بهزيمة جديدة، وهو في وضع عام مماثل للوضع الذي كان سائدا قبل عام 1948.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية مقالا لمراسلها في القدس غيوم دي ديوليفو، انطلق فيه من الغارات الإسرائيلية الجديدة والصواريخ الفلسطينية التي قابلتها في قطاع غزة على مدى 5 أيام، موضحا أنها أسفرت عن مقتل إسرائيلي واحد و34 فلسطينيا، ليصل عدد من قتلوا هذا العام من الفلسطينيين إلى نحو 95.
وعزا الكاتب تزايد عدد القتلى إلى الأوضاع المعيبة التي تقوّض الضفة الغربية، إذ تخضع هذه الأرض جزئيا للسلطة الفلسطينية منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، وهي مجزأة وتخضع لضغوط مستمرة من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وذلك مما أفقد الرئيس محمود عباس وحزبه وفتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها مصداقيتهم داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة.
وضع مشابه لعام 1948
وفي هذا الفضاء -كما يقول الكاتب- لا يتجاوز متوسط العمر بين الفلسطينيين 20 سنة، ومعظم السكان ولدوا بعد انتهاء الانتفاضة الثانية، والجيل الحالي يدرك فشل اتفاقيات أوسلو ويرفض رفضا باتا السلطة الفلسطينية و”التعاون مع المحتل الإسرائيلي”.
وهو يحمل السلاح مرة أخرى داخل هياكل غير رسمية، ويخوض نوعًا من حرب العصابات ضد إسرائيل، إذ يقول الجنود الإسرائيليون إنهم يتصرفون كما لو كانوا في منطقة حرب، وذلك ما يفسر عدد القتلى في كل تدخل تقريبا، ومع كل “شهيد” تضعف مصداقية السلطة الفلسطينية التي هي أيضا مستنزفة ماليا، وفقا للكاتب.
ويتساءل الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى غيث العمري الذي تولى مسؤوليات مختلفة داخل السلطة الفلسطينية: هل سيوافق محمود عباس على ترك السلطة قبل وفاته؟ مشيرا إلى أن 63% من الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة الفلسطينية أصبحت عائقا وليست لمصلحة فلسطين، “ويعتقدون أنه من الجيد أن تنهار”.
مع أنه -حسب الباحث- لا أحد لديه مصلحة في انهيار النظام، بدءا من إسرائيل التي سيضطرها ذلك إلى تولّي مسؤولية السكان الفلسطينيين، وقد يجبرها على التحرك نحو حل الدولة الواحدة، وبدل أن تكون ديمقراطية يهودية كما تريد سيتعين عليها “الاختيار بين الديمقراطية واليهودية”.
ويعتقد الباحث أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو الحوار، “ليظهر للشعب الفلسطيني أن الدبلوماسية واللاعنف يمكن أن يسفرا عن نتائج”. ففي مخيم جنين للاجئين مثلا يغذي اليأس العنف، ولا يُرحب بالأجانب إلا إذا كانوا من عناصر الإغاثة والمساعدات، وتمنع حواجز مرتجلة مرور المركبات إلا إذا كانت لعائلة معروفة هنا كعائلة جبارين التي أهدت 4 “شهداء” لقضية “المقاومة” ضد إسرائيل.
جيلنا أقوى من جيل النكبة
وفي مخيم جنين يعيش منذ 75 سنة عدد من اللاجئين في منازل متلاصقة بعد أن طردتهم إسرائيل من بيوتهم ومدنهم، في وضع يتوارثه الأجيال صاغرا عن كابر، ويعيشه اليوم 22 ألف شخص تتشابه حكاياتهم التي تحكي الانزلاق الطويل الذي قادها من اليأس إلى العنف مع حكاية عائلة جبارين، إذ تغطي صور قتلى الأسرة الجدار الخلفي، ويظهر شبان في زي شبه عسكري وبندقية “إم 16” (M16) بأيديهم.
ويروي الجد الذي لم ينس شيئا من طفولته في حيفا كيف كان والده الحداد ومنزلهم والرحلة ومراحل التجوال التي قادتهم إلى هنا، ويقول “ولد أبنائي بعد اتفاقيات أوسلو، وماذا رأوا؟ الوضع يزداد سوءًا بالنسبة لنا. لا يوجد طريق آخر سوى السلاح”.
ويستمر قائلا “قبل دخولي السجن كنت آمنت بالسلام. كنت مع فتح، لكنني غيرت رأيي. لقد تخلّت فتح عن السلاح منذ نهاية الانتفاضة الثانية، كنا نتفاوض منذ مدة طويلة وننظر. لا نتيجة”، وقد أصبح جميع أبنائه أعضاء في الجهاد الإسلامي.
يتحمس المراهق قائلا “أريد أن أكون مثلهم؛ أريد أن أكون مع المقاومة”. ويوضح الأب “لا أحد يسعد بإرسال طفله إلى الموت، لكنه الحل الوحيد”، بخاصة أن الوضع يزداد سوءًا كما يقول ميدال فرح مدير لجنة الخدمة الشعبية في المخيم.
ويضيف فرح قائلا “عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا ابتهج الناس؛ اعتقدوا أن بوتين سيرسل قنابل نووية إلى الولايات المتحدة وأننا سننتهي أخيرا من إسرائيل. هذا يخبرك بمدى اليأس الذي وصلوا إليه”.
ويختم الكاتب بقول محمد جبارين “لماذا يتمتع الآخرون من غيرنا بالحرية؟ لا نريد أن نموت، نريد أن نكون أحرارا. يعتقدون أننا سنهدأ وأننا سنستكين، لكن الأمر لم يعد يجدي نفعا. جيلنا أقوى من جيل النكبة وجيل أبنائنا أقوى بالفعل من جيلنا”.