السيناتور ساندرز يدعو لإحداث ثورة بالسياسة الخارجية الأميركية
دعا العضو المستقل في مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز إلى إحداث ثورة في السياسة الخارجية لبلاده تقوم على الاستعاضة عما يسميه الجشع والنزعة العسكرية والنفاق، بالتضامن والدبلوماسية وحقوق الإنسان.
وقال إن ثمة حقيقة مؤسفة بشأن سياسة واشنطن تتمثل في أن بعض أهم القضايا التي تواجه الولايات المتحدة والعالم نادرا ما تكون موضع نقاش بشكل جدي. ويصدق ذلك -في نظره- أكثر ما يصدق على السياسة الخارجية الأميركية.
وأعرب عن أسفه على أن الإجماع بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، حول القضايا الخارجية، لعقود عديدة، غالبا ما كان توافقا خاطئا، سواء تعلق الأمر بالحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق، أو سعيها للإطاحة بالحكومات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، أو مبادراتها “الكارثية” في مجال التجارة، مثل الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وإقامة علاقات تجارية طبيعية دائمة مع الصين.
الإضرار بالمكانة وتقويض القيم
ورأى ساندرز -في مقال له بمجلة “فورين أفيرز”- أن النتائج التي تمخضت عنها تلك السياسات كثيرا ما أضرت بمكانة الولايات المتحدة في العالم، وقوضت قيمها المعلنة، وكانت نتائجها وخيمة على الطبقة العاملة الأميركية.
وأضاف أن هذا النمط لا يزال مستمرا حتى اليوم. وساق مثالا على ذلك دفاع الولايات المتحدة “وحدها تقريبا” في العالم عن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية “المتطرفة”، التي قال إنها تشن حرب تدمير شاملة ضد الشعب الفلسطيني، مما أزهق أرواح عشرات الآلاف -ومن بينهم آلاف الأطفال- وتسببت في تجويع مئات الآلاف الآخرين في قطاع غزة.
وفي إطار إشاعة الخوف من الخطر الذي تشكله الصين والنمو المستمر لصناعتها العسكرية، فمن السهل أن نرى أن خطابات القادة الأميركيين في كلا الحزبين، وقراراتهم، لا تسترشد في كثير من الأحيان بمعايير احترام الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، بل بالنزعة العسكرية، والتفكير الجمعي، والجشع وقوة مصالح الشركات، على حد قول ساندرز.
عزلة متزايدة حتى بين حلفائها
ولهذا السبب -يضيف ساندرز- أصبحت الولايات المتحدة تعاني عزلة متزايدة، ليس فقط من الدول الأفقر في العالم النامي، بل أيضا من عديد من حلفائها القدامى في العالم الصناعي.
ويرى عضو الكونغرس في مقاله أن الوقت قد حان لإعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية بشكل جذري بعد كل تلك الإخفاقات، مضيفا أن ذلك يبدأ بالاعتراف بفشل توافق الحزبين في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبصياغة رؤية جديدة تركز على حقوق الإنسان، والتعددية، والتضامن الدولي.
وأنحى باللائمة على السياسيين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الذين لطالما استخدموا التخويف والكذب البواح لتوريط الولايات المتحدة في صراعات عسكرية خارجية “مأساوية يتعذر الفوز بها”، كتلك التي خاضها الرئيس ريتشارد نيكسون في فيتنام وكمبوديا، والتي أضرت كثيرا بمصداقيتها في الخارج والداخل.
تكرار الأخطاء
ووفقا للمقال، فقد كررت واشنطن عديدا من تلك الأخطاء، لا سيما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما حشد الرئيس جورج بوش الابن قرابة مليون جندي أميركي وما يزيد على 8 تريليونات دولار لشن “حرب عالمية على الإرهاب”، وحروب “كارثية” في أفغانستان والعراق.
ولم تكن حرب العراق حالة استثنائية، حسب ساندرز، فقد مارست أميركا، برأيه، تعذيبا واحتجزت أشخاصا بشكل غير قانوني، واختطفت مشتبها بهم في جميع أنحاء العالم وأودعتهم معتقل غوانتانامو في كوبا وسجونا أخرى تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).
ووصف عضو الكونغرس السياسة الأميركية تجاه الصين بأنها مثال آخر على فشل التفكير الجماعي في السياسة الخارجية، وأضحت “البعبع الجديد” لها، مشددا على ضرورة أن تحاسب بكين على انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
دعم الطغاة في العالم
ويمضي إلى القول إن المغامرات العسكرية الأميركية، ودعم واشنطن “الذي يتسم بالنفاق” للطغاة في العالم جاءت بنتائج عكسية، وكذا الحال بالنسبة لاتفاقيات التجارة الدولية التي أبرمتها في العقود الأخيرة مع بعض الدول.
فإذا كان هدف السياسة الخارجية هو المساعدة في صنع عالم مسالم ومزدهر، فعلى المؤسسة المعنية بالسياسة الخارجية أن تعيد النظر جذريا في تقديراتها، على حد تعبير المقال.
ونصح الكاتب بأن تقود الولايات المتحدة حركة عالمية جديدة قوامها التضامن الإنساني والتعامل مع احتياجات الشعوب “المكافحة”.
سطوة الشركات والمليارديرات
وزعم أن السياسة الاقتصادية هي محرك السياسة الخارجية، مستشهدا في ذلك بسطوة الشركات الغنية والمليارديرات على النظم الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة، وهو ما يجعل قرارات السياسة الخارجية تسترشد بالمصالح المادية لتلك الشركات والأثرياء، على حساب مصالح الغالبية العظمى من سكان العالم.
وشدد على ضرورة أن تخفض واشنطن إنفاقها العسكري الزائد، ومطالبة الدول الأخرى بأن تحذو حذوها، وأن تكف عن تقويض المؤسسات الدولية -مثل الأمم المتحدة ووكالاتها- عندما لا تتوافق قراراتها مع مصالحها السياسية قصيرة الأجل.
ونصح بلاده بأن تنضم إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية “بدلا من مهاجمتها عندما لا تستهويها أحكامها”.
وخلص إلى أن الفوائد المترتبة على هذا التحول في السياسة الخارجية يفوق كثيرا تكاليفه. والأهم من ذلك -في تقديره- أن تدرك أميركا أن أعظم مواطن قوتها لا تستمدها من ثروتها وجبروتها العسكري، بل تكمن في قيم الحرية والديمقراطية.