القاهرة– “الأسعار لابد أن تنخفض، ليس بنسب محدودة 5% أو 3%.. وإنما تنخفض كما زادت بأرقام فلكية لا بد أن تنخفض بأرقام معتبرة، حتى يكون لدى المواطن أمل”، حديث الأسعار على لسان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
“ليس معنى خفض الأسعار 10% أو 20%، أنها ستعود إلى ما كانت عليه حتى قبل 6 أشهر من الآن، لأنها زادت منذ ذلك الوقت ما بين 50% و100%”، حديث الأسعار من وجهة نظر عدد من تجار الجملة والموردين.
“لا يوجد أي خفض للأسعار، فهو موجود في حديث المسؤولين والإعلام فقط، بل إن هناك بعض المنتجات زادت أسعارها”، لسان حال بعض تجار التجزئة والمستهلكين على أرض الواقع في الأسواق.
هكذا يبدو حال الأسعار بين حديث المسؤولين والمستوردين وتجار التجزئة والمستهلكين بعد نحو 3 أسابيع من سماح البنك المركزي المصري للجنيه بالانخفاض إلى نحو 49.5 جنيها للدولار للمرة الرابعة بالتزامن مع توقيع مصر على برنامج قرض موسع بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
الأسعار حائرة وتكسر مهلة الحكومة
هذا التباين الكبير بشأن أسعار السلع الغذائية والأساسية أشار إليه رئيس الوزراء المصري خلال اجتماعه بالمسؤولين وكبار المستوردين والتجار، منتصف الأسبوع، بالقول “انخفاض الأسعار أحيانا يكون نظريا، وكنت دائما أجادلكم، ويقال لي هذه الأرقام، وعندما أنزل أجد أشياء أخرى مختلفة تماما في المحلات”.
اتفقت الحكومة خلال اجتماع مع كبار مُصنعي ومُنتجي ومُوردي السلع الغذائية، والسلع الهندسية والإلكترونيات، وممثلي كبريات السلاسل التجارية (يمثلون أكثر من 70% من حجم السوق)، على بدء خفض الأسعار بنسب 15 و20%، خلال 48 ساعة وصولا إلى 30% بعد عيد الفطر.
في اليوم التالي من انتهاء المهلة، لم تستجب الأسعار لتعليمات الحكومة بشكل كاف بل إن سعر بعض المنتجات الغذائية زاد مثل جميع أنواع منتجات الدواجن والأسماك والبيض والأجبان فيما انخفضت أسعار بعض أنواع الزيوت والألبان بشكل لا يتجاوز 10% من ارتفاعها السابق 100%.
الأسعار تتحدث عن نفسها
مراسل الجزيرة نت في القاهرة قام بجولة في عدد من المتاجر والسلاسل التجارية الكبرى وأحد منافذ القوات المسلحة لبيع السلع الغذائية والأسماك، واستطلع آراء تجار التجزئة والمستهلكين، وكانت النتائج مخيبة للآمال بشكل كبير، ولم يشعر المواطن بأي تراجع، حيث ما زال السكر مختفيا وغير متاح إلا في إحدى السلاسل التجارية وبزيادة عن السعر الرسمي 50% أي نحو 53 جنيها (1.12 دولار) بدلا من 27 جنيها (0.57 دولار).
وفي أحد منافذ القوات المسلحة، قال المسؤول عن المبيعات عند سؤاله عن الأسعار الجديدة، “لم تصلنا أي قائمة بالأسعار الجديدة، ربما نشهد خفضا في الأسعار مطلع الشهر المقبل، ولكن حتى الآن الأسعار لم تتغير”.
وفي محل الأسماك المجاور داخل ذات المنفذ كانت المفاجأة، قالت موظفة أربعينية للجزيرة نت “الأسعار زادت بأكثر من 20% على رأسها سمك البلطي، وبلغ سعر الحجم الكبير 110 جنيهات (2.32 دولار) ارتفاعا من 80 جنيها (1.7 دولار) مقارنة بنحو 65 جنيها (1.37 دولار) قبل بضعة أشهر فقط، إنه أمر محبط”.
وفي إحدى السلاسل التجارية الشهيرة بالقاهرة، لم تتغير أسعار معظم السلع، بل زادت أسعار بعض الأنواع مثل البيض والأجبان والدواجن، وقال أحد مسؤولي المبيعات للجزيرة نت إن “معظم المنتجات حافظت على أسعارها من دون أي انخفاض بعد قرار رفع سعر السولار نحو 21% المكون الرئيسي في التصنيع والتوريد والنقل”.
ولكنه توقع أن تشهد الأسعار تراجعا مع بداية الشهر الجديد ونفاذ البضاعة الحالية وتوريد البضاعة الجديدة، ولكنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل بضعة أشهر، وإنما قد تتراجع بنحو 20% وهي أقل من الزيادات السابقة التي قفزت بأكثر من 100%.
وأشار إلى أن لتر الزيت من نوع عباد الشمس على سبيل المثال كان سعره حوالي 63 جنيها (1.33 دولار) قبل 6 أشهر والآن 115 جنيها (2.43 دولار) بعد أن انخفض من نحو 125 جنيها (2.64 دولار) قبل نحو شهر مع أزمة اشتعال الأسعار.
مضيفا أن لتر الحليب كان بنحو 34 جنيها والآن يبلغ متوسط العبوة 45 جنيها بدلا من 50 جنيها، وكذلك باقي السلع بما فيها الأجبان والشاي والأرز والسكر الذي كان يباع بنحو 17 جنيها مطلع عام 2023 ثم 27 جنيها منتصف العام الماضي والآن بأكثر من 50 جنيها وغير متوفر.
وتتضمن السلع الغذائية الرئيسية السُكر، والحُبوب، والأرز، والقمح، والزُيوت والمكرونة، والشاي، والألبان، والجبن، والسمن، والزبد، واللحوم، والتي تشكل القائمة المشتريات الرئيسية المستهلكين.
قفز التضخم السنوي (مستويات الأسعار) في مصر خلال فبراير/شباط الماضي إلى 36% من 31.2% في يناير/كانون الثاني السابق عليه، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وهو ما وصفه رئيس الحكومة المصري بأنه ارتفاع “هائل وغير مسبوق ولم يحدث في تاريخ هذه البلد بسبب السلع الغذائية والأساسية”، مشيرا خلال لقائه عددا من مصنعي ومنتجي وموردي السلع الغذائية أنهم “بصورة أو بأخرى مسؤولون عنها”.
حملت الحكومة المستوردين والموردين مسؤولية ارتفاع الأسعار، وقالت إنها نفذت المطلوب منها، وقامت بتوفير العملة الصعبة وإنهاء الإجراءات الخاصة بخروج البضائع المكدسة من الموانئ، ولكن أصحاب البضائع يرفضون الذهاب للإفراج عنها انتظارا لانخفاض قيمة الدولار لتحقيق مكاسب أخرى دون مراعاة للمواطن.
كما وجهت الحكومة أصابع الاتهام لتجار التجزئة الذين يتعاملون مع المُستهلك مباشرة، إذ يعمد هؤلاء في كثير من الأحيان إلى الإبقاء على السعر مرتفعا رغم انخفاضه لدى تجار الجملة.
تحسبا لعدم خفض الأسعار في الأسواق طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بتخصيص 3 مليارات دولار لاستيراد السلع لتحقيق توازن بالسوق وخفض الأسعار في حال عدم تراجع القطاع الخاص عن الأسعار الحالية والالتزام بخفض الأسعار، خاصة أن الدولة تقوم في الوقت الحالي بتوفير العملة الدولارية.
ترقب لما بعد العيد
في تقديره لحركة خفض الأسعار في الأسواق بعد تأكيدات الحكومة على ضرورة خفضها بما يتناسب مع ارتفاع الجنيه أمام الدولار في السوق الموازي من مستوى 70 جنيها إلى نحو 47 جنيها للدولار، قلل رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” محمود العسقلاني من أثر هذا التراجع، وقال “من خلال الجولات التي نقوم بها في الأسواق رصدنا تراجعا في الأسعار، ولكنه طفيف ونأمل أن تنخفض أكثر مع دخول بضائع جديدة”.
وتوقع في حديثه، للجزيرة نت، أن تواصل الأسعار تراجعها بعد رمضان، ولكن استمرارها على هذا الحال يقع على عاتق الحكومة والتجار معا، فهي مسؤولية يتقاسمها الجميع من ناحية لا يمكن القبول باستمرار الغلاء دون الأخذ في الاعتبار تراجع الدولار أمام الجنيه، ومن ناحية أخرى يجب تكثيف الرقابة على الأسواق للالتزام بخفض الأسعار، ولكنها في جميع الأحوال لن تعود إلى ما كانت عليه قبل نحو عام، وقد نشهد انخفاضات بنسب تتراوح بين 20% و30%.
المنافسة وتوفير السلع بالأسواق
فند عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالغرف التجارية بالقاهرة أشرف حسني ما يقال عن ارتفاع الجنيه أمام الدولار، وقال “الدولار ارتفع ولم ينخفض، البنك المركزي قرر خفض الجنيه إلى نحو 48 جنيها من حوالي 31 جنيها، وزيادة الدولار الجمركي المكون الرئيسي لأسعار السلع المستوردة إلى نفس السعر الجديد”.
ونفى في تصريحات للجزيرة نت أن يكون المستوردون والتجار والمصنعون والموردون هم من يتحملون مسؤولية الغلاء، لأن ليس من مصلحتهم تخزين السلع الغذائية وهامش ربحها بسيط والمكسب الحقيقي في سرعة دوران بيع السلع من أجل زيادة المكاسب خاصة أنها سلع تحكمها المنافسة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار تكلفة النقل والعمالة والتخزين بعد زيادة أسعار الوقود وخاصة السولار، هناك عوامل كثيرة تتحكم في سعر السلعة.
ورأى حسني أنه بدلا من تبادل الاتهامات بين التجار والحكومة اقترح أن تقوم الأخيرة بفتح منافذ جديدة وبيع السلع الإستراتيجية للمواطنين بأسعار مخفضة وتنافس التجار وبالتالي ترغمهم على خفض الأسعار، وإذا لم يحدث ذلك، فيجب الكف عن توجيه أصابع الاتهام للتجار طوال الوقت.
الحل الوحيد، بحسب حسني وهو صاحب شركة تجارة مواد غذائية، هو المنافسة وتوفير السلع، ومن حق الدولة التدخل وتوفير السلع التي تمس حياة المواطن بالأسعار المناسبة من أجل ضبط الأسواق، ولكن ما نراه أن السلع الوحيدة التي تبيعها الحكومة بسعر مخفض هي التي تصادرها من مخازن التجار دون أي تكلفة عليها.
حقبة وسط مختلفة من الأسعار
كشف مجدي توفيق نائب رئيس شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية عن وجود حقبة جديدة من الأسعار، قائلا “من الآن فصاعدا هناك حقبة وسط لن نعود إلى أسعار العام الماضي، ولن نستمر على أسعار الشهور الثلاثة الماضية التي شهدت ارتفاعات كبيرة، بسبب وجود سعر رسمي واحد للدولار داخل البنوك والذي سيحدد السعر الحقيقي للسلع”.
مضيفا، للجزيرة نت، أن أسعار البقوليات والعطارة شهدت تراجعا بنسبة 20% بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، وعلى رأسها توفير الدولار للمستوردين، وسوف يظهر أثر هذا التراجع، ويستمر خلال الفترة المقبلة، ولكن لن يزيد على 30% وحتى يحدث هذا يجب أن تدخل البضائع الجديدة الأسواق بشكل فعلي وتوزيعها وبحاجة إلى مزيد من الوقت.