غزة- “نحن لا نختار طعامنا واحتياجاتنا” يقولها رامي حماد وقد عبثت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ببرنامجه الغذائي ونمط حياته الرياضي والصحي، لعدم توفر ما يحتاجه في الأسواق، نتيجة احتلال إسرائيل لمعبر رفح البري مع مصر والقيود المشددة التي تفرضها على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد.
بحزن شديد يتحدث رامي للجزيرة نت عن السنوات التي قضاها ملتزما بممارسة الرياضة في صالة لياقة وكمال أجسام بمدينة خان يونس جنوب القطاع، وقد لحق بها الدمار إبان الشهور الأربعة من الاجتياح البري الإسرائيلي للمدينة مطلع العام الجاري.
يقول رامي إن الرياضة بحاجة إلى لحوم وفواكه وأطعمة صحية، متسائلا كيف له أن يمارسها في ظل هذا الواقع المرير نتيجة الحرب والحصار؟ وهو يشير إلى جسده الذي اكتسب وزنا غير صحي بسبب انقطاعه عن الرياضة واضطراره لتناول المتوفر من الطعام خلال أشهر الحرب التسعة الماضية.
كما يتساءل هذا الرجل الأربعيني (متزوج ولديه 4 أطفال) “ما قيمة المال واحتياجاتك غير متوفرة في الأسواق؟ وحتى المساعدات الإنسانية شحيحة للغاية بسبب احتلال معبر رفح وتحكم الاحتلال بمعبر كرم أبو سالم”.
أسواق بلا بضائع
يعمل رامي موظفا في السلطة الفلسطينية برام الله فيما زوجته معلمة مدرسة، وكان دخلهما يوفر لأسرتهما حياة كريمة قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية عقب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، غير أن هذه الأسرة تواجه الآن تحديات لتوفير احتياجاتها الحياتية.
يوم الجمعة الماضي، ذهب رامي إلى السوق لشراء “دجاج مجمد” يقول إنه لم يكن يأكله أو يدخله إلى بيته قبل الحرب، لكن هذا ما تسمح إسرائيل بدخوله بين الحين والآخر، ورغم ذلك وجد السوق فارغا منه، فاضطرت زوجته إلى إعداد فطائر باللحم المعلب ممن كان يوزع ضمن الطرود الإغاثية، حيث تخلو الأسواق تماما من اللحوم الطازجة.
وتقول أم يزن زوجة رامي للجزيرة نت “نحن نعاني في كل شيء، المال في جيبك مجرد ورق إذا لم يساعدك لشراء ما تحتاجه”، كما كانت لها تجربة خاصة في السوق عندما بحثت عن “بندانة”، وهي قطعة قماش تضعها المرأة المحجبة تحت الحجاب لتغطية الشعر، وتقول “تخيلوا أن هذه القطعة البسيطة غير موجودة في الأسواق، وسعرها لا يتجاوز دولارا أو دولارين قبل الحرب” فكثير من الأشياء والسلع عندما نحتاجها نبحث عنها ولا نجدها.
شح الأدوية ومواد التنظيف
ومن هذه الأشياء الصابون السائل للاستحمام “الشامبو”، والذي عانت سلوى أبو مصطفى في البحث عنه في الأسواق من أجل ابنتها ولم تجده، وتقول هذه المعلمة الستينية المتقاعدة والتي عملت لسنوات طويلة في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” إنهم صبروا على قلة الأكل وتدني جودته، لكن حتى مواد النظافة الشخصية غير متوفرة.
وتقيم سلوى مع عدد من أبنائها في خيمة داخل مخيم نزوح لذوي الشهداء في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، حيث استشهد زوجها في غارة جوية إسرائيلية قبل بضعة أشهر.
لا ينقص سلوى المال، فلديها مدخراتها من التعليم، لكنها تفتقد الكثير من احتياجاتها وأبنائها، وهي مفقودة من الأسواق بسبب الحصار الخانق، ومنها الملابس والأحذية، وتقول “الحياة مريرة داخل الخيام، حيث الحر الشديد وتكدس النفايات وانتشار الأمراض المعدية، وقد بحثت عن أنواع من الشامبو ومستحضرات نظافة شخصية لحماية أنفسنا قدر الإمكان ولم أجد في الصيدليات وعلى البسطات المنتشرة بالشوارع”.
ويكرر الصيدلي محمد سحويل عبارة “للأسف غير موجود” مرارا في اليوم الواحد، على مسامع مرضى ومراجعين لصيدليته، حيث لا تتوفر مجموعة من أنواع الأدوية وأصنافها، ويقول للجزيرة نت “كثير من الأدوية لا تتوفر حتى داخل المستشفيات بسبب الحرب والحصار”.
ويمتلك هذا الصيدلي صيدلية منذ نحو 40 عاما تعتبر من الأقدم في مدينة رفح جنوب القطاع، ويقول “لم تمر علي أيام أسوأ من هذه الأيام”.
وحرص سحويل على النزوح بكمية من الأدوية افتتح بها صيدلية على رصيف مقابل لمجمع ناصر الطبي، ويقول “غالبية الناس يعانون الفقر والعدم بسبب فقدانهم أعمالهم، لكن هناك فئة قليلة تمتلك المال ولا تجد احتياجاتها، ورأينا خلال الحرب فئات مختلفة تقف على طوابير المساعدات، وحتى هذه المساعدات لم تعد متوفرة”.
مجاعة وغلاء
تبدو الصورة أكثر قتامة في شمال القطاع، كما بدت في صوت أبو كريم عوكل في حديثه للجزيرة نت عبر الهاتف المحمول من منطقة “أرض الشنطي” في شمال مدينة غزة، ويقول “نحن نعاني ابتداء من العمولة الكبيرة التي ندفعها للتجار من أجل الحصول على أموالنا ورواتبنا من حساباتنا بالبنوك، وبعد حصولنا عليها نعاني من ارتفاع الأسعار وعدم توفر غالبية السلع والبضائع”.
ونتيجة إغلاق المصارف وعدم توفر السيولة النقدية في القطاع برزت خلال الحرب ظاهرة تجار يتاجرون بالسيولة، حيث يصرفون أموالا للموظفين وغيرهم، في مقابل نسبة عالية تتراوح ما بين 16 إلى 25% من إجمالي المبلغ بحسب المنطقة.
في شمال القطاع “تساوت الرؤوس”، بحسب وصف أبو كريم، ويقول إنه لا يوجد غني وفقير، فالمجاعة نالت من الجميع، وإن كان من يمتلك المال قادرا على شراء الكميات الشحيحة من السلع المتوفرة في الأسواق وبأسعار فلكية للغاية، كالفلفل الأخضر الذي وصل سعر الكيلو منه 400 شيكل (حوالي 110 دولارات).
وتطل المجاعة في شمال القطاع برأسها من جديد، جراء العزلة والقيود المشددة التي تفرضها قوات الاحتلال على دخول السلع والبضائع والمساعدات الإغاثية، ويقول أبو كريم إنه أمن أسرته بنحو 100 علبة من الفول والحمص والأطعمة المعلبة عندما توفرت في أسواق الشمال قبل بضعة أشهور، وقد اختفت حاليا من الأسواق، والمتوفر منها أسعاره باهظة ولا تناسب غالبية السكان الذين فتكت بهم شهور الحرب الطويلة.
واتهم مدير عام “المكتب الإعلامي الحكومي” إسماعيل الثوابتة، إسرائيل بالعمل على تصعيد “سياسة التجويع في قطاع غزة وبشكل عميق في محافظتي غزة والشمال، من خلال إغلاق المعابر واستهدافها لمخازن الأغذية ومرافق إنتاجها، في خرق واضح لكل المواثيق الدولية التي تشترط الحق في الغذاء كحق أساسي من حقوق الإنسان”.
ولليوم الـ65 على التوالي تغلق إسرائيل المعابر بشكل كامل، وحذر الثوابتة من “ارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع، خاصة في صفوف الأطفال، جراء منع إسرائيل إدخال المساعدات والغذاء”.
وفي بيان للمكتب الإعلامي طالب الثوابتة بتكثيف الجهود الدولية لرفع الحصار عن قطاع غزة، حيث يعاني الغزيون من شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء.