أميركا أولا.. مجلة لوبس تدخل عالم عُبّاد “المسيح ترامب”
“يقدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نفسه كنبي في مهمة تبليغ رسالته، وقد تحوّل إلى عنوان لعبادة صوفية حقيقية تبشر بانجراف ديني متنام، بلغ ذروة جديدة مع محاولة الاغتيال التي استهدفته يوم 13 يوليو/تموز الحالي”.
بهذه الجملة افتتحت مجلة لوبس تقريرا بقلم سارة هليفا لوغران مراسلتها الخاصة في فرجينيا، وصفت فيه زيارة لكنيسة غريبة تحتوي على نوافذ زجاجية ملونة، وبها غابة من اللافتات التي تمجّد ترامب مثل الصلبان في الحديقة، وهي مدينة ترامب كما يظهر الاسم على الواجهة المبنية من الطوب.
“ندخل هذا الحرم -كما تقول المراسلة- متجاهلين التحذير (إذا لم تكن مع ترامب (لا تدخل) فأنت تتعدى على ممتلكات الغير)، فيندفع نحونا كلب عليه حروف قديس المكان، وهو مدرب على عض الشيوعيين. ينظر إلينا رجل في زي راعي البقر بقبعة القش وأحذية ترامب الرياضية الذهبية التي أطلقها في الربيع لتضخ مالا جديدا في خزائنه”.
في هذا المكان -كما تقول المراسلة- “يقدر المؤمنون الحقيقيون الذين يعبدون ترامب أننا في كنيسة قديمة، عند مدخلها يضع ويتي تايلور ذراعه من وراء ترامب وميلانيا بالحجم الطبيعي من الورق المقوى، وحولهما مئات الحلي والأعلام واللافتات والقبعات والقمصان والتماثيل تحت مصابيح إكليل متعدد الألوان”.
أكثر تعصبا من أي وقت مضى
أصبحت الكنيسة التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان، معبدا مخصصا للنبي ذي القبعة الحمراء -كما تقول الكاتبة- لأن الأمر كله يتعلق بالرب، وفيها يشكل أتباع ترامب، الذين أصبحوا أكثر تعصبا من أي وقت مضى، نوعا من الأخوة الدينية تحت راية حركة “ماغا” (أميركا أولا)، وهو شعار ترامب الذي أصبح صرختهم الحاشدة، ومع محاولة اغتيال بطلهم، وصلت حماستهم إلى درجة الحمى.
ويتم إطلاق العنان للعواطف في هذا المكان الذي يعج بصور ترامب وهو يرفع قبضته وأذنه اليمنى تنزف دما ويصرخ “لنقاتل.. لنقاتل”، لأتباعه المذهولين بعد أن نجا بأعجوبة من رصاصة قناص متمركز على السطح.
وبالنسبة لبقية أميركا -كما ترى المراسلة- أدى هذا الهجوم الفاشل الذي خلّف قتيلا وجريحين، إلى دفع الحملة الرئاسية إلى مياه العنف السياسي العكرة، ولكنه بالنسبة لترامب يعد تطورا مسرحيا يمكن أن يعزز فرصه في الفوز، وبالنسبة لعبّاده يعد معجزة رفعت معبودهم بشكل نهائي إلى مصاف الشهداء.
من هؤلاء العباد -كما تقول المراسلة- هذا المسيحي الإنجيلي ويتي تايلور، الذي سمع الوحي الإلهي عام 2015 على حلبة سباق في فلوريدا كما يزعم، “أخذت الكتاب المقدس من الآية الوحيدة التي يخبرنا فيها الرب أنه يجب علينا أن ندعوه. وذلك عندما طلب مني مساعدة دونالد ترامب”.
وقد اشترى ويتي تايلور ألف قميص، وطبع عليها شعار “اختر الأفضل واطرد البلهاء”، وعلى ظهره كتب “أخيرا شخص لديه فحولة”، وفي أول تجمع انتخابي لترامب باعها كلها، وافتتح كنيسته التذكارية في هذه التلال المحافظة للغاية في ولاية فرجينيا.
واليوم، يجمع راعي البقر الذي يرتدي الحذاء الرياضي الذهبي، ما لا يقل عن 10 آلاف دولار أسبوعيا بفضل “المؤمنين بترامب”، وهو مثل 30% من الأميركيين مقتنع بأن ترامب أصبح رئيسا بمنة من الرب، “إنه رجل العناية الإلهية. نجتمع حوله كما لو كان كنيستنا. شعارنا هو: الرب والعائلة والوطن والبنادق”.
لوبس: الهجوم الفاشل دفع الحملة الرئاسية إلى مياه العنف السياسي العكرة، ولكنه بالنسبة لترامب يعد تطورا مسرحيا يمكن أن يعزز فرصه في الفوز، وبالنسبة لعبّاده يعد معجزة رفعت معبودهم بشكل نهائي لمصاف الشهداء
وفي هذه الأثناء، حضر بريان غلوتزباخ لشراء لافتة “يسوع هو مخلصي، وترامب هو رئيسي”، وهو ميكانيكي طيران شارك في هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول، وهو -كما تقول المراسلة- لا يعرف تايلور، ولكنهما بدآ يمزحان بعد دقيقتين مثل الأصدقاء القدامى، لأنهما مثل جميع أتباع “ماغا”، لديهما المرجع نفسه واللغة ذاتها والإخلاص نفسه للمعلم.
وأشارت المراسلة إلى أن الحماسة التي أثارها ترامب عام 2016، كانت تحمل شيئا دينيا، ولكنه بعيد عن الدافع الصوفي اليوم، ويبدو أن ترامب بنى عبادة حول نفسه من خلال تقديم نفسه على أنه رجل العناية الإلهية والمضحي لأميركا التي هي على وشك الانهيار، وهو يصور نفسه على أنه نبي أرسله الرب لقيادة “حركة ماغا” في “المعركة النهائية” ضد قوى الشر.
ففي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن ترامب بصوته أن الرب نظر إلى الجنة التي كان يعدها، وقال “أنا في حاجة إلى راع. والرب أعطانا ترامب”، والآن بعد أن نجا من رصاصة قناص، ظهر في صورة المعجزة وهو يقول “إن الرب وحده هو الذي منع حدوث ما لا يمكن تصوره. لن نخاف، ولكننا سنبقى مقاومين بإيماننا ومتحدين في وجه الشر”.
بي جونز: إنهم لا يقدسون ترامب بوصفه رجلا، بل بوصفه رمزا. والرمز لا يتعدى ولا يكذب ولا يعتدي على النساء جنسيا. لقد تجاوز المرشح ليصبح طوطما
الطوطم
تغادر المراسلة عالم ويتي تايلور ومعها الحذاء الرياضي الذي طلب منا تسليمه إلى أحد أصدقائه، وعندما تصل إلى هناك يستقبلها مزارع عجوز في مطبخه وهو يرتدي قبعة ترامب 2024 وقميصا، ويقول “منذ عام 2016 أرتدي زي ترامب كل يوم تقريبا”.
تسلم المراسلة المزارع العجوز صندوق الأحذية، فيقوم وبحماس بخلع حذائه البالي ليرتدي حذاءه الرياضي الذهبي، وهو يقول إن جماعته كلها تصوّت لصالح ترامب “باستثناء سيدتين تبلغان من العمر 90 عاما تعتبران نفسيهما ديمقراطيتين لكنهما لم تدركا أن الحزب قد تغير منذ قرن من الزمان”.
وتتساءل المراسلة ماذا يجدون فيه حتى يقدسوه إلى هذا الحد؟ ليرد كارل “أعتقد أن دونالد ترامب رسول من الرب. لأن ما يقوله هو الحقيقة نفسها”، وعند تنبيهه إلى أن الأخلاق مشكوك فيها، يقول “ليس هو أول مرسل من الرب يكون ناقصا. إنه يضحي بنفسه لإنجاز مهمته. إنه معذور”.
ويشير رئيس المعهد العام لأبحاث الدين روبرت بي جونز إلى “أنهم لا يقدسون ترامب بوصفه رجلا، بل بوصفه رمزا. والرمز لا يتعدى ولا يكذب ولا يعتدي على النساء جنسيا. لقد تجاوز المرشح ليصبح طوطما”.
طائفة جديدة
وتشير لافتة ترامب 2024 الضخمة إلى مدخل مرآب ستيف لويل، وهو مسيحي إنجيلي يصلي كل يوم من أجل الرئيس السابق، وكان يعلم جيدا -كما يقول للمراسلة- أن “شيئا ما سيحدث لترامب”، ولم يتفاجأ عندما رأى الدم يسيل على خده، وهو يحذر قائلا “سيحاولون مرة أخرى. لقد صلب يسوع بالفعل”.
ويرى هذا الميكانيكي -كما تقول المراسلة- أن الأمة الأميركية تتولى مهمة مقدسة تتمثل في الحفاظ على المسيحية، وربما أرسل الرب ترامب لأن عدد المسيحيين البيض انخفض من 73% من السكان عام 1972 إلى 46% عام 2021.
وكان رئيس الحزب الجمهوري في مقاطعة بوتيتورت ستيف دين ينتظر المراسلة، وهو مستعد “للدفاع عن أميركا ضد الشيوعيين”، لأنه -كما يقول ظل مخلصا لـ”ماغا” (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) منذ عام 2016، لكنه لم يدرك إلا مؤخرا أن “هذه الحركة ثورة ثانية تقودها يد الرب وستستعيد سلطة البلاد”.
ومع تنصيبه مرشحا عن الحزب الجمهوري، ها هو ترامب أقرب من أي وقت مضى إلى تنفيذ “مهمته المقدسة”. كان ستيف دين يود أن يكون في الحفلة في ولاية ويسكونسن لحضور تتويج رجل العناية الإلهية، لكنه لم ينل شرف عرض تذكرة الدخول عليه، فالنبي يختار رسله، وعزاؤه أن “حركة ماغا لن تتوقف عند ترامب”.