ارتفعت مشاهدات الأطباق الطائرة حول العالم إلى سبعة أضعاف خلال العقد الحالي، مقارنة بالتسعينيات (بيكسابي)

ارتفعت مشاهدات الأطباق الطائرة حول العالم إلى سبعة أضعاف خلال العقد الحالي، مقارنة بالتسعينيات (بيكسابي)

في 26 يناير/كانون الثاني 2023، أبلغ طيار عسكري أميركي عن رصده أربعة أجسام مجهولة، أثناء عمله في نطاق التدريب بقاعدة إيغلين الجوية قبالة ساحل ولاية فلوريدا الأميركية. لاحظ نظام الرادار الموجود على متن طائرته أن الأجسام الأربعة كانت على ارتفاع يتراوح بين 5000 و6000 متر، وأنها اتخذت تشكيلا عسكريا.

اقترب الطيار من تلك الأجسام لتفحص الأمر حيث لا توجد أية تصريحات لمرور جوي بهذه المنطقة، لكنه على مسافة 1500 متر من أحد تلك الأجسام الغريبة، تعطل رادار طائرته بشكل مفاجئ، وظل معطلاً طوال الفترة المتبقية من التمرين التدريبي، إلى أن عاد الطيار إلى قاعدته.

 

لم يكن ما سبقَ مجردَ تصريح صحفي، بل كان بيان وزارة الدفاع الأميركية، وليس البيان الوحيد! فقد أعلن البنتاغون خلال مؤتمر صحفي في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عن حادثة جرت قبل ذلك بسنوات. فخلال تمرين اعتيادي لمجموعة من سفن البحرية الأميركية قبالة سواحل كاليفورنيا في صيف عام 2004، التقط رادار إحدى السفن الحربية مركبةً طائرة تقترب بسرعة ثابتة ولا تستجيب لأي إشارات راديوية، فأرسلت طائرتين مقاتلتين لدراسة الأمر.

ومع اقتراب الطائرتين من المركبة ظهر أنها ليست طائرة، وإنما جسم يبدو في الرادار على شكل السيجار بطول 13 مترا وسمك 4 أمتار. المشكلة الأكبر أن هذا “الجسم” غيّر اتجاهه في مناورة تتحدى ما نعرفه عن قوانين الفيزياء، وتسببت هذه المناورة في تحول مثير، حيث أصبحت الأفضلية القتالية لهذا الجسم. أضف إلى ذلك أن كمية الوقود الخاص بالطائرتين كانت قد انخفضت إلى مستوى خطير، فقررتا العودة إلى القاعدة، بينما ظل الجسم الطائر في مجال السفن لعدة ساعات، وقد بدا الفيديو مثير لانتباه الكثير لاسيما ما يحتويه من حركات أو مناورات غريبة.  أضف إلى ذلك أن شكل الجسم الطائر نفسه أثار انتباه الناس، فلم يروا مثله من قبل.

لماذا نرى الأطباق الطائرة في كل شيء؟

ارتفعت مشاهدات الأطباق الطائرة حول العالم إلى سبعة أضعاف خلال العقد الحالي، مقارنة بالتسعينيات، وقد اعترف البنتاغون بصحة الكثير منها، لكن من الضروري في هذا السياق توضيح أن البنتاغون أو أي هيئات حكومية أميركية لم تؤكد أن تلك الفيديوهات تتضمن كائنات فضائية، مكتفية بتسميتها بـ “ظواهر جوية غير معرّفة”، لكن من ناحية أخرى تسببت تلك المقاطع المصورة في تدفق كمّ هائل من التحليلات التي تشير إلى وجود مؤكدٍ للكائنات الفضائية، وازدهرت فكرة المؤامرة بحسبان أن جهة ما متورطة في إخفاء هذه الحقيقة عن العالم.

فمثلا، في أحد تلك الفيديوهات الشهيرة يبدو للناظر أن جسم غريب مزود ببروزين من أعلى وأسفل يتحرك بسرعة، ثم بعد ذلك يُغير اتجاهه بشكل مفاجئ ويدور حول نفسه، ويقوم بحركات غير طبيعة بالنسبة للطائرات. لكن هل تعرف أن تلك الصور تُلتقط في غير نطاقات الضوء المرئي؟ نقصد الرادار والأشعة تحت الحمراء، وبالتالي تظن أن ما أمامك هو صورة حقيقية لشيء ما، وفي جوهر الأمر أن ما تره هو انطباع انعكست فيه الإضاءة، بما يعني أن الأجزاء المظلمة من الصورة هي في الواقع مصدر الضوء الأقوى، لكن من المهم التنبه أن هذه الصور التقطت لأشياء تقع على مسافة تصل إلى 150 كلم، وبالتالي عدم الوضوح وتحديد هوية الجسم هو أمر متوقع.

(الجزيرة)
(الجزيرة)

ولتوضيح الأمر تخيل أنك التقطت صورة لأحد المصابيح، ثم بعد ذلك استخدمت أيا من تطبيقات الهواتف الذكية لعكس الإضاءة، هنا ستظهر أشعة الضوء الخارجة من جوانب المصباح وكأنها بروزات سوداء، كما أن دوران هذا الجسم بهذا الشكل قد يُعبر عن دوران الكاميرا نفسها، ومن الشائع في هذه النوعية من الكاميرات ذات المحورين أن يبدو الضوء الصادر من الجسم متحركًا في خلفية ثابتة بسبب تقنية التصحيح الداخلي للكاميرا، كل هذا بالطبع ولم نتحدث عن المسافة البعيدة التي تقول إن الفيديوهات في كل الأحوال غير دقيقة.

لاحظ أننا هنا لا نؤكد أن هذه كانت طائرة على مسافة عشرات الكيلومترات، لكن الفكرة أنه يمكن دائمًا أن تجد عددا من التفسيرات المقبولة لهذا النوع من المشاهدات التي تقع جميعها داخل نطاق عالمنا العادي. وبالمناسبة فإن هذا الرأي هو ما يشير إليه أيضا تقرير صادر للمرة الأولى يوم 14 سبتمبر 2023 عن فريق خاص تابع لوكالة الفضاء والطيران الأميركية “ناسا” مكون من مجموعة من العلماء المستقلين متعددي التخصصات. يقول التقرير إن جميع الظواهر الغريبة وغير المعرّفة المرصودة إلى الآن، سواء من قبل طيارين متخصصين أو من عامة الناس، ليست مرتبطة بأية أصول فضائية، وأن الظواهر غير المعهودة الصادرة عنها يمكن تفسيرها بما نعرفه من معارف علمية.

ما الذي حدث في روزويل؟

دعنا في تلك النقطة نسافر إلى يوم 8 يونيو/حزيران 1947، حيث ظهرت أشهر حالة على الإطلاق لرصد أجرام مجهولة الهوية من قبل المواطنين، إنها حادثة روزويل. ففي وقت ما من نهار هذا اليوم، تحطم بالون مُراقبة عسكري تابع للقوات الجوية في مزرعة حيوانات بولاية نيومكسيكو الأميركية، لكن، لأن بالونات الطقس تتخذ شكلًا غريبًا بالنسبة للمواطنين، فإن من رآها ظن أنه أمام شيء قادم من خارج هذا الكوكب.

بجانب بالونات الطقس، هناك ظواهر جوية كثيرة عادة ما يخطئ الناس في الظن أنها أجرام فضائية، خذ مثلا تقرير الكتاب الأزرق، وهو نتائج دراسة تحليلية لنحو 3200 من مشاهدات الأطباق الطائرة في الولايات المتحدة بين عامي 1951 و1954، وجاء فيه أن معظم المشاهدات أمكن تفسيرها، بينما بقت 22% منها كانت غير مفهومة بالفعل، طبعا مع تقدم المعارف تزداد نسبة ادراكنا لتلك الظواهر.

تحطم بالون مُراقبة عسكري تابع للقوات الجوية في مزرعة حيوانات بولاية نيومكسيكو الأميركية (جامعة تكساس – ويكميديا)

يمكن للشخص أن يرى جرمًا سماويًا لامعًا، مثل كوكب الزهرة الذي لا يظهر كثيرًا، فيظن أنه سفينة من كوكب آخر. المحطة الفضائية الدولية مثلا تمر كل عدة أيام أمامنا في السماء كنجم لامع، وتقطع السماء كلها في دقائق معدودة، وحينما يراها أحدهم وهو لا يعرف ذلك، يتصور أنه رأى شيئًا “يقطع السماء كلها في ثلاث دقائق”.. ليصبح عنوانا مثيرا، يجد مكانه في الصحف والمجلات التي تبحث عن التفاعل قبل أي شيء آخر.

أضف إلى ذلك ظواهر أخرى معتادة كالنفث (= العادم) الخارج من بعض الطائرات، أو احتراق المذنبات أو السحب العدسية، وهي غيوم على شكل لوزي بيضاوي أو دائري، تتكون في المناطق الجبلية، وقد تسبب بعضها في ضجة على وسائل التواصل حينما رُصدت سحابة حمراء ضخمة في مدينة تركية قبل عدة أعوام أصابت البعض بالرعب، وقال آخرون إنها طبق طائر، بينما رجح فريق ثالث أنها تقنية متقدمة أو علامة شيطانية على نهاية العالم. وبالتالي ليس عجيبا أن تجد أن كثيرًا من شهادات الأطباق الطائرة قادمة من مناطق الجبال في كاليفورنيا، ويدخل في ذلك الأوهام البصرية كالسراب في الأفق، أو ظواهر فلكية في بعض المناطق كالشفق القطبي.. إلخ.


 

في الواقع، فإن تقرير الكتاب الأزرق ليس الوحيد في هذا السياق، فقد وجد عالم الفلك الأميركي آلان هندري، أن معظم المشاهدات كانت في الواقع ظواهر عادية، وبسبب قلة الخبرة أو سوء الفهم فسرها الناس بشكل خاطئ. فمن بين 1307 حالة درسها هندري، وجد أن 88.6% منها كان لها تفسيرات واضحة، و8.6% فقط كانت مجهولة، بل وأفاد أنه من بين هذه النسبة المجهولة كان 7.1% لها تفسير لكن غير مؤكد، وبقيت 1.5% فقط من الحالات بلا تفسير معقول محتمل.

وبشكل عام، في دراسة هندري، ارتبطت نصف الحالات تقريبًا بظواهر فلكية، وتَعلق ثلثها بمناطيد الطقس أو المراقبة، والبقية كانت طائرات إعلانية أو سحبا أو طيورا أو غيرها، وهذه بالمناسبة نفس التفسيرات التي أوردها تقرير أصدره البنتاغون عام 2021 بعد دراسة 140 حدثا جويا بين عامي 2004 و2021. وجاء في التقرير أن الفيديوهات كانت ذات جودة ضعيفة، لكنها يمكن أن تُفسَّر في خمس قوائم تقع جميعها ضمن الأشياء المحتملة والعادية، سواء كانت أجساما جوية يمكن أن تخلق تصورات خاطئة، مثل الطيور والبالونات أو الطائرات المسيرة، أو ظواهر الغلاف الجوي الطبيعية، مثل بلورات الجليد التي قد تخلق إشارات خادعة في نطاق الأشعة تحت الحمراء أو الرادار، أو مركبات ذات تقنيات متقدمة تابعة لبرنامج وزارة الدفاع السري، أو برامج متقدمة لأنظمة أجنبية مثل الصين أو روسيا.

السحب العدسية أعلى أحد الجبال (بيكسابي)
السحب العدسية أعلى أحد الجبال (بيكسابي)

لماذا يراد لنا أن نصدق الأمر؟

ورغم أن معظم تلك الظواهر تقع في نطاق التفسير العلمي، فإن الكثير من البشر يرفض تصديق هذه التفسيرات، وهنا نعود لفكرة المؤامرة لكن هذه المرة مصدرها جهة استخباراتية. ففي تسعينيات القرن الماضي، صدرت دراسة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية تؤكد أن جيش البلاد تعمّد تضليل الرأي العام بشأن الطبيعة الحقيقية للعديد من الأجسام الطائرة المجهولة الهوية، في محاولة منه لإخفاء تناثر المعلومات حول طائرات وبالونات التجسس التي استخدمها.

توضح الدراسة أن الجيش الأميركي كان على علم بأن معظم بلاغات المواطنين عن أشياء يرونها لكنهم لا يفهمون طبيعتها؛ كانت مرتبطة بالفعل بطائراتٍ بعينها تقوم بمهام سرية محددة على ارتفاعات أعلى من الطيران التجاري، وكان لذلك دور في تصاعد موجة الأطباق الطائرة في الولايات المتحدة، ومن ثم في العالم كله.

وفي مارس/آذار 2024 خلص تقرير للبنتاغون إلى أن الارتفاع الكبير في مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان سببه اختبارات طائرات التجسس الأميركية المتقدمة وتكنولوجيا الفضاء. وأوضح التقرير أنه لا يوجد دليل على أن الحكومة الأميركية واجهت كائنات فضائية في أي لحظة منذ نشأتها وحتى الآن، مضيفًا أن البرامج التلفزيونية والكتب والأفلام والكم الهائل من محتوى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تركز على الموضوعات المتعلقة بالكائنات الفضائية؛ أثّر على الأرجح على حديث الناس الدارج حول هذا الموضوع، وعزز هذه المعتقدات بحيث باتت جزءا من الثقافة الدارجة، وأصبح كل نفي من الحكومة مؤامرةً لإبقاء أنشطتها البحثية عن الكائنات الفضائية طي الكتمان.

ووفقا لهذا التقرير تم تحديد أكثر من نصف تقارير الأجسام الطائرة المجهولة التي تم التحقيق فيها آنذاك على أنها رحلات استطلاع أميركية، وفقًا لتقييم أجرته وكالة المخابرات المركزية. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك البالونات التي تم إطلاقها على ارتفاعات عالية وطائرة التجسس “يو-2″، كما تضمن عدد من المشاريع البحثية السرية تطوير طائرات تبدو دائرية أو على شكل صحن، مثل القاذفة المقاتلة الكندية “في زد-9 أي في أفروكار” التي تم تصميمها للإقلاع والهبوط عموديًا.

القاذفة المقاتلة الكندية “في زد-9 أي في أفروكار” التي تم تصميمها للإقلاع والهبوط عموديًا (بيزوك – ويكميديا)

لكن، إلى جانب كل هذه التفسيرات التي تتفق في أن الغالبية العظمى من المشاهدات عادةً ما تكون مفسرة، وأن البقية تواجه مشكلات في جودة الفيديو أو الصورة أو الرواية نفسها، هناك مشكلة أخرى تتعلق بادعاءات الناس أنفسهم. دعنا مثلا نتأمل نتائج تحليل أجراه ثلاثة باحثين في هذا النطاق، وهم ضابط الاستخبارات كارل بيفلوك، والكاتب وليام مور، والفيزيائي ستانتون فريدمان، بعد مقابلات شملت 300 شخص كانت لهم شهادات عن حادثة بعينها، وهي زعمُ سقوط طبق طائر في منطقة روزويل عام 1991.

من بين كل هؤلاء الأفراد، ظهر أنه يمكن اعتبار 41 فقط “شهودًا حقيقيين بشكل مباشر أو غير مباشر”، بينما أفادت البقية بشهاداتها بناء على “سماعها من آخرين”. الغريب في الأمر أن 23 فقط من هؤلاء أشاروا إلى أنهم شاهدوا أدلة مادية وحطاما. ومن بين هؤلاء، أشار سبعة فقط إلى شيء يشير إلى أصول غير دنيوية للحطام.. هل تتخيل الأمر؟ سبعة فقط من أصل 300 شخص!

 

لماذا يريد البعض إثبات رؤية الأطباق الطائرة؟

يضاف إلى ذلك أن البعض يمكن أن يحقق مصلحة من وراء هذه الادعاءات، وهذا رائج في نطاقات الخرافات عموما، سواء كنا نتحدث عن ادعاءات العلاج بالطقة، أو عن المؤامرات كالأرض المسطحة، أو نطاق الأطباق الطائرة. خذ مثلا حالة حاييم ايشيد، وهو أستاذ جامعي من دولة في إسرائيل ورئيس سابق لأمن الفضاء الإسرائيلي، ومدير سابق لبرامج الفضاء في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

في حوار سابق مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قال الرجل إن الإسرائيليين والأميركيين تواصلوا مع الكائنات الفضائية، وإن هناك شراكة بينهم من أجل فهم “جوهر الكون”، وهناك قاعدة سرية تحت سطح المريخ يقيم فيها ممثلون عن الولايات المتحدة وفضائيون، وإن الأمر سريّ “لأن البشر ليسوا جاهزين بعد”. أتى هذا التصريح في سياق إعلان ايشيد عن كتاب سيصدر قريبا له بعنوان “الكون وما وراءه.. حوارات مع البروفيسور حاييم ايشيد”.

هل يمكن أن يكون هذا التصريح متعلقا بدفعة تسويقية للكتاب؟ هذا محتمل بالطبع، خاصة أن ما يقوله ايشيد وأمثاله غير مبني على أي دلائل علمية أو رصدية مؤكدة، إنه مجرد “كلام”. في مقابل ذلك، فإن “الادعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية”، وهو اقتباس نقله عالم الفلك الأميركي كارل سيجان، عن عالم الاجتماع الأميركي مارسيلو تروتزي، ويعني أن ادعاء ثقيلا بهذا الحجم يتطلب أدلة متنوعة ودامغة، وليس مجرد تصريح.

حادثة أخرى شهيرة في هذا السياق تشرح ما نقصده، كان ذلك في سبتمبر/أيلول 2023، حينما عرض صحفي مكسيكي يسمى خايمي موسان، مجموعة من الجثث الغريبة المحنطة، لأشكال شبه بشرية يبلغ طول الواحد منها حوالي 40 سم تقريبا، بثلاثة أصابع ورأس ضخم، موضوعة في علب خشبية وزجاجية صغيرة، خلال جلسة استماع عن الكائنات الفضائية في الكونغرس المكسيكي.

وأعلن الصحفي المشهور بتأييده لنطاق الأطباق الطائرة، أن هذه الكائنات تم العثور عليها في دولة بيرو، ويُقدر عمرها بنحو 1000 عام، وشهد تحت القسم أن 30% من الحمض النووي الخاص بهذه الكائنات مجهول، وأنها ليست متعلقة بالبشر من قريب أو بعيد.

عرض صحفي مكسيكي13 يسمى خايمي موسان، مجموعة من الجثث الغريبة المحنطة، لأشكال شبه بشرية يبلغ طول الواحد منها حوالي 40 سم تقريبا (رويترز)
عرض صحفي مكسيكي يسمى خايمي موسان، مجموعة من الجثث الغريبة المحنطة، لأشكال شبه بشرية يبلغ طول الواحد منها حوالي 40 سم تقريبا (رويترز)

ادعى موسان أن هذه الحفريات تم فحصها في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك، رغم عدم صدور ورقات بحثية عن الأمر تؤكد أن هذا الكيان غير بشري على الإطلاق وأنه ليس من كوكب الأرض. ومع ادعاءات استثنائية بهذا الشكل يُفترض أن تكون الدلائل استثنائية كذلك، أي أن يُجريَ عدد من فرق البحث الطبية والأركيولوجية دراسة على هذه الحفريات تتبعها عدة ورقات بحثية مستقلة راجعها علماء آخرون لتأكيد تلك المعلومة، هذا هو الحل لتنحية التحيزات البشرية، كأن يكون المُدعي محتالا أو على الأقل مؤمنا جدا بفرضيته لدرجة أنه سيصدقها مهما كانت مشوهة وذات عيوب.

لكنْ لم يحدث إلى الآن أن نشر موسان أوراقًا بحثية، ولا نظن أنه سيحدث أبدا، لأن هذا ليس جديدًا على رجل له علاقة بحادثة شبيهة في عام 2015 حينما ادعى أن جثة محنطة بنفس الشكل تقريبا كانت لكائن قادم من الفضاء السحيق، وقال وقتها إنه تم العثور عليها قرب منطقة خطوط نازكا الشهيرة في دولة بيرو.

 

وفي يونيو/حزيران 2017، قُدّم هذا الادعاء في وثائقي على منصة “غايا” المشهورة بالترويج لنطاق الكائنات الفضائية القديمة (وخرافات الطاقة والأسرار الكونية)، وبالتبعية تزعم أن آثار العالم القديم مثل الأهرامات قد بنيت على أيدي فضائيين. وخلال الوثائقي زعم موسان أن التحليلات تظهر جثة محنطة لشخصية غير بشرية بجمجمة أكبر بكثير من المعتاد وثلاثة أصابع في اليدين والقدمين، وتبين في النهاية أن الجثة المحنطة هي لطفل بشري، تم التلاعب بها.

ومن المهم في هذا السياق ملاحظة أن من أهم علامات الخرافات والعلوم الزائفة التي يجب التحوط لها، مرتبط ببعض هؤلاء المدعين الذين يحرصون على الخروج إلى المجال العام، لإثارة الجدل، قبل التثبت المعرفي والنشر العلمي المحكم للظواهر التي يتحدثون عنها.

لماذا تنتشر قصص الأطباق الطائرة في عصرنا؟

وفقًا للعالميْن الأنثروبولوجيين سوزان هاردينغ، وكاثلين ستيوارت، فإن قصص روزويل -على سبيل المثال- تُعد نموذجا رئيسيًا لكيفية انتقال الخطاب من الأطراف البعيدة ليصبح اتجاها سائدا وفقًا لروح العصر السائدة في ذلك الوقت بالولايات المتحدة، وهي انشغال الجمهور في الفترة من الخمسينيات إلى الثمانينيات وخلال الحرب الباردة “بالمؤامرة”.

وقد كانت الستينيات بشكل خاص مرحلة مثالية لتأخذ المعتقدات البديلة مكانة بارزة في أوروبا وأميركا، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية سرت حالة من التشكك في كل القيم الإنسانية، وكان الأمر أشبه بثورة مضادة لمعظم ما هو سائد، إذ ظهرت الخرافات بأنواعها في مواجهة العلم والعقل، ونمت ديانات زائفة مثل “العصر الجديد” و”الفكر الجديد”، وانتشرت الأدوية التي تُسبب الهلوسة مثل حمض الليسرجيك، مع موجة عالية من الماريغوانا، وجاء ذلك كله مع خرافات الأطباق الطائرة ونظريات المؤامرة بأنواعها، لتلتقي بفرضية سُميت “الكائنات الفضائية القديمة”، وروجت لفكرة أن أبواب السماء انفتحت قديمًا للاتصال مع كائنات فضائية عاقلة.

“الفكر الجديد” و”العصر الجديد” حركتان باطنيتان غربيتان يعتقد أتباعهما أن هناك علوما أو أسرارا خفية (باطنة) تختص بها النخبة من العلماء والمفكرين الذين يتلقون علمهم ذلك بالحدس والكشوف الشخصية وليس بالوحي. حركة العصر الجديد تحديدًا حاولت ضم العلم إلى سياقها بصورة عميقة، حيث تحاول خلق نظرية شاملة موحدة للعالم تدمج بين الجانب الروحاني والجانب العلمي.

 

وتجمع الأطباق الطائرة تحديدًا بين جانبين، الأول علمي لكونها أشياء ترتبط بالفضاء وعلومه، والثاني روحاني، وهنا يمكن أن نتأمل دراسة دونالد وارين في سبعينيات القرن الماضي،  التي تفسر حمى الأطباق الطائرة باعتبارها اجتماع بين عدة اتجاهات، بعضه  نفسي، سببه التهميش والاغتراب الفردي الذي يجذبه نحو التفسيرات غير المألوفة.

ويرى وارين أن الشعور بالعزلة الاجتماعية، والافتقار إلى القدرة على التأثير على الأحداث في المجتمع الأكبر، وعدم الوضوح بشأن ما يجب أن يؤمن به الشخص، وهي سمات تنتشر في فترات التوتر والتشكك المجتمعي، تدفع للاعتقاد بأن تلك الأجسام الطائرة المجهولة تأتي إلينا بفضل الحياة الذكية خارج كوكب الأرض. وتوفر هذه الأجسام طريقة “للهروب” من النظام الحالي الذي يدير حياة أولئك الذين مروا بهذه التجربة، إذ يعتقدون بوعي أو بغير وعي، أنها تمثل “إمكانية التغيير”، أو “التحول”. وفي السياق نفسه فإن الاقتناع بوجود تلك الكائنات يساعد البعض على “التسامي” عن واقعه الحالي.

 

والحقيقة أن لذلك ما يدعمه من الدلائل، ففي كثير من الحالات التي يتحدث فيها هؤلاء الذين ادعوا رؤية أو اختبار وجودهم في حضرة كائنات فضائية، يتم تصوير تلك الأجسام الطائرة المجهولة على أنها مدفوعة بالزائرين من عالم متعالٍ إلى الأرض، ويتميزون بطول العمر لمئات أو آلاف السنين، ويمثلون تغييرًا وفرصة للتغلب على الحدود والهروب إلى عالم جديد أفضل وأبدي، ويأتي ذلك بحسب وارين، في سياق كون الإنسان بطبيعة الحال قصير العمر، وهو يواجه نوعا من القلق الوجودي بسبب ذلك.

والواقع أن التجارب الروحانية بالأساس ليست إلا مشاعر عظيمة بالتحول المفاجئ (المعرفة المفاجئة للحقيقة المستترة) والتسامي، ولذا كانت تجارب مشاهدة الأطباق الطائرة سببًا لنشأة “طوائف الأجسام الطائرة المجهولة” التي تمتلك طابعا روحانيًّا. هذه المجموعات -وهي متنوعة ومنتشرة بشكل خاص في الولايات المتحدة- لا تعبد الأجسام الطائرة المجهولة، بل تقدس الكائنات التي تعتقد أنها تتحكم في الأجسام الطائرة المجهولة، ويعتقد بعض الباحثين أن طوائف الأجسام الطائرة المجهولة شكل من أشكال دين العصر الجديد.

العديد من هذه المجموعات لديها خلفية مسيحية وتستخدم الكتاب المقدس، ولكنه عادةً ما يكون مكمَّلا بعدد من النصوص الأخرى كأساس لمعتقداتها، إذ تدمج بين الدين والعلم بنفس طريقة “العصر الجديد” السالف ذكرها. وفي فترة الحرب الباردة، بدأت هذه التحركات في التركيز على فكرة استخدام المعرفة بالكائنات الفضائية المتفوقة تقنيًا لتنوير البشرية، لأجل نقلهم إلى عصر جديد، وهو اعتقاد تجده منتشرًا في عوالم الخرافات بشكل عام، من علوم الطاقة إلى نظريات المؤامرة الخرافية إلى علم الآثار الزائف.

ووصل الأمر إلى درجة أعقد مما قد تتصور، ففي عام 1997 وبعد بلاغ من مجهول، داهمت الشرطة قصرًا في ضاحية رانشو سانتا بولاية كاليفورنيا الأميركية وكشفت عن 39 ضحية من أعمار مختلفة في حادث انتحار جماعي، وتم الكشف لاحقًا أنهم كانوا أعضاء في طائفة “بوابة السماء” الدينية، التي كان قادتها يبشرون بأن الانتحار سيسمح لهم بمغادرة “حاوياتهم” الجسدية والدخول إلى مركبة فضائية غريبة مخبأة خلف مذنب “هيل بوب”، في واحدة فقط من الحوادث المتعلقة بطوائف الأجسام المجهولة.

في أوقات التوتر وعدم اليقين، يميل الناس إلى التحرر من قيد المنظومات التي أقاموا عليها حياتهم.. تأمل مثلا دراسة صغيرة صدرت قبل نحو 4 عقود في دورية “بيرسوناليتي آند إنديفيدوال ديفرانسز”، أشارت إلى أن الناس يلجؤون إلى التنجيم وغيره من خرافات هذا النطاق أثناء مرورهم بدرجات من القلق الناتج عن مشكلات في العمل أو العلاقات أو التغيرات المجتمعية الكبرى.

وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة والتر طومسون عام 2016، فإن المجتمعات البشرية أصبحت، بشكل متزايد، تميل إلى الاهتمام بالممارسات السحرية والروحانية كردة فعل على وضع عالمي تحكمه الدراسات العلمية والبيانات الضخمة والشفافية الفائقة للويب. وبحسب التقرير، فإن هذا النمط قد رُصد من قبلُ كردة فعل على التنوير والعقلانية والمنهج العلمي في القرنين 17 و18، حيث ظهرت الحركة الرومانسية التي دفعت الناس للاتجاه ناحية الحدس وما هو خارق للطبيعة.

في النهاية، فإن الوكالات الفضائية المختصة بهذا النوع من الأبحاث لم تعلن حتى الآن عن رصد أي أثر لوجود أي صورة من صور الحياة في المجموعة الشمسية أو خارجها، ويجري ذلك على الكائنات الحية العاقلة وغير العاقلة.

 

وهذه الوكالات ليست حصرية على دولة واحدة، فهناك مثلا وكالة الفضاء والطيران الأميركية “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية، ولدى الصين والهند وروسيا والكثير من الدول وكالات فضائية ومراصد مختصة برصد الفضاء السحيق، ويعني ذلك أنه من المرجح أن تعلن إحدى هذه الوكالات قبل الأخرى عن أي كشف متعلق بهذا النطاق، على الأقل حتى تنسب السبق إلى نفسها.

والواقع أن كثيرا من العلماء يؤيدون بالفعل فكرة وجود كائنات حية عاقلة في هذا الكون، ويهتم البحث العلمي يومًا بعد يوم بدراسة العوالم الشبيهة بالأرض، أو تلك التي توجد على الأقل في النطاق الصالح للحياة، أي النطاق الذي يسمح للماء أن يكون سائلا في ظروف تناسب نشأة الحياة وازدهارها، لكننا لا نمتلك لغاية الآن أي دليل علمي موثق على ذلك، حتى وإن كنا نريد ذلك بشدة!

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

About Post Author