لخص الخبير الاقتصادي داناماث فرناندو الأزمة في سريلانكا بالإفراط في الاقتراض من أجل الاستثمار في مشاريع غير استثمارية، لكنه قال إن الحاجة إلى الإقراض اليوم أصبحت ملحة جدا بهدف توفير المواد الأساسية من طعام ودواء ووقود، وأكد أن الأزمة الاقتصادية طالت جميع قطاعات المجتمع.

ويكمن الخطر الذي تواجهه سريلانكا -من وجهة نظر الخبير- في تجاوز الديون حجم الناتج القومي، وعجز الحكومة عن سداد الديون المستحقة التي تقدر بنحو 7 مليارات دولار، وصعوبة الوصول إلى قروض جديدة في ظل عدم الاستقرار السياسي.

 

واستبعد الخبير الاقتصادي السريلانكي -في حديثه للجزيرة نت- خروج سريلانكا من المأزق الاقتصادي من دون إصلاحات سياسية وإدارية جذرية، كما يرى أن العودة للحياة الاقتصادية الطبيعية لن تكون قريبة.

  • إلى أي حد أثرت الأزمة الاقتصادية على المواطن العادي؟

لقد أضرت الأزمة الاقتصادية كثيرا بالمواطنين السريلانكيين، بما في ذلك المؤسسات الصغيرة والكبيرة، بداية من انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وتراجع مداخيل الناس وارتفاع نسبة التضخم، وقد تراجع سعر الروبية السريلانكية إلى حد كبير، وبشكل عام فإن المواطن العادي تضرر كثيرا بالأزمة.

  • هل هناك إحصاءات يمكن اعتبارها مؤشرا على حجم التأثير؟

لقد كانت نسبة الفقر 4% فقط، وتضاعفت 3 مرات في الأزمة الاقتصادية الحالية، وذلك بسبب خسارة الناس لوظائفهم وهبوط سعر الروبية مقابل الدولار.

الخبير الاقتصادي داناماث فرناندو
الخبير الاقتصادي داناماث فرناندو استبعد خروج سريلانكا من المأزق الاقتصادي من دون إصلاحات سياسية وإدارية (الجزيرة)
  • ما أكثر القاعات المتضررة؟

الاستثمارات الصغيرة هي الأكثر تضررا، لأن أصحابها لا يملكون بدائل عن الكهرباء الحكومية التي تنقطع فترات طويلة، ثم الاستثمارات المتوسطة التي تعتمد على استهلاك الوقود والغاز، فهناك نقص للوقود وارتفعت أسعاره، ويمكن القول إن معظم القطاعات الحيوية في البلاد تضررت.

  • المواد المستوردة التي تشترى بالدولار تخدم في العادة الطبقة الغنية، وغالبا ما تكون من الكماليات، فهل تأثرت الطبقة الغنية بالأزمة؟

الأغنياء تضرروا، ولكن لديهم من المدخرات أو الاستثمارات ما يكفي لمواجهة تراجع الروبية، مثل العقارات والأراضي والاحتفاظ بالدولار، لكن الناس العاديين يعتمدون على ما يحصلون عليه في يومهم، وكذلك فإن كثيرا من المواد الأساسية تستورد بالعملات الأجنبية، مثل الحليب المجفف والغاز وغيرهما من المواد الغذائية والوقود.

  • هل تواجه سريلانكا نقصا في الغذاء؟

ما زلنا ندير الأزمة حاليا، وقد استقبلنا شحنات من المساعدات الغذائية من الصين والهند، ويكمن التحدي في المواد الغذائية الأساسية. وبعد حظر استعمال الأسمدة الكيميائية، تأثر الإنتاج المحلي، ولا يعرف كيف ستتجه الأمور خلال الأشهر الستة المقبلة. وإذا لا يوجد نقص في الغذاء، فلا يعني هذا أنه لا توجد صعوبات؛ فالأسعار أصبحت فوق قدرة المواطن، مثل زيت الطبخ والوقود، والنقص الحالي قد يكون في مواد غير أساسية مثل مسحوق الحليب، وليس المواد الغذائية الرئيسية.

  • ماذا عن الدواء؟

هناك تقارير تتحدث عن نقص في الأدوية، وتسبب نقص الدولار في صعوبة الاستيراد، وأعتقد أنه يمكن حل المشكلة بالتعاون مع الهند، وإذا لم نجد حلا جذريا في الأسابيع والأشهر المقبلة فإن القطاع الصحي معرض لضرر كبير، فالمؤشرات تحذر، ولكننا لم نصل إلى وضع نتجاوز فيه الخطوط الحمراء.

 
  • ماذا عن الأسعار؟

الأسعار في ارتفاع مستمر، فنسبة التضخم بلغت 18 إلى 19%، وفي بعض القطاعات مثل الصحة وصلت إلى 30%، وارتفعت أسعار جميع المواد بما فيها المعدات الطبية.

  • هل تعتقد أن سريلانكا لن تستطيع استيراد معدات طبية؟

التحدي موجود لأنه لا يوجد لدينا دولار، ولا يمكننا فتح اعتماد بنكي، ولكن الأزمة الاقتصادية جاءت بالتدرج، ثم تفاقمت، ولذلك كانت هناك توقعات باحتمال مواجهة نقص المعدات والأدوية المنقذة للحياة، وعلينا أن نبحث عن حلول قبل الوصول إلى الكارثة.

  • ما جذور هذه الأزمة؟

جذور المشكلة تعود إلى أننا استدنا أموالا كثيرة بالدولار بقلة حكمة ووعي، واستثمرناها في مشاريع لا تدر عائدات، إضافة إلى سوء الإدارة على مدى أكثر من عقد إضافة إلى سوء الحظ، ففي عام 2015 كان هناك انهيار في الأسهم، وبين عامي 2016 و2017 كان هناك جفاف واسع، وعام 2018 كان هناك عدم استقرار سياسي وأزمة دستورية، وعام 2019 كانت هجمات الفصح، وفي عامي 2020 و2021 انتشرت جائحة كورونا، وفوق ذلك كان هناك تخفيضا كبيرا في الضرائب مما قلل مداخيل الدولة، وبعض هذه العوامل خارجة عن إرادتنا مثل الجفاف.

 

هناك تفاعل بين سوء الإدارة وسوء الحظ، ولكن الاقتراض لأجل مشاريع لا تعود بموارد للدولة كان خطأ فادحا، فلا نستطيع تسديد الديون لأننا لم نستعد تكلفة هذه المشاريع، ثم خسرنا قدرتنا على الاستدانة من السوق، وكان علينا اللجوء إلى الاحتياطي لدفع الديون والمدخرات الأخرى، وعندما نضبت المدخرات واستعملت احتياطات أخرى لشراء المواد الضرورية تحولت إلى تسونامي في وقت قصير، واستمر التجديف في الاتجاه الخطأ حتى الآن.

سريلانكا عاجزة عن دفع فاتورة المواد الغذائية والوقود حتى تلك التي تستوردها من دول الجوار 2
سريلانكا عاجزة عن دفع فاتورة المواد الغذائية والوقود حتى تلك التي تستوردها من دول الجوار (الجزيرة)
  • من المسؤول؟ ولمن يوجه اللوم؟

أعتقد أن السياسيين وقادة الأحزاب من مختلف الأطياف مسؤولون، لأنها أزمة ناتجة عن سوء إدارة على مدى سنوات، ولا أرغب في تسمية شخص أو حزب، ولكن المجموع مسؤول، فإذا نظرت إلى المسرح السياسي ترى السياسيين من الوزراء وأعضاء البرلمان يتنقلون من حزب لآخر من أجل المصالح السياسية وتشكيل الحكومات، ولذلك تجد الوزراء يمثلون الحكومة الحالية والسابقة، وعلى مدى 20 سنة، هناك أناس محدودون يتداولون السلطة.

  • كيف يمكن حل المشكلة؟

الحل يكمن في إصلاحات اقتصادية وفق مبادئ السوق، وعلى المدى القريب الوضع صعب، وعلينا أن نذهب إلى الاقتراض حتى نضمن أننا مستمرون في التنفس فوق الماء، وذلك لضمان استمرار الاحتياجات الأساسية مثل الدواء والغذاء، ثم نذهب إلى الإصلاحات الاقتصادية، فنحن لم نجر هذه الإصلاحات وفق مقتضيات السوق منذ 30 إلى 40 سنة.

لدينا حجم كبير من الوظائف الحكومية يصل إلى 1.5 مليون موظف من القوى العاملة، وكثير من المؤسسات الاقتصادية الحكومية يعاني خسائر مستمرة، وكلها حكومية مثل الخطوط الجوية والمياه والوقود والكهرباء، وأينما تتدخل الحكومة فإن السوق لا يعمل، كما أننا غير متصلين بخطوط الإمداد العالمية، ويجب ضبط سياسة الرقابة على البنوك، وأن يتسق نظام الضرائب مع الاحتياجات الحالية.

 

قطاع التصدير لا يعمل بشكل جيد، فبالمقارنة مع ناتجنا القومي فإن الصادرات والواردات والتجارة كلها تتراجع منذ تسعينيات القرن الماضي، فإنتاجنا جيد وعلينا أن نحفز قدرتنا على المنافسة في السوق الدولية، وهذا هو الطريق، وهو طويل ولا يوجد بديل للخروج من الأزمة.

  • المطالب الشعبية تتمحور حول التغيير السياسي، فكيف ترى ذلك؟

طبيعة هذه الأزمة جاءت على 5 مراحل:
أولا: ما نواجهه الآن من نقص في العملات الأجنبية، مما سبب عجز الدفع بالدولار.
ثانيا: أزمة الديون وهي أزمة قاتلة، لأن هناك ديونا مستقلة السداد بما فيها مليار دولار سندات، وعلينا أن ندفع الفوائد في الوقت نفسه من أرصدتنا القليلة.

ثالثا: هناك تداعيات على الأنظمة المالية لأن جميع الاستثمارات مضمونة من قبل الحكومة، حتى عندما يلجؤون للاقتراض بالدولار.

رابعا: الأزمة السياسية، لأن هذه الخدمات بما فيها الخطوط الجوية والطاقة والوقود كلها تقدم من الحكومة، فعندما نواجه مشكلة في الإمدادات فإن الناس يعتقدون أن المشكلة في الحكومة، ولذلك يضغطون على الحكومة لاتخاذ قرار، كما نرى حاليا أن الضغوط السياسية متعاظمة.

 

خامسا: الخشية من تحول الأزمة السياسية والاقتصادية إلى أزمة إنسانية مع نقص الغذاء والدواء، وكل هذه العوامل تأتي معا، ولذلك فإن هناك قلقا شعبيا من عدم استقرار سياسي.

وحل هذه الأزمات سيستغرق وقتا، لأننا حتى لو أردنا أن نجري إصلاحات فإن التأثيرات ستبقى مدة طويلة لأنها تمس كثيرا من الناس، فنحن نعاني منذ وقت طويل من نظام فاسد وغير كفء، وعندما تريد أن تجري إصلاحات فإن هناك أناسا سيتضررون، وستكون هناك مقاومة من الداخل، وسيؤثر ذلك على الوضع السياسي.

A man pulls a cart with potatoes at a market, amid the country's economic crisis in Colombo, Sri Lanka, April 7, 2022. REUTERS/Dinuka Liyanawatte
الأزمة الاقتصادية الحالية في سريلانكا ضاعفت نسبة الفقر (رويترز)
  • إذًا، أنت لا ترى أن هناك ضرورة لتغيير سياسي؟

التغيير في النظام السياسي مطلوب، لأن معظم هؤلاء السياسيين في السلطة منذ وقت طويل، وهناك حاجة إلى التغيير وإصلاح المؤسسات، ولا أرغب في الحديث عمن يجب أن يذهب أو من يأتي، ولكن بالتأكيد يجب أن يكون هناك إصلاح على المستوى السياسي، لأن النظام يفتقر إلى المحاسبة والشفافية، وهو ما أوصلنا إلى الحال التي نحن فيها اليوم.

  • لقد انتقدت سياسة الاقتراض وفي الوقت نفسه قلت إن هناك حاجة إلى مزيد من الاقتراض؟

المشكلة هي أننا إذا لم نلجأ إلى الاقتراض فإن النظام الاقتصادي سينهار؛ فعلى المستوى الإنساني، نحن عاجزون عن توفير الدواء والغذاء، وإذا كان هناك خلل في الإمدادات بهذين المجالين فإننا سنغرق، وعلينا أن نقترض للحفاظ على حياتنا، فنحن في موقف صعب جدا ولا توجد لدينا خيارات أخرى، فجميع المعدات الطبية مصنعة في الخارج ونحتاج إلى الدولار لشرائها، ولا بد أن يتقدم أحد ما ليساعدنا في الحصول على الدولار.

  • ما حجم الديون التي على سريلانكا؟

وفق المعلومات التي لدينا، فإن الديون تشكل -حتى عام 2020- 117% من الناتج القومي، وتجاوزت الديون الخارجية 51 مليار دولار، وكلها مرتبطة بالسندات السيادية، وهناك مبلغ كبير من الديون الثنائية، ثم الديون المتعددة الأطراف.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *