ما الأشكال التي يمكن أن يتخذها هجوم روسيا المرتقب على إقليم دونباس؟ وما هي الخيارات العسكرية لروسيا؟ وما هي المقاومة التي يستطيع الأوكرانيون تقديمها؟

أسئلة طرحتها صحيفة لوموند Le Monde الفرنسية على الباحث في مؤسسة البحوث الإستراتيجية الفرنسية فينسان توريت والمؤرخ العسكري ميشيل غويا.

في توطئتها في البداية قالت الصحيفة إن أوكرانيا تعيش الآن في انتظار الهجوم الروسي على شرق البلاد، مشيرة إلى أن روسيا اضطرت بعد شهر ونصف من الحرب إلى مراجعة إستراتيجيتها الأولية والتركيز على هدف محدد، وهو الاستيلاء الكامل على إقليم دونباس الذي تتقاسمه القوات الأوكرانية مع أعدائها الانفصاليين الموالين لروسيا منذ 2014.

وقالت الصحيفة إن طموح موسكو الأولي القائم على الاستيلاء على أوكرانيا والسيطرة عليها بالكامل ربما لا يزال هو نفسه، ومع ذلك هناك عاملان يؤثران حاليا على إستراتيجية موسكو: اعتبارات سياسية خاصة بالكرملين والقدرات العملياتية للجيش الروسي.

 

فالقوات الروسية منهكة -وفقا للصحيفة- بعد قرابة شهرين من القتال، وبعض الوحدات -كما هو الحال في خيرسون أو بالقرب من خاركيف- لم يعد بإمكانها أن تغادر مواقعها، إذ تتشبث بالمكاسب التي حققتها ضد الأوكرانيين الذين يواصلون التصدي لها، مما جعل هذه الوحدات تعاني الكثير من الخسائر البشرية والمادية.

ويلخص توريت الوضع قائلا “لقد أهدروا إمكاناتهم القتالية من خلال مهاجمة العديد من الأهداف بوسائل قليلة جدا لمدة شهر ونصف” ولم يعد لديهم احتياطي، لأنهم أرسلوا إلى ساحة القتال أكثر من 80% من قواتهم، بما في ذلك أفضل وحداتهم، وجزء من تلك الوحدات لم يعد يعمل كما كان”.

وحتى لو لم يتم تدمير بعض تلك الوحدات بالكامل فإن فقدانها جزءا من قدراتها البشرية أو تدهور جزء من معداتها يقضي مؤقتا على قدراتها التشغيلية، ويلزمها بإعادة التشكيل قبل الانخراط مجددا في القتال، والقيام بذلك يستغرق وقتا لا يقل عن أسبوع في كل مرة تتكبد فيها الوحدة خسائر بنسبة 10% كما يوضح غويا، لكن الروس على وجه التحديد لديهم مشكلة ضيق الوقت.

ويعتقد محللون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغارق في مواجهة المقاومة الأوكرانية الشرسة يريد تحقيق مكاسب قبل العرض العسكري في 9 مايو/أيار المقبل بمناسبة الانتصار السوفياتي على النازيين في عام 1945.

 

 

وربما يكون هذا التاريخ محوريا لبوتين حسب توريت، لكن “ثمة شعور لدى الكرملين بالاستعجال لأسباب سياسية، فهو يسعى إلى تحقيق انتصار يقدمه في أسرع وقت ممكن للروس، والأهم من ذلك هو أنه يريد تبرير الخسائر التي مني بها جيشه”، وحسب الخبيرين الفرنسيين فإن أمام بوتين واحد من 3 سيناريوهات:

السيناريو الأول: تنفيذ روسيا خطتها الأصلية

يتفق الخبراء على أن الروس سيشرعون في تنفيذ خطة تقوم على التطويق من أجل الاستيلاء على جزء من منطقة دونيتسك لا يزال تحت السيطرة الأوكرانية، ولو كانت قوات موسكو لا تزال تمتلك قدراتها القصوى لأمكنها -وفقا لميشيل غويا- شن هجوم مزدوج لتنفيذ “تطويق كبير لدونباس” من خلال الاستيلاء على خاركيف في الشمال وزاباروجيا في الجنوب، ثم على طول نهر الدنيبر، لكن غويا يرى الآن أن الأمر “أصبح الآن مستحيلا، إذ لم تعد لديهم الوسائل”.

أما توريت فيضيف أنه “سيتعين على روسيا الهجوم بقوة ضعيفة، وستضطر إلى استخدام وحدات لا يمكنها تجديدها، وكلما اتسع نطاق التطويق كان أكثر خطورة، ناهيك عن التضاريس الصعبة للمنطقة”.

السيناريو الثاني: الهجوم المباشر

لا شك أن روسيا تستعد الآن لهجوم أكثر انضباطا وفقا لميشيل غويا، ويمكنها أن تشن هجوما مزدوجا من مدينة دونيتسك في جنوب دونباس، والتي هي بالفعل في أيدي الموالين لروسيا، ومن منطقة إيزيوم في الشمال، و”هذا هو المكان الذي يوجد فيه مركز ثقل القوات الروسية الآن، وسيكون عليه الجهد العسكري الرئيسي في هذه المنطقة” كما يتنبأ هذا الخبير الذي يراقب تحركات القوات الروسية على الأرض.

 

ومن إيزيوم يمكن للروس أن يتوجهوا مباشرة إلى سلافيانسك وكراماتورسك، وهما مدينتان كبيرتان في منطقة دونيتسك، ويبلغ عدد سكانهما على التوالي 111 ألفا و157 ألفا، أو يتجهون إلى الغرب عبر بلدتي بارفينكوف وبوكروفسك، للانضمام إلى الجبهة الجنوبية وتطويق المنطقة.

لكن بالنظر إلى التحركات الحالية لم يتضح بعد ما إذا كان الروس سيأخذون هذا الاتجاه أو ذاك أو كليهما في نفس الوقت، كما لم يعرف بعد من أين سيبدأ هجوم الجنوب.

ويوضح غويا أن “منطقتي سلافيانسك وكراماتورسك هما منطقتان حضريتان كبيرتان، ومن المستحيل الاستيلاء عليهما بسرعة، ويتوقع أن يواجه الروس وقتا عصيبا في القتال بالمدن، وأن يمثل حصار هذه المدن إنشاء ماريوبول جديدة”.

 

 

السيناريو الثالث: التطويق المتدرج

تؤكد لوموند أن سلافيانسك وكراماتورسك ليستا ماريوبول، فهما معزولتان في منطقة خاضعة للسيطرة الروسية ويسهل تطويقهما، لكن توريت يرى أن الروس “إذا تمكنوا من إجراء تطويق أولي فستكون لذلك تداعيات على النظام الأوكراني بأكمله في دونباس، فكلما زاد تقطيع أواصر هذه المنطقة زاد عدم تنظيم القوات الأوكرانية وضعفت مقاومتها”.

لكن الخبيرين يريان أن النصر بعيد المنال بالنسبة لموسكو، ويشيران إلى أن “المجهول الكبير هو حالة القوات الأوكرانية”، إذ لا يتحدث الأوكرانيون عن خسائرهم”، لكن ما هو معروف -وفقا للخبير غويا- هو أن هذه القوات تأثرت مثلما تأثر الروس.

غير أن القوات الأوكرانية في وضع دفاعي، ويعتقد توريت أن هذه القوات ليست لديها قدرة احتياطية ولن تكون قادرة على تعويض خسائرها حتى مع مرور الوقت، لكن -حسب لوموند- يمكن أن يكون الدعم الدولي بالأسلحة والاستخبارات أمرا حاسما، وهو ما يعلق عليه توريت بالقول إن “الأوكرانيين لهم معرفة أكثر من خصومهم بميدان المعركة”، مشيرا إلى أنه أيا كان شكل الهجوم الروسي في دونباس فإنه “سيكون عنيفا للغاية، لكن يمكن إيقافه بسرعة” كما يرى غويا.

 

أما توريت فإنه يرى أن “الروس ينتظرون معجزة في دونباس، لكن لا يوجد دليل على أن ذلك سيحدث على المدى القصير، وعلى أي حال فإن التحدي ليس مستحيلا بالنسبة لأوكرانيا”.

المصدر : لوموند

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *