يفتح الجدل بشأن حظر الحجاب في المدارس الهندية باعتباره “ملابس دينية” غير مسموح بها في المؤسسات التعليمية العلمانية نقاشات حول الثقافة والسياسة والمجتمع في شبه القارة الهندية، إذ يلقي الخطاب السائد بالمسؤولية على النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب بين جمهور يشك بشكل أساسي في مفهوم “التدين”، ويُعرّف نفسه على أنه “علماني”.

وفي تقرير نشره موقع “ذا واير” (the wire) الهندي، قالت الكاتبة زهرة مهدي، الأكاديمية في قسم دراسات الدين بجامعة كولومبيا، إن معظم أفراد هذا الجمهور العلماني يتساءلون عن سبب اختيار النساء المسلمات “الخضوع” من خلال ارتداء الحجاب (الرمز المطلق للقمع بنظرهم)، مبيّنة أن ذلك الجمهور يظهر المحجبات على اعتبارهن من الرعايا المتدينين في الهند “العلمانية”، لكن هل كانت الهند حقًّا “علمانية”؟ أم تمت علمنة ممارسات الهندوسية -دون غيرها- تحت مسمى “الثقافة الوطنية”؟

 

الثقافة والأمة

وذكرت الكاتبة أن جميع “الأحداث الثقافية” المدرسية في الهند تبدأ بحفل الأضواء بالمصابيح لدرء ظلام الجهل والترحيب بالحكمة من خلال آلهة راجيشواري، مصحوبة بغناء لترنيمة “غاياتري مانترا” من أجل السلام والوئام، وتعدّ أغنية “فاندي ماترام” (تحية للأم)، التي تحتفل بالهند باعتبارها الوطن الأم الذي يشع بقوة الآلهة دورغا ولاكشمي وساراسواتي، “الأغنية الوطنية” المشهورة في الاحتفالات المدرسية.

في المقابل، وفي النظام المدرسي نفسه، لا يمكن للمرأة المسلمة ارتداء الحجاب لأن المدرسة ليست مكانا “للدين”، وليس المقصود إبراز نفاق المؤسسات التعليمية التي تميز دينًا عن الآخر، بل هي فرصة للتوقف والتساؤل عما يسمى بالدين أو ما يُنظر إليه على أنه ديني في خطاب العلمانية الهندية التي ترفض الطبقة العليا فيها الهندوسية بوصفها ديانة وتعدّها “ثقافة هندية وطنية”، وفي سياق الحرص على تأكيد علمانية الهند لا ينظر إلى الهندوسية باعتبارها “دينا” بل فقط على أنها “ثقافة الهند”.

 

وتشير الكاتبة إلى تحذير وزير التعليم في ولاية كارناتاكا للمؤسسات التعليمية التي أوقفت الطلاب الهندوس الذين كانوا يرتدون “تيلاك” و”كومكوم” و”بيندي” و”سندور”، مبينًا أن هذه الملابس تشكل “الهوية الثقافية” للهندوس، لافتة إلى أنه لا يردد صدى الحجة اليمينية لسيادة الدين الهندوسي، ولا يقول إن هذه “رموز دينية” ولكنه يستخدم الحجة العلمانية القائلة “إنه ليس دينًا، بل ثقافة”.

 

وأضافت الكاتبة أن وزير التعليم يتحدث بلغة تنتمي لقسم كبير من المثقفين الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم علمانيون ليبراليون ويحتفلون بـ”دورغا بوجا” (مهرجان هندي ذو جذور دينية) على أنه “مهرجان ثقافي” ويصرّون على أن العادات والطقوس الهندوسية هي “هندية” فحسب.

وتؤكد الكاتبة أنه من دون تقويض أو تقليل مدى العنف الاستثنائي للنظام السياسي الحالي، فإن من المهم فهم ما يدعم هذا المشروع المتفشي، الذي يمكنه نزع الصفة الإنسانية عن المسلمين في نزاعات الأمة والدين، موضحة أن العنف النموذجي الذي يسود حياة المسلمين، مثل الإعدام خارج نطاق القانون والمذابح والسجن ووحشية الشرطة وخطاب الكراهية والمزادات عبر الإنترنت، قد أصبح متكررا في ظل النظام الحالي، إلا أن أصوله الرمزية تكمن في مفاهيم علمانية حيث لم تعد الهندوسية تمثّل دينًا فحسب، بل ظهرت كهوية ثقافية وأصبحت تمثل “هوية وطنية”، لكن المسلمين، من حيث هم مجتمع “ديني”، فشلوا في أن يكونوا جزءًا من هذا الخيال القومي، وفق هذه المفاهيم.

وأشارت الكاتبة إلى أنه ليس من المستغرب أن النساء المحجبات عندما كنّ يحملن العلم الوطني، ويغنّين النشيد الوطني، ويقسمن بالدستور خلال الاحتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة، فقد تم الترحيب بهن على أنهن “ينقذن الروح الميتة للعلمانية الهندية”، منوهة إلى أنه كان يتم تصوير هؤلاء النساء المحجبات أنفسهن في غياب اللافتات الوطنية على أنهن يعرّضن العلمانية الهندية للخطر، حيث “تظهر” المحجبات كموضوعات دينية لا يمكن دمجها في خطاب العلمانية التي نجحت في تأميم الهندوسية كثقافة، في حين تظل خائفة من الإسلام.

غياب الأمة

وتشدد الكاتبة على أنه في ظل غياب “الأمة” من حيث هي مفهوم وطني حقيقي، تظل المسلمات المحجبات في المخيال الشعبي مجرد “تابعات” وخاضعات” وغير قادرات على التعبير عن أنفسهن، وهو عكس ما أظهرنه مرارًا وتكرارًا، وغالبًا في ظل ظروف قاسية، من خلال الاحتجاجات المناهضة للتحالف الحاكم ووحشية الشرطة في الجامعات، وفي النقاشات المستمرة في موضوع الحجاب أيضًا.

 

ويعرّف الخطاب العلماني النساء المسلمات المحجبات على أنهن تابعات، لأنه غير قادر على تخيل حقيقة أنهن “فاعلات” أو متبنّيات للإسلام عن اختيار حر، ويمكنهن النقاش بشأن ممارسات العبادات والشعائر، وصياغة أنفسهن كذوات أخلاقية وذلك في وقت يتخلى فيه هذا الخطاب العلماني عن المفاهيم الليبرالية المتعثرة للاختيار والإرادة الحرة.

وقالت الكاتبة أيضا إن الخطاب النسوي الهندي ظل ملتزما بالقدر نفسه بالمُثل العلمانية، وبسبب الخلط بين الدين والنظام الأبوي عاد هذا الخطاب مرارًا وتكرارًا لتداول فكرة “إنقاذ النساء المسلمات” من خلال تحويل النقاش من حرية الدين إلى التعليم، وهناك صراع حقيقي داخل الخطاب النسوي العلماني لفهم سبب رفض الشابات المسلمات المحجبات التخلي عن حجابهن أو حقهن في التعليم، وهذا الرفض لا معنى له في الإطار الذي يُنظر فيه إلى الحجاب على أنه خيار قمعي.

وترى الكاتبة أنه بدلًا من التساؤل عما يعنيه ارتداء الحجاب للمرأة المسلمة وتحميلها مسؤولية شرح عقيدتها لجمهور علماني يشكك في الدين، ربما تحتاج العلمانية إلى التفكير في نتيجة ما تصنعه.

 

وتعتقد الكاتبة أن خطاب العلمانية مثير للسخرية كونها تجد نموذجها المثالي في غاندي، الشخص الذي لطالما عرّف نفسه في سياق ديني. وبعد موته، تم تخليد أغنية “هاي رام” لغاندي، إلا أن إحدى الطالبات المحجبات تعرّضت للمطاردة من قبل إحدى المجموعات التي نصحتها بعدم قول “الله أكبر” وقول “جاي هند” لأنه سيكون من الأنسب للمسلمين أن يكونوا أقل تدينًا وأكثر علمانية (قومية).

في نهاية المطاف، تقول الكاتبة إن السؤال ليس إذا كان بإمكان العلمانية أن تتسامح مع الدين، بل أي دين هي على استعداد لاعتباره “دينًا”، حيث تدل المضايقات المستمرة للنساء المسلمات المحجبات على أنه بينما سيُتسامح مع تدين غاندي باسم الأمة العلمانية، سيسود التشكيك في اختيار المحجبات الالتزام بشعائرهن من قبل الأمة العلمانية نفسها، حسب تعبير الكاتبة.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *