القاهرة- رغم تقديمه لعشرات الشخصيات على شاشة السينما والتلفزيون إلى جانب المسرح، تبقى شخصيتا فطوطة وسمورة أشهر ما قدمه الفنان الراحل سمير غانم، وهي الفكرة التي رفضها في البداية عندما طرحها عليه المخرج فهمي عبد الحميد مطلع الثمانينيات.
بعد انتهاء 7 مواسم لفوازير نيللي التي أخرجها عبد الحميد، قرر أن يستعين بغانم -الذي تحل ذكرى وفاته في 20 مايو/أيار2021- لتقديم فوازير من نوع جديد، لا تعتمد على الاستعراضات الراقصة، بل الشخصيات الكارتونية، فهل استطاع نجم “ثلاثي أضواء المسرح” أن ينافس نيللي وشريهان في تقديم الفوازير؟
كانت الفكرة في البداية تقديم فوازير تدور حول سفريات الرحالة ابن بطوطة في بلاد مختلفة، حيث يأخذ فطوطة سمورة في رحلة حول العالم، وسرعان ما تطورت الفكرة لتقديم شخصية “فطوطة” الكوميدية قصير القامة صاحب البدلة الخضراء الواسعة والحذاء الأصفر الكبير والشعر الكثيف، والبيبون الأسود الضخم (صنعته مصممة الأزياء وداد عطية).
كما استوحى المخرج البدلة الواسعة التي يرتديها فطوطة من ابنه عندما رآه يرتدي ملابس واسعة، ويظهر جوار فطوطة سمير غانم بهيئته الطبيعية مقدما شخصية “سمورة”.
فطوطة بدلا من بطوطة
رفض غانم فكرة الفوازير في البداية، واجتمع بالمخرج في محاولاته لإقناعه، ولم يتفقا على اسم للشخصية خلال التحضيرات، واختارا سيد مكاوي لتلحين موسيقى البرنامج، وليكتب شوقي عبد الرحمن الحلقات، وتم طرح اسم “فطوطة” بدلا من “بطوطة” واقتربت شخصية فطوطة من الأراجوز في الكوميديا الشعبية، حيث يدور الحوار مع الدمية التي تمثل الأراجوز، لكن غانم قدم الحكاية الشعبية بطريقة مختلفة.
أصبح تتر الفوازير من أهم ما يعلق بأذهان المشاهدين، فهو يقدم الشخصية ببساطة، هذه الفوازير بطلها “فطوطة مخرج أنتيكة، اتعلم سيما في أمريكا، يرقص تانجو وشيكا بيكا” وعبارات على غرار “رمضان كريم فيه ما فطرش.. وأغذي عقلي بدل كرشي” وكذبك “بابا جاى إمتى؟ جاى الساعة ستة.. راكب ولا ماشى؟ راكب بسكلتة (دراجة)”.
جاء الجزء الأول في موسكم 1982، ومع النجاح الكبير للفوازير تلاها جزآن عامي 1983 و1984، وأعيد تقديمها بعدها في مسلسل الرسوم المتحركة “فطوطة وتيتا مظبوطة” عام 2010، ثم قدمها سمير غانم في الإذاعة عام 2016.
عندما ابتعد غانم عن فطوطة قدم فوازير أخرى، مثل “المتزوجون في التاريخ” عام 1992 وفوازير “المضحكون” عام 1993 وفوازير “أهل المغنى” عام 1994.
الابن الضائع
يحكي غانم عن حبه لشخصية “فطوطة” وارتباطه شخصيا بها، يشعر تجاهه كأنه “ابنه الضائع” مستعيدا ما كتبه الراحل صلاح جاهين في جريدة الأهرام ورسم “الهرم الرابع” وكتب عليه “فطوطة” مضيفا “هذه كانت كلمة جميلة وجلست معه بعدها وشكرته لإطرائه على العمل وهذه الشخصية الكارتونية التي كنت أقدمها وسألني وقتها عن فطوطة، وقلت له اعتبره مثل كارتون ميكي ماوس العالمي ولكن هذه المرة هو ميكي ماوس مصري ورمز لمصر”.
جاذبية فطوطة
أعاد غانم تقديم فطوطة من جديد، وقدمها للإذاعة المصرية، وتخوف خلالها من تقديم الشخصية الكاريكاتيرية دون أن يراها المشاهد، حيث رأى أن سر جاذبيتها الكبير هو شكلها الغريب، فهل يتقبل الجمهور أن يسمع صوتها فحسب عبر أثير الإذاعة؟ كان التحدي أن يعتمد غانم خفة دم “فطوطة” والكاريزما التي يمتلكها و”الإفيهات” التي يقولها فتضحك الناس.
ويؤكد غانم أنه كان يعتمد على الارتجال في تقديم فطوطة، حيث تكون مهمة المؤلف فتح الحوار ليكمله غانم بخفة دم فطوطة، لأن جمال القصة كلها في المشاكسة بين الشخصيتين فطوطة وسمورة.
كما كان تصوير فطوطة مرهقا نظرا لبساطة الخدع المستخدمة في بداية الثمانينيات، حيث يتعرض غانم لكمية كبيرة من الضوء أثناء التصوير لتصغير حجمه في المونتاج، كما أنه يتحدث بصوت عال وبطء شديد ليتحول لصوت فطوطة كما يعرفه الجمهور.
بين المسرح والسينما والتلفزيون
يعتبر غانم -المولود في 15 يناير/كانون الثاني 1937- من أشهر نجوم الكوميديا، تخرج في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، وكون مع جورج سيدهم والضيف أحمد فرقة “ثلاثي أضواء المسرح” التي اشتهرت باسكتشات كوميدية مسرحية، انتقلت من المسرح إلى السينما.
وبعد وفاة الضيف أحمد، عمل غانم منفردا أو برفقة سيدهم في مسرحيات ناجحة أشهرها “المتزوجون” و”أهلا يا دكتور” كما تنوعت مشاركاته السينمائية في أفلام كثيرة أبرزها “خلى بالك من زوزو، فيفا زلاطا، أضواء المدينة، الزواج على الطريقة الحديثة، يارب ولد” ولعب دور البطولة في كثير من الأفلام نهاية الثمانينيات فيما عرف بسينما المقاولات التي يتم إنتاجها بتكلفة قليلة وبيعها للقنوات التلفزيونية، ومنها “اقتل مراتي ولك تحياتي، الرجل الذي عطس، الكابتن وصل، النصاب والكلب، عريس في اليانصيب”.
وإلى جانب السينما والمسرح، قدم غانم عددا من المسلسلات الشهيرة مثل “حكاية ميزو” واستمر في العطاء الفني حتى السنوات الأخيرة في حياته، حيث ظهر في أعمال ابنتيه الفنانتين دنيا وإيمي سمير غانم.
وفي 30 أبريل/نيسان 2021 نقل غانم وزوجته إلى المستشفى بعد إصابتهما بفيروس كورونا، حتى توفى في 20 مايو/أيار2021، قبل أن تلحق به دلال في 7 أغسطس /آب2021.