الكويت – دفع عشق التاريخ وكتابات الحضارات القديمة المؤرخة الكويتية غنيمة الفهد إلى البحث والتحري، فاتجهت للبحث عن أصول لهجة بلدها، بما فيها من كلمات وعبارات قديمة بدأت تذوب شيئا فشيئا مع الأيام، فانكبت على جمعها وشرحها وحفظها لتعرّف عليها الأجيال المتعاقبة، فأصبحت أول امرأة تحصل على لقب خبيرة في اللهجة الكويتية.

وفي حوار مع الجزيرة نت استعرضت المؤرخة رحلتها مع اللهجة الكويتية.

 
  • كيف كانت بدايتك مع التأريخ؟

ساعدني في ذلك تخصصي الدراسي في التاريخ من جامعة الكويت عام 1973، فكانت دراسة التاريخ الأصيل بما يتضمنه من معارك وتواريخ وحضارات، خصوصا أصعب مادة في السنة الأولى وهي الحضارة الفرعونية.

والحضارة هي تراث الإنسان وموروثه، وقد لفت نظري أمر مهم يبين مكانة الإنسان وحضارته وهي اللهجة، وعندما أرسلتنا جامعة الكويت في بعثة إلى مصر درسنا الكتابة الهيروغليفية الموجودة على الصخور، وكذلك درسنا الكتابة المسمارية، واللغة اللاتينية التي هي اللغة الأم في أوروبا لمدة 5 سنوات، فوجدت أن الحضارة هي اللغة، ولذلك توجهت لدراسة اللهجة الكويتية وتعمقت فيها كثيرا من أمثال وتعبيرات شعبية.

 

بدأت في بيت أهلي، لكني توسعت بعد ذلك بعد زواجي، فلقيت تشجيعا من زوجي الذي كان زميلا لي في دراسة التاريخ وتعهد بمساعدتي، فكنت أسجل كل شيء أسمعه من كلمات غريبة، خصوصا من النساء.

وكان نقد خالتي -وهي أيضا والدة زوجي- يشكل دافعا إيجابيا لي وكنت مسرورة لذلك، فكنت أسجل بعض الملاحظات خلال زياراتها التي كانت تقوم بها، وكونت كما هائلا من الكلمات والعبارات القديمة، ثم جلست أمام البحر في إحدى المرات أبحث عن الكلمات التي ذابت مع الأيام مثل كلمة “أظوطه” ومعناها أسحبه معي، فوجدت أنها انتهت وحلت محلها في اللهجة الكويتية كلمة “أتله”، ثم حلت محلها “أسحبه”، وهكذا.

حب القراءة والاطلاع كان الهواية الأولى للمؤرخة الكويتية (الجزيرة) غنيمة فهد الفهد الجزيرة
حب القراءة والاطلاع كانا الهواية الأولى للمؤرخة الكويتية (الجزيرة)
  • ما هي المواصفات المطلوبة في المؤرخ؟

المؤرخ يحتاج إلى الفطنة، فمثلا الكلمات التي كانت تلفت نظري كانت تمر على أخواتي وزوجي، لكن لأني درست التاريخ ورأيت ما كتب على الجدران في الحضارات الأخرى مثل الفرعونية جعلني التفت لذلك، كما يحتاج المؤرخ إلى الاهتمام والبحث والمتابعة، فمثلا كنت أذهب لزيارة منطقة الروضة للقاء النساء كبيرات السن، لأحصل من كل واحدة على بعض الكلمات الغريبة حتى كونت عددا كبيرا من الكلمات القديمة التي كانت مستخدمة في الكويت.

  • هل تأثرت بأحد من عائلتك مما دفعك للاتجاه إلى تأريخ اللهجة الكويتية؟

أعجبتني تعبيرات خالتي لي التي نسميها في الكويت “النخزة”، أي تحاول أن تجرح زوجة ابنها، فكانت تلقي كلمات وتعبيرات جميلة، وكذلك والدي الذي كان شاعرا نبطيا، وكان لكلماته دور أيضا في اتجاهي نحو التخصص في اللهجة الكويتية.

  • ما هو الهدف الذي حددته لنفسك باتجاهك إلى تأريخ اللهجة الكويتية؟

هناك عبارة أرددها دائما وهي “وطنيتي تسبق قلبي”، وربما قدم أصولي في التاريخ الكويتي، فعائلتي قديمة من بني خالد، وقد سكنت منذ زمن بعيد في الكويت، وهذه أرضي ووطني ولذلك أردت المحافظة على لهجتها وتعريف الأجيال المتعاقبة بلهجة وطنهم.

  • للهجة أبواب واسعة فهل تختلف بين الرجال والنساء؟

نعم، تختلف في الكويت جدا بين الرجال والنساء، فمثلا كلمة “بأمان الله” يقولها الرجال، فيما النساء يقلن “مع السلامة”، وهناك تعبيرات لا يصلح أن يقولها الرجال مثل “خنت حيلي” وتقال عندما يمرض الطفل أو يبكي أو عند مرض المرأة، فيما هي شائعة لدى النساء ولا يقولها الرجل مهما حدث، ومجتمعنا الكويتي منفتح بسبب وجود العديد من المجتمعات الأخرى.

  • هل تختلف لهجة أهل الكويت بين منطقة وأخرى؟

اللهجة الكويتية واحدة، والذكي يفهم لهجة الآخر، وهي محرفة بشكل خفيف بين بعض المناطق، فمثلا يضاف حرف أو حرفان إلى بعض الكلمات، ولكن بالنسبة لي لا توجد مشكلة لأني مطلعة على كل اللهجات، وقد تكون صعبة على البعض.

  • هل تأثرت اللهجة الكويتية بلهجات أخرى؟

اللهجة الكويتية مشتقة من اللغة العربية، وفي السابق لم تتأثر لكن مع مرور الأيام تأثرت بوجود العديد من الجاليات، فمثلا حاليا نقول كلمة “بلشنا” و”بلشوا” يعني “بدأنا” بلهجة أهل بلاد الشام، حتى طعامنا اختلف بسبب ذلك، إضافة إلى كلمات وعبارات أخرى، والاختلاط مع الآخرين أدى لذلك.

 

كذلك، لم تتأثر اللهجة الكويتية بالدول المجاورة كثيرا باستثناء بعض الكلمات البسيطة، فمثلا بعض المناطق في السعودية والعراق يتكلم أفرادها بنفس لهجة أهل الكويت، وفي مناطق مثل القصيم وبريدة والأحساء يتكلمون نفس لهجة أهل الكويت، كذلك في سلطنة عمان يقلبون حرف الجيم إلى ياء كما في الكويت، وهي لغة عربية سائدة لدى بعض القبائل العربية.

المؤرخة الكويتية لها العديد من الإصدارات في مجالات مختلفة غنيمة فهد الفهد مواقع التواصل
المؤرخة الكويتية لها العديد من الإصدارات المتخصصة في لهجة بلادها (مواقع التواصل)
  • هل الموروث الشعبي النسائي علم غزير لا يوجد عند الرجال؟

الرجال لا يعرفون الموروث، والرجل الكويتي قديما -قبل اكتشاف النفط- كان يخرج من بيته ويعود متأخرا سعيا للرزق، على عكس النساء اللواتي كن يجلسن في البيوت ويتبادلن الزيارات، فينشدن الأهازيج ويلقين النكت ويروين الحكايات، فقمت بجمع هذا الموروث في كتاب “التعبيرات الشعبية الكويتية”.

  • ما هي قصة أول كتبك “كلمات ذابت مع الأيام”؟

لقي هذا الكتاب صدى كبيرا، وشجعني ذلك على تأليف 3 كتب في نفس العام، وبصراحة فقد كان لكلمات خالتي (الغريبة) عندما كنت في بداية العشرينيات من عمري دور كبير في تأليفه، ونجاح الكتاب منقطع النظير دفعني لتأليف 3 كتب، إذ نفدت 3 آلاف نسخة من الكتاب في أقل من 3 أشهر، كذلك تشجعت بعد حصولي على مكافأة كبيرة من سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد، فأنجزت كتب “التعبيرات الشعبية الكويتية”، و”الحزاوي في الكويت”، و”العبارات المنسية في اللهجة الكويتية”، فكان هذا الكتاب فاتحة خير لمؤلفاتي واكتسبت الشهرة وأصبحت مرجعا للهجة الكويتية.

  • الموسوعة الذهبية الشاملة ماذا تتضمن؟

تتضمن 3 كتب دمجتها مع بعض، وهي “كلمات ذابت مع الأيام- العبارات المنسية في اللهجة الكويتية- التعبيرات الشعبية في اللهجة الكويتية”، وأضفت إليها من الأمثال الشعبية الكويتية 1228 مثلا، إضافة إلى الأهازيج الكويتية والقطاوي (الألغاز)، وأنواع السفن والرماح والألوان ومسمياتها في كتاب واحد سميته “الموسوعة الذهبية”.

  • هل نصحت أحدا بالسير في نفس طريقك؟

هذا الطريق الذي مشيت فيه يحتاج إلى جهد وتعب ومتابعة، وليس كل شخص يستطيع المتابعة فيه، وأنا مسرورة لأني سرت بهذا الطريق حتى أصبحت المرجع الوحيد للهجة في بلدي.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *