توفيت في العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الجمعة، الفنانة التشكيلية البريطانية غريزلدا أرملة العلامة السوداني عبد الله الطيب، التي لم تثنها تقلبات الأوضاع في السودان -بجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي الإنجليزية المولد والنشأة- عن اختيار السودان موطنا لها لا تريد بديلا عنه.

ورغم رحيل زوجها عام 2003، فإن غريزلدا الطيب المولودة في مارس/آذار 1926 رفضت العيش بعيدا عن السودان، وفاءً لقصة حب بَنتها في أربعينيات القرن الماضي ولبلد أفريقي جاءته محمولة “بسحر الشرق في حكايات ألف ليلة وليلة مطلع القرن العشرين”.

وحظيت غريزلدا بخبرات جمعتها من عملها في كلية المعلمات بأم درمان، التي أسست فيها قسما للفنون إلى جانب تأسيسها برنامجا للرسم بالمدارس الأولية للبنات، وقسما آخر بمدرسة الخرطوم الثانوية للبنات، قبل أن تنتقل إلى كلية أم درمان لتخريج معلمات المدارس الابتدائية والمدارس الوسطى.

وعكفت غريزلدا التي درست علم الأجناس بجامعة الخرطوم (أعرق الجامعات السودانية) -قبل أن تنال الماجستير في الفلكلور والرسم- على الكثير من الأنشطة المجتمعية، وسعت إلى تحقيق حزمة أفكار، لا سيما في المجالات الثقافية والفنية.

 

وقالت -في لقاء سابق مع الجزيرة نت- “أصبح هذا البلد جزءا مني، كونت فيه الأصحاب والصداقات الممتدة عكس إنجلترا التي ليس لي فيها إلا أسرتي الصغيرة، وجودي بالسودان بات هو الأصل”.

وأضافت مازحة “أنا محظوظة كذلك لأني تمكنت من إقناعه بالزواج مني، فما كان يريد الزواج مني بحجة أن لديه أخوات يتولى مسؤوليتهن”.

ووجدت غريزلدا كثيرا من المتعة في التعايش مع كافة ضروب الثقافة السودانية، وشاركت في معرض الخرطوم الدولي للكتاب الذي نظم مؤخرا بمختلف إصدارات ومخطوطات البروفيسور الطيب وبعض مخطوطاتها وكتبها في علم الأجناس.

 

الذات الأخرى

ويقدم كتاب “عبد الله الطيب وغريزلدا.. العثور على الذات الأخرى” للبروفيسور عبد القادر محمود عبد الله أستاذ الدراسات السودانية والمصرية القديمة بجامعة النيلين، سيرة غيرية للزوجين.

 

وتميزت رحلة حياة الطيب -المولود عام 1921 في دامر المجذوب شمالي السودان- بمنعطفات كثيرة منذ مولده، مرورا برحلته التعليمية وظهوره في المشهد الثقافي بموسوعته “المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها” في 5 أجزاء، وكتب مقدمته عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي قال “هذا الكتاب ممتع إلى أبعد غايات الإمتاع، لا أعرف أن مثله أتيح لنا في هذا العصر الحديث”.

يذهب البروفيسور عبد القادر محمود في رواية قصة عبد الله الطيب وزوجته غريزلدا إلى أن أول ما فتنت به من عبد الله الطيب كان عروبته، وأنها رأت فيه أسطورة وسحر الشرق وحكايات “ألف ليلة وليلة”.

ويضيف محمود أن ما أعجب الطيب فيها هو ذكاؤها وانفتاحها كفتاة بريطانية لم تتلوث بنظرة مجتمعها -في ذلك الوقت- للغريب. ويروي المؤلف أن زواج عبد الله وغريزلدا واجه كثيرا من الصعاب من قبل أسرتها التي اعترضت على هذه الزيجة ومطالبتها بترحيل عبد الله الطيب من بريطانيا.

ويشبّه عبد القادر اللقاء الأول بين عبد الله وغريزلدا بلقاء أسطورة الحب العربي “جميل وبثينة” وما نشأ من خلاف بينهما تحول إلى حب جارف، إذ اتهم عبد الله في ذلك اللقاء غريزلدا وقومها بالاستعلاء والنظرة الاستعمارية، حسب العرض الذي قدمه محمد نجيب علي للجزيرة نت.

 

ويذهب البروفيسور محمود إلى أن غريزلدا قد هيأت لزوجها كل سبل الراحة من أجل التأليف والكتابة، وأشارت إليه بضرورة دراسة اللغة الفرنسية.

 

ويذكر مدير معهد عبد الله الطيب للغة العربية، الدكتور صديق عمر صديق، أن غريزلدا من أشارت على عبد الله الطيب بأن يتولى عميد الأدب العربي طه حسين كتابة مقدمة “المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها” إلى جانب أنها تولت تصميم مؤلفيه “كتاب الأحاجي السودانية” و”نافذة القطار” ومسرحياته، وهذا جزء من شراكتها وإحساسها بقيمة عبد الله الطيب.

ويقول مؤلف الكتاب إن لعبد الله الطيب تأثيرا كبيرا على زوجته في توسيع معرفتها باللغة العربية والثقافة السودانية، وهو ما قادها إلى الإسلام عام 1976، وأطلق عليها عبد الله الطيب اسم “جوهرة الطيب”، كما سعت إلى الحصول على درجة الماجستير من جامعة الخرطوم في الأزياء السودانية، وظلت مساهمة في الحركة الثقافية السودانية عبر التشكيل والمحاضرة وحضور الفعاليات المختلفة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *