في مواجهة الحرب الروسية، تمرّ أوكرانيا بصدمة اقتصادية يمكن أن تخفض ناتجها المحلي الإجمالي إلى النصف، هذا إلى جانب تمويل عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.

وفي تقرير نشرته صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية، قال الكاتب آلان جيلموليس إن الشوارع لا تزال مهجورة بشكل غريب وسط العاصمة كييف، وعدد قليل فقط من المقاهي والمطاعم أعادت فتح أبوابها خلال النهار لينتهي عملها عند تمام السابعة مساء، بينما المعالم الأثرية مغطاة بأكياس مملوءة بالرمل.

 

وتخلو الشوارع تماما من المارة في المساء لينطلق حظر التجوال من العاشرة مساء. لقد غيرت الحرب المستمرة منذ شهرين ونصف الشهر معالم أوكرانيا ووجهت ضربة قاسية لاقتصادها.

وقد غادر أكثر من 12 مليون شخص منازلهم، 7 ملايين منهم نزحوا إلى البلدات والقرى الواقعة غرب البلاد، بينما أصبح 5 ملايين لاجئين في الخارج.

 

وتأثر ما يقارب ربع الأراضي الأوكرانية بشكل مباشر بالحرب، وتعطلت حركة النقل في باقي أنحاء البلاد بسبب تدمير البنية التحتية بما في ذلك الجسور وحواجز الطرق، هذا إلى جانب نقص الوقود.

وأثرت الحرب على قلب الاقتصاد الأوكراني القائم على إنتاج الصلب في المدن الصناعية الكبرى شرقا، فقد دُمّر مصنع آزوفستال في ماريوبول، وتوقف إنتاج آرسيلور ميتال في مدينة كريفيو ريه بتاريخ الثالث من مارس/آذار.

كما تأثر قطاع الزراعة، إذ صدرت أوكرانيا قبل اندلاع الحرب 12% من صادرات القمح العالمية و15% من الذرة و50% من زيت عباد الشمس، لكن هذه التجارة توقفت عمليا لأن الموانئ الأوكرانية في حالة شلل.

 

الحصار يعرقل قطاع التجارة

باتت كل من ماريوبول وبيرديانسك، الواقعتين على بحر آزوف، خاضعتين للقوات الروسية بينما تعاني أوديسا في ظل الحصار الذي فرضته البحرية الروسية على البحر الأسود.

 

يقول فولوديمير فاخيتوف، الأستاذ في كلية كييف للاقتصاد “الصعوبة الكبيرة تكمن في نقل الحبوب التي تنتظر في الصوامع، نحاول التعويض باستخدام القطار أو الطريق للوصول إلى ميناء كونستانتا في رومانيا، لكن هذا لا يكفي” ذلك أن الطرق والمعابر الحدودية المؤدية إلى بولندا أو رومانيا “مختنقة بالفعل” بينما تضاعف سعر النقل بالشاحنات 3 مرات.

وخلال مارس/آذار الماضي، شُحنت حوالي 160 ألف طن من الحبوب إلى خارج أوكرانيا وهي كمية ضئيلة مقارنة بالمليون طن المسجلة أسبوعيا قبل الحرب.

وتمتلك أوكرانيا ميناء نهريا عند مصب نهر الدانوب في فيلكوف، ولكنه لا يستطيع تعويض الطرق التقليدية للشحن، وهذا الضغط على الصادرات يخنق اقتصاد البلاد.

وقد استهدف القصف الروسي المصانع ومحطات توليد الكهرباء والمطارات، ووصلت التكلفة المقدرة لإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها 8 أسابيع من الحرب إلى 80 مليار يورو، وفقا لتقييم من كلية كييف الاقتصادية الوطنية.

الحلفاء يدعمون كييف ماليا

رغم هذه العوائق، لم تفرغ مستودعات المحلات التجارية، ولا يوجد انقطاع في التيار الكهربائي في البلاد، والقطارات تعمل بشكل طبيعي. ولم تنهر البلاد لكنها قد تواجه صعوبات كبيرة في غضون بضعة أشهر.

 

ومن المنتظر أن يتواصل الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي من 35% إلى 45% هذا العام، حسب تقديرات البنك الدولي.

وإذا استطاعت أوكرانيا المقاومة والصمود فذلك بفضل دعم حلفائها. وصرح إفغيني دوغوبريس، الاقتصادي الذي عمل في البنك الوطني الأوكراني “لدينا عجز في الميزانية يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار شهريا بسبب تراجع عائدات الضرائب وزيادة الإنفاق”.

 

 

وتلقت أوكرانيا مساعدة مالية مباشرة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، مما يسمح لها الوقت الحالي بتغطية نفقاتها.

كما دعت الدولة مواطنيها بالخارج إلى دعمها عبر منصة للتمويل الجماعي، ويلعب هذا الشتات دورا مهما، وقد ضمن بالفعل، قبل الحرب، تدفقات من العملات الأجنبية تعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

وبفضل هذا الدعم، ظلت الهاريفا (العملة الوطنية) مستقرة، ويكفي احتياطي النقد الأجنبي للبنك الوطني لتغطية أكثر من 4 أشهر من الواردات.

وللحفاظ على هذا الاستقرار، حدت الدولة من تدفقات رأس المال إلى الخارج من خلال فرض ضوابط على الواردات، ومنع الشركات من دفع أرباح لشركاتها الأم في الخارج.

 

وأمس الخميس، وافقت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى على تقديم 18.4 مليار دولار لأوكرانيا للوفاء بالتزاماتها في دعم قال عنه رئيس الوزراء دينيس شميهال إنه سيسرع وتيرة انتصار بلاده على روسيا، وهو أمر بذات أهمية “الأسلحة التي تقدمونها”.

ومن جانبها قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للصحفيين باجتماع وزراء مالية مجموعة السبع في ألمانيا “الرسالة مفادها أننا نقف خلف أوكرانيا. سنجمع معا الموارد التي يحتاجونها ليتمكنوا من تخطي ذلك”.

وكتب شميهال في وقت سابق أمس على تويتر “مساندة الشركاء ستسرع وتيرة انتصارنا.. رغم جهود روسيا لتدمير اقتصادنا.. معا سننتصر”.

تعويض أضرار الحرب

مع استمرار الحرب، لا يتردد الرئيس فولوديمير زيلينسكي في توقع ما سيحدث لاحقا، لقد وعد مواطنيه بإعادة إعمار كل ما تم تدميره، وهو يدعو بالفعل إلى دفع تعويضات الحرب إلى أوكرانيا من قبل روسيا وفقا للنموذج الذي ساد بعد غزو العراق للكويت عام 1990.

 

في الواقع، قد يكون هذا الأمر معقدا، فقد حصلت الكويت على ما يعادل 49 مليار يورو من العراق بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي. في المقابل، لروسيا حق النقض في هذا المنتدى الرئيسي للأمم المتحدة مما يقلل من فرص أوكرانيا في الفوز بقضيتها باستخدام نفس الآلية.

المصدر : رويترز + لاكروا

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *