من القدس وعنها.. الخياط والكاتب عيسى القواسمي يصدر روايته “حبيبان”
القدس المحتلة- “كل أسئلة الروح والقلب لن يجيب عنها سوى مدينة واحدة.. هي القدس” بهذه الكلمات استهل الروائي والخياط المقدسي عيسى القواسمي مقدمة كتابه الجديد “حبيبان” محاولا نقل تجاربه الواقعية والخيالية والروحانية، وإثارة فضول القراء لزيارة معالم العاصمة المقدسة ومعرفة الرواية الأصيلة الصحيحة عنها.
في مخيطته استقبل الجزيرة نت للحديث عن الأسباب التي دفعته لإصدار كتابه الجديد، فقال إنه ارتأى ضرورة توثيق قصص البشر والمعالم والآثار في القدس بأسلوب نثري سلس وتدعيمها بصور للأمكنة ليتجسد المشهد كاملا أمام القراء خاصة الذين يعشقون هذه المدينة ولا يمكنهم زيارتها.
“الكتاب خارج القدس يكتبون عنها بالتخيل أما أنا فمارست واقعيتي ومعايشتي لتفاصيل هذه المدينة ونقلت صورة دقيقة للحياة والأحداث فيها، وأضفت في بعض النصوص لمسة خيالية تارة وروحانية تارة أخرى”.
في 59 نصا عرج القواسمي على مراحل حياته كلها بدءا من طفولته التي كتب عنها، قائلا “كلما كانت أمي تبحث عني في طفولتي السريعة تجدني جالسا فوق بلاطة المصطبة المملوكية لشباك بيتنا الصغير الذي كان يطل على قبتي المسجد الأقصى (القبلي والذهبية) قبل أن تغتال شرفته حرب خطفت حكايتها مع الشمس.. حين هدم حي المغاربة عام 1967، هدم بيت أبي وصار ساحة للغرباء وخريطة للذاكرة المهجرة”.
ويتابع القواسمي أنه كبر وهو يحب الاختلاء بذات المكان، في فسحة ذاك الشباك العتيق حيث المساحة مفتوحة على الأسئلة والوجود “شباك يرتمي أمام قداسة المكان”.
من خلال جولاته اليومية في البلدة العتيقة ومحيطها، انسابت المعلومات والقصص التي يحرص على نشرها عبر صفحته على موقع فيسبوك، وكثيرون انسجموا مع القصص وطلبوا منه طريقة للوصول للأمكنة، ولم يتردد القواسمي في العودة مرة أخرى لإرسال الموقع للمتابعين عبر هاتفه ليتمكنوا من سبر أغوار المعالم.
“أجمع المعلومات من خلال زياراتي الميدانية وأروي قصتي وانطباعاتي عنها بعد الاستماع لعدة روايات شفوية، والاستناد لكتب تاريخ قديمة أثق بمعلوماتها الدقيقة عن القدس”.
في قلبي وطن كئيب.. في صدري احتلال
“لابد أن أفسر حقيقة مؤكدة، وهي أن القدس لا يمكن أن تفسر بالكتابة وحدها، إنما بالمعايشة والانتماء حتما، وكل من اختبر هذا الشعور لابد أن يفيض بها عشقا.. عشقا حد التعب والجنون وأكثر”.
وتابع “لكل شيء في الحياة وقت إلا هذه المدينة المقدسة، كنت قد منحتها كل الحب وكل الوقت وعشت فيها ومعها كل أسئلة العمر.. هنا تتكشف أسرار النور فوق قبابها وفي عتق أجراس كنائسها، لأن الحقيقة هنا في القدس لا توهب لعابد أو لناسك أو لعابر سبيل.. لكنها تدرك وحدها بعمق وتأمل وحكمة الأنبياء الذين حفظت القدس وجوههم كما حفظوا قلبها”.
الحرب
في كل نص من نصوص “حبيبان” وثق القواسمي بأسلوب نثري ملامح القدس الظاهرة وخفاياها، وتوزعت قصص المقدسيين وكلماتهم وأسلوب حياتهم على 167 صفحة ضمها الكتاب، مؤكدا ضرورة توثيق ملامح المدينة الحالية بالصورة والنص، والأخرى التي اندثرت على لسان أهل المدينة لأن الفضاء العام يهود بشكل يومي ولا بد من نشر الحقيقة باستمرار، في أحد هذه النصوص يتساءل “متى تبدأ الحرب؟”.
“يجيب شاب نحيف غاضب متعب من ضجر القلب: حين يصادر الجنود قهوتي أمام باب العامود، وأطارد داخل السور من زقاق إلى زقاق، وفي آخر الليل يأخذونني دون أسباب”.
“تطل سيدة قروية يكاد ثوبها المطرز يضيء سماء القدس فتقول: عندما أنسى عادات أمي وأبي أشعر بالحرب وأفقد حاسة النهار ورزقي.. أهرب من الحواجز العسكرية أبتعد وكأني أناور المستحيل”.
“تركض نحونا صحفية على عجالة تكمل ما تبقى من كلام: الحرب تبدأ حين يغطي علم غريب مساحة الكاميرا أمامي.. ونشتم على مرأى من الكون والأصدقاء”.
“تحدثني نفسي الآن: الحرب تبدأ ولا تنتهي فينا حين نفقد شهية البكاء على قبور الشهداء ويصير ليل المدينة كنهارها عزاء في عزاء”.
ولـ “حوش الشاي” في البلدة القديمة الذي ولد به القواسمي عام 1962 نصيب من النصوص والذكريات، كما أن لصوره ولوحات شقيقه الرسام شهاب -التي تناثرت وانسجمت مع حكايا الكتاب- أهمية خاصة، فتشمخ المعالم المهيبة فيها، وتطبب الورود والأشجار بداخلها جروح عيسى والقراء الغائرة التي لن تندمل سوى بتحرر المدينة.