لغة المهمّشين وتكسير النظام.. ناقد عراقي يعالج مسارات التجديد في الشعرية العربية
صدر للناقد والأكاديمي العراقي الدكتور جاسم محمد جسّام كتابه النقدي الجديد الذي حمل عنوان “مداولات الخرائط والظل” والذي حاول فيه إيجاد معالجات لمسارات التجديد في الشعر العربي الحديث، من خلال تناول الشعرية العربية في عدد من البلدان كالعراق ومصر والإمارات والكويت والبحرين وكذلك لبنان وتونس والمغرب والجزائر.
يتتبع الكتاب الأنساق والمسارات التي ظهرت في الشعرية العربية الحديثة، وقد لاقى الكثير من المناقشات والأسئلة لما يحتويه من رأي جديد في تجربة الشعر العربي بشكله التجديدي، فما الذي يحتويه الكتاب وما الخاصية الجديدة التي عمل عليها المؤلف؟
لغة المهمّشين الشعرية
يقول جسام عن كتابه الجديد إنه “يمثل نقطة تحوّل في النقدية العربية كونه يعالج خاصية مهمة في الشعر وهي خاصية التجديد” ويفسر هذه الخاصية بقوله إنها “تشير إلى تحوّلات حاصلة على مستوى اللغة، حيث انتقلت اللغة في الشعر الحديث من النظام اللغوي البسيط إلى النظام اللغوي المنكسر أو ما يسمى بتكسير اللغة والذي نجده واضحا في نصوص شعراء من العراق والإمارات ومصر وسوريا والبحرين ولبنان وتونس والمغرب”.
وعن مفهوم التكسير الذي توصل إليه والمرتبط بدليل العنوان أنها “تعني الانتقال باللغة من اللغة القاموسية أو المعجمية إلى تحويل اللغة اليومية إلى لغة شعر”، ويزيد بالتفسير “إنها تعني تحطيم أو تكسير اللغة القاموسية لغة المعجم الشعري واستعمال لغة الحانة والرصيف والشارع وتحويلها إلى لغة شعر، وهو ما يعني الانتقال من سماء اللغة الروحانية إلى لغة المهمشين والمغلوبين”.
وعن معالجات الكتاب الأخرى يقول إنه يعالج “مسار الكشف المعرفي والفلسفي في النصّ الشعري”، وهو “اشتغال جديد من خلال الدخول إلى منطقة جديدة ليكشف أوضاع النص الشعري ومنح الفلسفة قدرة عالية على الكشف”، معتبرا التطبيق الذي جرى على نصوص الشعراء العرب هو المكان الذي جرى فيه “تطبيق خاصة التحول في اللغة وتكسيرها شعريا”.
ويرى المؤلف أن النصوص التي تناولها تمثل الأنموذج الذي توصّل إليه في “التجديد الذي يشع في كل عناصره الشكلية والموضوعية والدلالية عبر تابع مسارات التجديد في هذا الشعر”.
مفهوم التجديد
الكتاب الذي قسّم إلى 4 فصول، في الأول تناول الأنساق اللغوية وفي الثاني الأشكال والمفاهيم، أما الفصل الثالث فتناول الكشوفات المعرفية والفلسفية في القصيدة الحديثة، في حين تناول الرابع الظواهر الأسلوبية التجديدية في القصيدة.
ويقول الناقد العراقي علي حسن الفواز إن الكتاب يضعنا “أمام إشكالية نقدية تُعنى بمسارات التجديد، عبر ما تتقصّاه من تمثيلات لهذا التجديد في القصيدة العربية، والتي لا تنفصل عن علاقتها بالتجريب، وبالإجرائية التي تؤسّس مشروعها عبر توظيفها للمناهج الحديثة”.
ويتابع الفواز بأن الخطاب النقدي بات أكثر حاجة لعلمية تلك المناهج “في ترسيم فواعل النقد وأسئلته، وفي الكشف عن علاقة تلك الفواعل بالدرس النظري، وبأطروحاته النقدية”.
ويشير الفواز إلى أن ما يميّز الكتاب هو “الاشتغال على مفهوم التجديد بوصفه وعيا نقديا، وإجراء يتطلب تأصيلا نظريا”، وهو ما يعني أن يكون على “نحوٍ تكون فيه مسارات التجديد مشبوكة بما يمكن تسميته بـ”القراءة العمدة” تلك التي اقترحها الناقد الفرنسي مايكل ريفاتير، والتي تجعل الناقد/ القارئ المتعالي أكثر حيازة لوعي المنهج والنظرية”.
ويشير إلى أن المؤلف بيّن قدرته من خلال “تأشير تلك الخرائط الشعرية، عبر مقاربة تحولاتها الجديدة، وعبر اختيار نماذج شعرية، ومن أجيال متعددة، التقت عند إستراتيجية الناقد وهو يؤطر مشروعه النقدي بفاعلية التجديد” ويعتقد أن الكتاب “تجاوز النمطية، والانفتاح على أفق شعري عربي” يستجيب لأسئلة الوجود، والمتغيرات الثقافية التي يمكن أن “تجعل من القصيدة مؤشرا على إعادة توصيف “ديوان العرب” وفق رؤية تتقوض فيها ذاكرة الشعراء الموتى”.
سعي ومكاشفة
ويرى الناقد والأكاديمي الدكتور علي حداد أن الكتاب سعى “إلى استجلاء مؤسّسات تشكيل الرؤية الشعرية الجديدة عبر تفحّص متّسع لنصوص شعرية عايش فيها تقصيًّا دؤوبا ومتابعة جادة لعشرات المجموعات الشعرية ومن بلدان عربية متعددة”، مشيرا لكون الكتاب ركّز على قصيدة النثر “في مكاشفة للأنساق الأسلوبية والفاعلية اللغوية التي احتكمت إليها، ومكونات الرؤى في أبعادها الفلسفية والاجتماعية التي شغلت وعي الشاعر المعاصر واستنطقها في نصه”.
ويرى أن ما يحسب للكتاب النقدي هو أن “مؤلفه باحث أكاديمي استوعبت دراساته أدوات البحث المنهجي الرصين تلك التي واءم بينها واستعادته المنفتحة على آليات الدرس النقدي الحديث ومستجدات تنظيراته التي جعلها وسيلته في استنطاق النصوص وتأمل أعماق بوحها” وزاد بأن الكتاب يريد إعادة التشكيل السياقي والجمالي المخبر عن مشهدية جديدة لمسارات الشعرية العربية.. تعيد إنتاجها في تشكيل شعري يتسع لأشكال تعبيرية متجاورة”.
والدكتور جاسم محمد جسام حاصل على الدكتوراه في النقد الأدبي عام 2010م وعضو الاتحاد العام للأدباء والكُتاب في العراق، شغل منصب رئيس رابطة النقاد ورئيس لجنة القبول في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، أصدر 3 كتب نقدية (كلام العصور مقالات ودراسات في بنية القصيدة الحديث) عام 2009 و(مسارات في النقد الأدبي الحديث من التأسيس إلى التجريب) عام 2013 و(تقنيات الرواية العراقية الحديثة) عام 2017.