الحكايات الخرافية منذ الأزمنة القديمة، فالإنسان يتعلق بالقليل من السحر في حياته الحقيقية أو المتخيلة.

 

ومع ذلك، فأدب الفانتازيا يدور حول الإنسان والبشر، ويتعامل مع المأساة والألم والتضحية والروابط والمشاعر والرومانسية، ولهذا فهو قريب أيضا من حياة البشر رغم المسافة الفاصلة بين الواقع والخيال.

وإذ يقبل كثير من القراء اليافعين وحتى الأطفال على قراءة أدب الفانتازيا فإنهم يغذون شعورهم بالدهشة، وأصبح أطفال اليوم أكثر حاجة لهذا الشعور بالسحر كرد فعل القفزات التكنولوجية والرقمية الهائلة التي فسرت الكثير مما كان يصعب تفسيره سابقا أو “نزعت السحر عن العالم” كما يقتبس عالم الاجتماع الألماني ماكس فايبر عن مواطنه الشاعر فريدريش شيلر في إشارة لطبيعة مجتمع الحداثة “المعلمن” و”المعقلن”.

 

ويقدم الخيال الأدبي للأطفال فرصة الاستكشاف الآمن للعالم الكبير والواسع والخطير أحيانا، وينمي العقل البشري في سنواته الأولى لسد الفجوات بين المعرفة والواقع والخبرة، ومع ذلك يحذر باحثون من خطورة الإفراط في استهلاك الفانتازيا.

غلبة الخيال على الواقع

حاول الباحث الفرنسي جان ماري أن يتقصى دواعي الشغف بسلسلة هاري بوتر فكتب لصحيفة لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، محللا الأسباب الخفية التي تجعل الإنسان يؤمن بالحكايات الخيالية وينجذب إليها انجذابا قويا قد ينسيه في بعض الأحيان الارتباط بالحياة الواقعية.

 

يقول الكاتب -وهو أيضا مدير الدراسات بالمدرسة العليا للدراسات الاجتماعية- إن هذا الشغف بهاري بوتر يذكره بما كان عليه الأمر أيام الفيلسوف الإغريقي أفلاطون حين كان كتاب ذلك العهد من أمثال مايسكيلوس وسفوكليسن وأرستوفانيس يسحرون الجماهير بمسرحياتهم وحكاياتهم الخيالية.

وفسر هذا التعلق المفرط بالمشاهد السينمائية بتشبث الإنسان منذ القدم بقصص الخيال، مشيرا إلى أنه يعكس ميلا إنسانيا فطريا إلى الخيال والهروب من الحقيقة، ولكنه في نفس الوقت أكد أن المجتمع الذي يحتل فيه الخيال مكان العقل يعيش حالة خطرة.

ورأى الكاتب أن تقديم هذه القصص الخيالية للمشاهد بطريقة تجعله يعتقد أنها حقيقة هو موطن الخطر بالتحديد، مشيرا إلى أننا اعتدنا على الإيمان بالقصص الخيالية منذ الصغر، حتى إننا عندما نتابع فيلما سينمائيا قد ينسينا ذلك تذكر وقت العشاء، تماما مثل إدمان البعض ألعاب الفيديو والغوص بالعوالم الافتراضية مبتعدا عن عالم الحقيقة الذي تحل محله أشباح في زي صور على الشاشة أو على صفحات كتاب يروي قصة خيالية.

Copies of the book of the play of Harry Potter and the Cursed Child parts One and Two are displayed at a bookstore in London, Britain July 31, 2016. REUTERS/Neil Hall
روايات سلسلة هاري بوتر بيعت منها عشرات ملايين النسخ حول العالم وترجمت للعديد من اللغات (رويترز)

ويقول أيضا إن هذا الميل الساذج إلى الإيمان بالقصص الخيالية يلتصق بالشخص منذ الصغر، وهو نابع -حسب أفلاطون والكاتب جان جاك روسو- من حكايات الجدات لأطفالهن الصغار.

 

أما اليوم -حسب الباحث- فقد حلت السينما والتلفاز مكان الجدات وجعلا أطفالنا ميالين إلى الخيال، مما أفقدهم الارتباط بالحقيقة والواقع. إلا أن هذا وحده لا يكفي لتفسير تعلق الأطفال بالخيال، إذا لم يصحبه استعداد فطري لتقبل القصص الخيالية، مما قد يمكن جانب الخيال من أن يطغى على حياة الإنسان حتى يصعب عليه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد سراب.

إن أفلاطون -بطرده المقلدين من المدينة الفاضلة- يشير إلى ضرورة الابتعاد عن التقليد والمحاكاة لتحاشي الوقوع في هذا الخيال، كما ينصح روسو -عن طريق أميل (شخصيته التي صنعها وأودعها أفكاره)- بالابتعاد عن الكتب وكل ما من شأنه أن يشجع الخيال لدى الأطفال.

ويقول الكاتب إن الإيمان بالخيال يرجع إلى أنه مجموعة من التشكلات والتمثلات التي هي آلة لإنتاج المعتقدات، خاصة أن إدراك الشيء فرع عن تصوره، ومن هنا يميل الإنسان إلى تحويل الأشياء التي يتم إخباره بها تلقائيا إلى معتقد.

المصدر : الجزيرة + رويترز

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *