أثار تقرير دولي بشأن عدد الأثرياء بمصر جدلا مجتمعيا في ظل معاناة اقتصادية يعيشها ملايين المواطنين، وتساؤلات حول مدى اتساع الفجوة الطبقية في بلد يزيد تعداد سكانه عن 100 مليون شخص.

نحو 17 ألف مصري يمتلكون أكثر من مليون دولار، هذا ما أكده تقرير صادر عن مؤسسة “هينلي أند بارتنرز” حول الثروات في أفريقيا لعام 2022.

 

واحتلت مصر المركز الثاني كأغنى دولة في القارة السمراء من حيث ثروة الأفراد بمبلغ 307 مليارات دولار، بفارق يزيد الضعف على الدولة الأغنى، وهي جنوب أفريقيا التي يبلغ حجم الثروات بها 651 مليار دولار.

وحسب التقرير -الذي صدر الأسبوع الماضي- يبلغ عدد المصريين الذين يمتلكون أكثر من 10 ملايين دولار 880 شخصا، في حين لا يزيد عدد من يملكون أكثر من 100 مليون دولار على 57 شخصا.

 

أما من تقدر ثرواتهم بأكثر من مليار دولار فعددهم 7 أشخاص من إجمالي 21 ملياردير في القارة، وبذلك تضم مصر أكبر عدد من المليارديرات في أفريقيا.

في المقابل، تبلغ معدلات الفقر في مصر 29.7%، وفق آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.

القاهرة الأغنى

تعد العاصمة المصرية ثالث أغنى مدينة في أفريقيا من حيث الثروات الخاصة، التي تصل إلى 128 مليار دولار، بنسبة 42% من إجمالي الثروة الخاصة في البلاد، حسب تقرير هينلي أند بارتنرز.

ويعيش بالقاهرة 8200 شخص من أصحاب الملايين، إلى جانب 4 مليارديرات.

 

وجاءت الإسكندرية في المركز 13 ضمن أغنى المدن في أفريقيا، إذ يوجد بها 23 مليار دولار من الثروات الخاصة، ويعيشها بها 1700 من أصحاب الملايين.

ووفق التقرير الدولي، تقلصت الثروات الخاصة في أفريقيا منذ عام 2011 بنسبة 7%، وتراجعت ثروة الأفراد بمصر وحدها بنسبة 23% على مدار العقد الماضي.

وتُظهر تقارير لمؤسسات مالية أخرى تراجع حجم الثروات في مصر، فأوضح تقرير صادر عن بنك “أفراسيا” أن مجموع الثروات الخاصة في مصر بلغ 330 مليار دولار خلال عام 2017.

وفي عام 2019، أكد تقرير مؤسسة “نايت فرانك” للاستشارات العقارية وجود 764 شخصا فاحش الثراء في مصر، حيث يمتلك كل منهم أصولا تزيد قيمتها على 30 مليون دولار.

صورة1 القاهرة ثالث أغنى مدينة في أفريقيا- تصوير المراسل
القاهرة تعد ثالث أغنى مدينة في أفريقيا (الجزيرة)

تشكيك حكومي

يبدو أن الأرقام المعلنة مؤخرا حول الأثرياء أثارت حفيظة السلطات المصرية، إذ نقلت جريدة الوطن عن مصادر حكومية تشكيكا في المعلومات التي قدمها تقرير الثروات الخاصة للأفراد.

 

وأكد المصدر الحكومي -الذي لم تكشف الوطن عن هويته- صعوبة تقديم حصر لما يملكه الأفراد من ثروات في ظل تعدد أوجهها وأشكالها بين الأموال في البنوك أو الأصول العقارية أو الاستثمارات أو الأراضي.

ولفت إلى أن الجهات المنوط بها مباشرة تلك الأصول والاستثمارات -ومنها البنوك- لا تفصح عن حسابات الأفراد وتبقى تلك المعطيات سرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تقرير “هينلي أند بارتنرز” لم يقدم الآلية الحسابية التي اعتمد عليها لحساب الثروات أو الجهة الرسمية مصدر المعلومات.

 

ودللت على عدم مصداقية المعلومات الواردة حول ثروات المصريين الخاصة بقوائم مجلة “فوربس” (forbes) عن أثرياء العالم التي لا تعير أي اهتمام بالمملكة العربية السعودية، وهي أكبر دولة نفطية في العالم العربي حيث تخلو من أي ثري سعودي.

ومنذ عام 2018، تستبعد فوربس الأثرياء السعوديين من قوائمها، نظرا لعدم توافر المعلومات بشأنهم، حسب ما أعلنته المجلة الأميركية في وقت سابق.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلنت فوربس قائمة أغنياء العرب لعام 2022، وتضمنت 6 مصريين، وتصدر القائمة رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس بإجمالي ثروة 7.7 مليارات دولار.

 

الدور المجتمعي

من جانبه، تقدم عضو مجلس النواب محمد الصمودي بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي بشأن الثروات الخاصة بالمصريين.

 

وتساءل النائب البرلماني عن الدور المجتمعي لرجال الأعمال في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها مصر والناجمة عن تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، حسب رأيه.

وشدد على حتمية تكاتف الأثرياء للقيام بدورهم المجتمعي تجاه الفئات الأكثر احتياجا خلال الفترة المقبلة.

وقال الصمودي -في تصريح تلفزيوني- إن ثروة الأفراد تمثل 5.5 تريليونات جنيه، في حين أن مخصصات الدعم للحماية المالية والاجتماعية داخل الموازنة العامة للدولة لا تزيد على 8 مليارات جنيه، أي أنها تمثل نحو 0.2% من الاقتصاد الخاص.

وفي الإطار نفسه، قالت أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة شيرين الشواربي إن أصحاب الثروات والمنتمين للطبقة الوسطى عليهم دور حيال المجتمع.

 

وأضافت أن مفهوم العدالة الاجتماعية بحاجة الي رؤية جديدة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، مؤكدة ضرورة تطبيق الضرائب التصاعدية بحيث لا تتساوى النسبة التي يدفعها أغنى رجل في البلاد مع مواطن ثروته مليون أو حتى 10 ملايين جنيه.

ودعت -في تصريح صحفي- إلى إقرار فئة ضريبية جديدة على أصحاب الثروات الأضخم، وبالتوازي دعم أصحاب الصناعات المحلية التي توفر فرص عمل وعملة صعبة.

وبالنسبة لحجم الثروات الخاصة فرأت أستاذة الاقتصاد أن 17 ألف مليونير ليس رقما كبيرا مقارنة بعدد سكان مصر.

توزيع الثروة

على الجانب الآخر، لا تعد الأرقام المعلنة حول الثروات الخاصة بمصر أمرا مفاجئا بالنسبة لأستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة هشام إبراهيم، إذ رأى أن الاقتصاد المصري يتمتع بفرص استثمارية كبيرة تدفع نحو مزيد من الربحية.

 

وعدّد إبراهيم أسباب تضخم ثروات آلاف المصريين، ومنها تزايد سعر الدولار أمام الجنيه، وهو ما يعد ميزة لمن يتحصلون على إيرادات بالعملة الصعبة، وانتشار ما يسمى المشاريع التجارية العائلية، حيث يساعد أفراد العائلة الواحدة بعضهم البعض في الاستثمار والربح.

وضمت قائمة فوربس لأغنياء العرب أفرادا من عائلة مصرية واحدة، وهم الإخوة محمد ويوسف وياسين منصور، والشقيقان ناصف ونجيب ساويرس.

كذلك ساعد التضخم في ازدياد ثروات الأفراد، إذ ارتفعت أسعار الأراضي والعقارات التي يمتلكونها، من وجهة نظر أستاذ التمويل والاستثمار.

وارتفعت معدلات التضخم السنوي في مصر ليسجل 14.9% خلال أبريل/نيسان الماضي، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

 

وبالنسبة لمدى عدالة توزيع الثروة في مصر، رأى هشام إبراهيم -في تصريحاته للجزيرة- أن ثمة خللا وعيوبا في هيكل توزيع الدخل القومي بين المواطنين.

وأوضح أن السياسات الرأسمالية بشكل عام تزيد اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وهو ما ينطبق على دول عدة من بينها مصر، مؤكدا ضرورة العمل على رفع كفاءة توزيع الدخول مع مراعاة تمييز من يبذل جهدا أكبر ويمتلك قدرات ابتكارية أعلى حيث تكون له فرص استثمارية أكبر، وبالتالي يتوفر له مزيد من الدخل.

ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أن عدد الأثرياء في مصر قليل جدا مقارنة بإجمالي عدد السكان في ضوء الأرقام المعلنة مؤخرا من جانب هينلي أند بارتنرز.

وأشار -في تصريح للجزيرة نت- إلى تراجع العدالة الاجتماعية في مصر، وهو ما يدفع إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات الضريبية ومتابعة دخول المواطنين.

 

وقال شاهين إن الطبقات الدنيا هي الأشد معاناة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، كما تدنى مستوى الطبقة الوسطى.

وبالنسبة للدور المجتمعي للأغنياء، رأى أستاذ الاقتصاد أن البيئة القانونية والسياسية لا تساعد على أداء دور مجتمعي من قبل القادرين، لافتا إلى التضييق الأمني والمؤسسي على الجمعيات الخيرية والمساجد.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *