حقق المسلسل الكندي “أمهات عاملات” (Workin’ Moms) رواجا كبيرا منذ عرض موسمه الأول قبل سنوات، ثم استمرت نجاحاته المتتالية بأرقام مشاهدات العرض والاحتفاء النقدي الأميركي وغيره، حتى طُرحت حلقات موسمه السادس قبل أيام على شاشات “نتفليكس” (Netflix) التي اكتفت بفكرته الأصيلة من دون التغيير فيها، مثلما يعرف عن فريقها الداخلي.
تفاصيل خاصة
نشاهد “كيت فوستر” -الشخصية التي تلعب دورها الفنانة كاثرين ريتمان- بطلة وحيدة للمواسم الستة وهي تطرح سردية معاناة المرأة الاجتماعية في المنزل والعمل على حدٍ سواء، “سكتشات” متفرقة لا يجمعها سوى معاناة عدد من النساء العاملات الذين يسعين لعدم ترك عملهن بالرغم من صعوبة التوفيق بينه وبين تربية أطفالهن، بتفاصيل أنثوية تجعله عملا مختلفا جيدا، لكنه ربما متحامل نوعًا ما على الرجل عمومًا.
كاثرين ريتمان البطلة الوحيدة كما أنها الكاتبة والمخرجة للعمل، مما يجعله يبدو قادما من رحم تجربة شخصية تمامًا لسيدة عانت ما كتبته بنفسها، وسعت لتقديمه هذه المعاناة في شكل تجربة شاملة في قالب “سيت كوم” خفيف ساخر.
شخصية كيت فوستر -بطلة العمل الوحيدة- هي سيدة نشاهدها في الموسم الأول تمارس الأمومة للمرة الأولى في حياتها بخلاف صديقاتها، وتجد معاناة شديدة في تحقيق التوازن بين ذلك وبين عملها الذي يتطلب الأشياء ذاتها مثل رعاية طفلها؛ فكلاهما يريد منها التركيز الشديد والتفرغ النسبي والاستعداد اللحظي لحدوث أشياء غير متوقعة بالمرة.
صراع الحب والفوضى
تمامًا كطفلها، نشاهد السيدة كيت في صراع مع مشاعرها المتأرجحة بين الفرح والفوضى والحب والحزن الشديد، يُزيد كل ذلك غليان عملها الضاغط في الوقت ذاته الذي لا يتحمل فيه زملاؤها الرجال في العمل أيًا من تلك المسؤوليات والمشاعر الإضافية، الأمر الذي تجده كيت يُحسب للنساء عمومًا من دون غيرهن من الآباء “الذين لا يشغلهم الأمر تمامًا”.
ثمة مشهد تأسيسي يظهر في الحلقة الأولى من الموسم الأول كما يظهر في الحلقة الأولى من الموسم السادس، ربما بالقدر ذاته من الوضوح، حول تخبط البطلة التي تحاول التوفيق بين عملها المنزلي وعملها الخارجي كونها وكيلة دعاية وإعلان في إحدى الشركات الكبيرة. المشهدان يقدمان البطلة في المطبخ مكانا للبطلة، حيث تحاول أن تجهز طعام الأسرة في حين تنجز على هاتفها مكالمة عمل مهمة، يتداخل هذا في ذاك من شدة التضارب وينتهي الأمر بإفساد الطبخة وتوتر المكالمة.
بالرغم من الطبقة فوق المتوسطة التي تعيش فيها كيت، والتي تجعلها تحتفظ بمساعدة فلبينية في المنزل، فإنها تحرص على إعداد الطعام لأسرتها بين الحين والآخر، ربما نوعًا من الغيرة العامة، كما يفطر قلبها أن تترك طفلها مع المساعدة؛ إذ فوجئت بأنه يستمع إلى أغنيات فلبينية وليست إنجليزية بسبب تغيبها.
المعادلة المستحيلة
معادلة الحفاظ على كل شيء عمليًا كما هو قبل أن يأتي الطفل الصغير للعالم هي المعضلة التي تشغل كل أمهات المسلسل، كيف يمكن أن تستمر حياتنا كالرجال تمامًا بعد أن نلد أطفالنا للعالم؟ هو تساؤل تتحرك من أجله النساء اللواتي يزعجهن البقاء في المنزل من دون عمل، وربما يحركهن أيضًا لمساحات أكثر أنانية وإنسانية ستظهر على مدار الحلقات.
أي أن أفكار المسلسل تتنازل تباعًا عن فكرة تقديم الأمومة في العموم، بالرغم من كونه يقدم إليها محبة خالصة لهذا العبء الهائل الذي تتحمله أكثر من الرجل، لكنه يبقى في كل مرة ليترك تساؤلا أكثر أنانية بخصوص فكرة التنازل عن كل شيء؛ أو ماذا لو لم أنجب من الأساس؟
هل يصبح سعي الإنسان لنفسه شيئا أكثر جمالًا وحرية من وضعه البائس في أسْر الأمومة الموترة بمسئولياتها غير المنتهية؟ أم أن كل تلك المشاعر المختلطة تصبح بر النجاة لفتاة تريد أن تعيش حياة حقيقية بتفاصيل يصعب على غير المجرب معرفة مدى روعتها؟ بين التفكير في ما قبل الأمومة وبين تفاصيل صغيرة -كالتي تشعر بها سيدة تسمع أولى كلمات ابنها- تتأرجح مشاعرهن كما تتأرجح مشاعر المشاهد في المفاضلة بين العيش وحيدًا وإنجاب أطفال للعالم.
لا يبدو للرجال حضور قوي على مدار أجزاء المسلسل؛ فأغلب الشخصيات الرجالية التي ظهرت كانت معادلات تكميلية للعمل، مثل منافسها الوحيد في العمل، غير المتزوج، الذي لا يشغله شيء بخلاف الحصول على ترقية في العمل، كما يقدّم أغلب أزواج المسلسل بوصفهم طيبين أو غير مبالين بالعالم عمومًا، ولا يتحملون مسؤوليات جوهرية كالنساء.
على مدار المواسم، تفتر علاقة البطلة كيت بزوجها الأول وتنتقل من أسرتها إلى أسرة أخرى، لكنها تنجح في المحافظة على عملها، تذهب إلى بيت جديد، تضع طفلها الجميل لكنها تحافظ على عملها بصعوبة كبيرة، تدخل في علاقة جديدة مع رجل لديه أطفال من أم غيرها يسعين إلى “تطفيشها” (إصابتها بالسأم فتغادر)، تحاول صد كل تلك الألعاب الصبيانية في حين تحافظ تمامًا على عملها، لا يبدو أن المسلسل يبتعد عن فكرته الأصيلة: التوفيق بين حياة سيدة بعد الإنجاب من دون أن تفقد عملها أو سر نجاحها واستقلاليتها في الحياة المعاصرة.