جوني ديب.. 59 عاما من الإساءات والعلاقات السامة
ربما يعد عيد ميلاد جوني ديب اليوم هو الأسعد في حياته، فها هو بمعجزة قضائية استطاع محو الوصمة التي لوثت اسمه الشهور السابقة، والتي جعلت الكل ينبذه حتى شركات الإنتاج التي سحبت مشاريعها التي شارك فيها.
يكمل اليوم جوني ديب الـ59 من سنوات عمره، حياة يمتزج فيها العنف والفرح والنجاح والفشل بشكل لا يمكن فصم عراه بسهولة، أو التفرقة بين كل مرحلة وأخرى، فابن هوليود الذهبي عاش أياما عصيبة في طفولته هي ما قادته إلى هذا الاختيار الصعب بالاستمرار في زواج سام مثل علاقته بآمبر هيرد.
الأم المتنمرة
وُلد جوني ديب في التاسع من يونيو/حزيران 1963 في أونزبورو كنتاكي، وهو الأصغر من بين 4 أطفال لبيتي سو بالمر وجون كريستوفر ديب، عمل الأب مهندسا مدنيا والأم نادلة.
كُتب على العائلة حياة الرحالة، فقد تنقلت بشكل متكرر طوال طفولة ديب بسبب طبيعة والدته ذات النفسية المضطربة التي لا تستطيع البقاء في مكان واحد لمدة طويلة، لذلك كان دوما الطفل الجديد في المدرسة، الذي كلما بدأ التعرف على محيطه، تأخذه والدته لتلقيه في مدينة أخرى وتربطه بزملاء جدد.
انتقلت العائلة من كنتاكي إلى فلوريدا عندما كان جوني الصغير يبلغ من العمر 7 سنوات، وهناك عاشوا في نزل فقير لمدة عام تقريبًا قبل أن يجد جون ديب الأب وظيفة.
قال ديب لاحقا عن هذه الفترة إنه طوال تلك السنوات كانت الإساءة من والدته مستمرة ولا يمكن التنبؤ بها، ولم يسلم أحد في المنزل ولا حتى والده من يديها ولسانها الحاد، فقد كان العنف والاعتداء الجسدي أمرا ثابتا في حياتهم، وأصبحت العائلة مثل الجزر المنفصلة، كل فرد منها يحاول حماية نفسه من خطر قادم لا يعلم السبب فيه، ويتمنى لو وقع على أي شخص آخر حتى لو كان أخاه أو أباه.
كانت الاعتداءات تتضمن الضرب بأدوات موجعة مثل الأحذية ذات الكعب العائلي أو الهاتف، ولم يستطع أحد توقع ضربتها القادمة، لكن الاعتداءات الجسدية كان يسهل التعامل معها مقارنة بالإساءات النفسية التي ملأت المنزل.
كما صرح لاحقا، فإن الإساءة النفسية تكاد تكون أسوأ من الضرب، فالأخير مجرد ألم جسدي تتعلم كيف تتعامل معه، لكن الألم النفسي يترك ندوبا لا يمحيها الزمن، فكانت تهين أطفالها وتلقي عليهم تعليقات قاسية، بما فيها نداء أخت ديب كريستين باسم جدتها التي كانت الأم تكرهها وتحتقرها.
جوني نفسه وُلد بعيب خلقي في عدسة عينه اليسرى، نتج عنه ما يسمى “العين الكسولة”، وهو الأمر الذي تنمرت عليه أمه طوال الوقت، ناعتة إياه بألقاب مهينة ومؤلمة مثل “عين الديك” أو “ذو العين الواحدة”.
كسرت والدة جوني ديب في نفس ابنها القدرة على كف الأذى ومقاومة العنف، فأصبح الرضوخ للتنمر والألم مرادفا لحنان الأم، الأمر الذي يبرر استمراره في العلاقة المسيئة مع زوجته السابقة آمبر هيرد، التي مثلت صورة الأم بإيذائها الممتزج بالتلاعب النفسي.
فخ تكرار صورة الأب
منذ سن مبكرة، شاهد جوني ديب والدته وهي تنتقد والده نقدا لاذعا، والذي كان دائما “رجلا لطيفا” للغاية ولم يدخل في مواجهة لزوجته العنيفة، فلم يهاجمها سواء جسديا أو لفظيا كما كانت تفعل معه، وأقصى ما كان يفعله هو لكم الحائط بدلا من رد الإساءة.
كان ديب في الخامسة من عمره عندما تساءل لأول مرة كيف يظل والده هادئا هكذا في مواجهة إهانات والدته؟ ولماذا لم يتركها؟
في عام 1978، عندما كان جوني ديب في الـ15 من عمره، انهارت مقاومة الأب، وأدرك أنه لن يستطيع تحمل الإساءة أكثر من ذلك، فحزم حقائبه وترك الأسرة.
لم يودع الأب الهارب أولاده، ولم يعرف جوني بالأمر إلا عندما عادت الأم من العمل، واكتشفت فراغ خزانة الملابس، وعند مواجهته لوالده في مكان عمله في اليوم ذاته، قال الأب إنه لا يستطيع الاستمرار أكثر من ذلك، وإنه الآن رجل المنزل، ليلقي عليه أعباء عدة في جملة واحدة.
دخلت الأم في حالة اكتئاب عميق بعد مغادرة الأب أدت إلى محاولة انتحار فاشلة، بعدما أنقذها جوني المراهق وأخذها للمستشفى للتخلص من الحبوب المنومة التي تناولتها، خرجت بعد ذلك امراة أخرى أكثر حزنا من أي وقت آخر، ونقص وزنها كثيرا.
في نظر ديب كان هذا هو الأب المثالي، الذي يستمر في العلاقة المسيئة ولا يرد الإساءة أو يهجر أطفاله، وكانت هذه إجابته عند سؤاله لماذا ظللت في علاقة الزواج المؤذية مع آمبر هيرد، إنه لم ير والده يغادر إلا متأخرا للغاية، لذلك كرّر هذه الحلقة من الألم في حياته الشخصية، وكما رأى في هيرد تكرارا لصورة الأم، فقد كان هو نسخة أخرى من الأب المُعَنف.
كما كان ديب خائفا على آمبر هيرد من الاكتئاب أو محاولة الانتحار إذا غادر مثل والده، وهي مخاوف زادتها تصريحات هيرد خلال زواجها بأنها ستؤذي نفسها لو تركها، مما جعله حبيسا ليس فقط في علاقة زوجية مؤذية لكن في تكرار صورة العلاقة بين والديه حتى النهاية.
كانت وسيلة جوني ديب للنجاة من هذا الماضي الحزين هي الدخول في علاقة مشابهة، مع محاولة كسرها، فحفاظه على زواجه لأطول وقت ممكن اعتبره في ذلك الوقت الوسيلة المثلى لهزيمة ماضي والدته ووالده السيئ، كان يحلم بقدرته على علاج هيرد وجعلها شخصا أفضل من أمه، ويبقى في زواجه حتى النهاية، فينتصر على مأساة أسرته.
لا يمكن إنكار تأثيرات ظروف وأجواء عائلة جوني ديب وطفولته على حياته بعد ذلك، فقد كانت أهم الدوافع لإدمانه الخمر والمخدرات، وتهديد مسيرته المهنية مرات متعددة، ودخوله في علاقات مؤذية لكل أطرافها، فهل يفتح صفحة جديدة بعد حكم المحكمة لصالحه واستعادة صورته البهية في هوليود؟