سجل العراق مؤخرا تزايدا في التوجه نحو التعدد والزواج الثاني، وترافق ذلك مع زيادة في حالات الطلاق، في ظل أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية يعيشها البلد.

وسجلت مكاتب البحث الاجتماعي -وفقاً لبيانات رسمية- ما مجموعه 3801 حجة إذن بالزواج الثاني خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

 

وجاءت محافظة نينوى (شمالي العراق) بالمرتبة الأولى بواقع 339 حجة، والبصرة (جنوب) ثانيا بـ 222 حجة، في حين جاءت محافظة صلاح الدين ثالثا بـ 196 حجة.

وارتفعت حالات الزواج الثاني في عام 2020 بنسبة 31.7%، أما خلال العام الماضي فقد تراجع مستوى التعدد بنحو 29%.

الأسباب والشروط

ويرجع التوجه للزواج الثاني عادة إلى عقم الزوجة الأولى أو مرضها بداء مزمن، إلى جانب تحسن أوضاع الزوج وظروفه المعيشية.

ونظّم قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 مسألة تعدد الزوجات، ونص على عدم الزواج بأكثر من واحدة إلا بأذن من القاضي وتحقق شرطين لإعطاء الإذن بالزواج.

والشرط الأول أن تكون للزوج مقدرة مالية لإعالة أكثر من زوجة وتهيئة متطلبات المعيشة الضرورية، وأمّا الشرط الثاني فهو توفر المصلحة المشروعة.

لكنّ المشرع العراقي لم يوضح مفهوم “المصلحة المشروعة” بشكل مُفصل وأي الجوانب تشمل. إلا أن خبراء ومراقبين يرون أنه ينحصر في حالات إصابة الزوجة بمرض ما أو عدم قدرتها على الإنجاب وما شابه، وأي مصلحة يراها القاضي.

وتصل عقوبة من يعقد زواجا خارج المحكمة إلى الحبس لسنة أو فرض غرامة مالية، وفقا للقانون العراقي.

وكانت حكومة إقليم كردستان قد أوقفت في عام 2008 العمل بالفقرة (1) من المادة الثالثة من القانون رقم 188 لسنة 1959 المعدّل. واشترط التعديل موافقة الزوجة الأولى على إقدام زوجها بالزواج الثاني أمام المحكمة، وهو ما دفع بالبعض لعقد قرانه الثاني في محاكم المحافظات الأخرى خارج إدارة الإقليم.

واستثنى القانون الزواج من أرملة مع قيام الزوجية دون إذن من محكمة الأحوال الشخصية، حيث اعتبر المشرع أن الزواج من أرملة نوع من أنواع المصلحة المشروعة.

** للاستخدام الداخلي فقط **** حريزان شيخ دلير الجزيرة
ريزان شيخ دلير: ظاهرة زيادة الزواج الثاني في العراق ترجع إلى العقلية الذكورية المُهيمنة على المجتمع (الجزيرة نت)

خرق القوانين

تنتقد عضو لجنة المرأة والأسرة في الدورة السابقة لمجلس النواب العراقي ريزان شيخ دلير خرق القوانين في العراق، لا سيما فيما يتعلق بالأسرة والزواج. وتشير إلى أنه حتى بعض القيادات السياسية يكملون الزواج الثاني بعيدا عن القانون.

واعتبرت ريزان أن تزايد التوجه للزواج الثاني يؤكد هيمنة العقلية الذكورية على المجتمع، واستغلال الدين لتبرير ذلك، والتعامل مع الأمر وفق الرغبات دون التفكير بانعكاساته وآثاره، وفق تعبيرها.

ولفتت إلى أن من أسباب انتشار الزواج الثاني في العراق “وهب المرأة كهدية في النزاعات والصراعات العشائرية”، معتبرة أن مثل ذلك يرقى لمستوى الجريمة بحق المرأة وانتهاك لأبسط حقوق الإنسان.

واقترحت ريزان التركيز على توعية المجتمع وتشريع قوانين داخل البرلمان تدعم المساواة الاجتماعية، وتعديل القوانين التي تكرس العنف ضد المرأة، مع تأكيدها على دور الإعلام في معالجة هذه القضية.

الخبير الاقتصادي والاكاديمي الدكتور نوفل الشهوان الجزيرة
الشهوان يرى أن الزواج الثاني حالة شائعة اجتماعيا في العراق (الجزيرة نت)

الوضع المعيشي

ويرى البعض أن الرجل يقدم على الزواج مرة ثانية عند تحسّن وضعه المادي والمعيشي، إلا أن الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور نوفل الشهوان يرى أن هذه القضية تحكمها جوانب اجتماعية أكثر من الجانب الاقتصادي.

وأشار الشهوان للجزيرة نت إلى أن الجانب الاقتصادي يأتي بالمرتبة الثانية لتعزيز الزواج كحالة مُتجدّدة في حياة الرجل، معتبرا أن تحسن الوضع الاقتصادي يُساعد نسبيا على الزواج الثاني، تدعمه الرغبة والظروف الخاصة سواء للرجل أو المرأة.

التميمي أكد ضرورة ألا يتعارض أي تعديل في قانون الزواج مع التشريع الإسلامي (الجزيرة نت)

حل للأرامل والمطلقات

من جانبه، أكد الخبير والباحث القانوني على التميمي أن أي تعديل بقانون الزواج بأكثر من واحدة لا بد أن يكون متوافقا مع الشريعة الإسلامية، خاصة أن الدستور العراقي ينص على أن التشريعات يجب ألا تخالف الدين الإسلامي.

وأضاف التميمي في حديثه للجزيرة نت أن الزواج بأكثر من واحدة يُساعد إلى حد كبير في التقليل من نسبة الأرامل والمُطلقات في العراق، مع وجود قدرة للعديد من الرجال على فتح أكثر من بيت، معتبرا أن من شأن ذلك التقليل من ظاهرة الانتحار والجريمة والتسوّل التي باتت تنتشر في المجتمع.

الباحث النفسي يونس المرشد الجزيرة 3
المرشد حذر من توجه البعض لتزويج ابنته لمن يكبرهن كثيرا بالعمر مقابل تحقيق مكاسب مالية (الجزيرة نت)

العنف الأسري

وتعدّ ظاهرة العنف التي تطال المرأة واحدة من أسباب ارتفاع ظاهرة الزواج الثاني، إذ يضطر الكثير من الفتيات إلى القبول برجل متزوج هربا من العنف الاجتماعي أو النفسي الذي تتعرّض له داخل أسرتها، وذلك وفقا لمدرب التنمية الدولي والباحث النفسي يونس المرشد.

ويُشير المرشد في حديثه للجزيرة نت إلى ظاهرة يصفها بـ”الخطرة جدا” في بعض المناطق من البلاد، وهي تزويج المرأة برجل متزوج ويكبرها بسنوات عدة مقابل مبلغ من المال تسمى محليا بـ”السياك”، يحصل عليه ولي أمرها، سواء كان الأب أو الشقيق.

ولا يخفي المرشد أن الزواج الثاني يكون في بعض الأحيان أشبه بـ”الانهيار” يتهدد بيت الزوجة الأولى التي تشعر بأن كل تضحياتها راحت هباء.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *