يقدر خبراء في الاقتصاد أن تحصد تونس خسائر مالية واقتصادية كبيرة جراء الإضراب العام الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية مؤثرة في البلاد)، فيما قلل آخرون من تداعياته على الاقتصاد الذي ما زال يملك قوة صمود إيجابية، وفق تعبيرهم.
وأعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في خطاب ألقاه اليوم الخميس أمام مقر الاتحاد بوسط العاصمة تونس عن نجاح الإضراب العام الذي شارك فيه مئات الآلاف من العمال والموظفين في 159 مؤسسة عمومية بنسبة تناهز 97% رغم محاولات التشويش والتشويه ضد الاتحاد، بحسب تعبيره.
ولم تتوصل الحكومة الحالية -التي تقودها نجلاء بودن- خلال جلسات تفاوضية سابقة إلى اتفاق مع اتحاد الشغل الذي يتمتع بنفوذ كبيرة في القطاع العام، ولم يجد الاتحاد بسبب تعطل المفاوضات سوى إقرار الإضراب العام نتيجة عدم الاتفاق على الشروع في مفاوضات رفع الأجور لسنوات 2021 و2022 و2023.
ماهي تكلفة الإضراب العام؟
واستفاقت تونس اليوم الخميس على وقع شلل تام ضرب مختلف القطاعات الحيوية من مطارات وموانئ ووسائل نقل عامة ومؤسسات حساسة تقوم بإسداء خدمات مباشرة للتونسيين، مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز وشركة الاتصالات والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه وغيرها من المرافق العامة.
وحول تقديراته لتكلفة الخسائر يقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إنه يمكن تحديد قيمة ما حصدته تونس من خسائر بقسمة الناتج المحلي الإجمالي للدولة والمقدر بنحو 125 مليار دينار (40.7 مليار دولار) على 365 يوما، لتكون التقديرات الأولية للخسائر في حدود 351 مليون دينار (114 مليون دولار).
أبرز القطاعات المتضررة
ويعتبر قطاع النقل أكبر القطاعات المتضررة جراء الإضراب العام الذي شله عن الحركة، سواء على مستوى حركة الملاحة الجوية أو البحرية أو النقل البري، بحسب الشكندالي الذي يقول إن الإضراب تسبب في تعطيل نقل العمال إلى مواقع عملهم وتأمين الرحلات عبر المطارات والموانئ وتأمين صادرات السلع وغيرها.
ولن يكون هذا آخر النفق بحسب الخبير الاقتصادي، فالإضراب العام سيتسبب في تراجع مداخيل الدولة من الضرائب جراء تعطل استخلاص الأداءات، مما سيزيد مصاعب تأمين الموارد المالية اللازمة لتأمين تسديد أجور الموظفين والمتقاعدين خلال الأيام القليلة المقبلة من يونيو/حزيران الجاري، بحسب الشكندالي.
وتواجه الدولة في ظل المصاعب التي توجهها المالية العمومية تحديات كبرى، خاصة على مستوى تأمين سداد الأجور ومنح المتقاعدين وتأمين نفقات التسيير، مما يجعلها في أحيان عدة تلجأ للاقتراض من البنوك المحلية -سواء بالدينار أو العملة الصعبة- أو فتح باب الاكتتاب لتعبئة الموارد.
تداعيات اقتصادية
ويقدر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن تكون للإضراب العام لاتحاد الشغل “انعكاسات سلبية” على الإنتاج وخلق الثروة وعلى تعبئة الموارد الذاتية للدولة وعلى صورة مناخ الأعمال في تونس لدى المستثمرين الذين تتزايد مخاوفهم بخلق الاستثمار وسط مناخ ينعدم فيه السلم الاجتماعي وترتفع فيه التوترات.
والأهم بالنسبة إليه هو تداعيات هذا الإضراب على تقدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي تخوض معه الحكومة التونسية منذ أشهر محادثات شاقة دون أن تسفر إلى حد الآن عن اتفاق للشروع فعليا في إجراء مفاوضات فنية تضفي إلى الاتفاق على منح تونس قرضا على أقساط بحجم يناهز 4 مليارات دولار.
ويقول الشكندالي إن توتر العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة الحالية جراء عدم تعهدها بتطبيق التزامات سابقة سيصعب عليها مهمة إقناع صندوق النقد ببرنامجها الإصلاحي، في غياب أي توافق وشراكة مع شريكها الاجتماعي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يبدي تحفظات على برنامجها.
وتونس في أمس الحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتمويل عجز موازنتها، إذ تحتاج -وفق الشكندالي- إلى نحو 24 مليار دينار (7.9 مليارات دينار) لتمويل عجز موازنة العامين الماضي والجاري، وإذا لم تحصل تونس على هذا القرض “فتلك مصيبة كبرى تجعلها على خطى السيناريو اللبناني”، وفق رأيه.
الإضراب في وجه السياحة
بدورها، أعلنت شركة الخطوط التونسية مساء أمس الأربعاء عن تعليق جميع رحلاتها الجوية المبرمجة لهذا اليوم تزامنا مع الإضراب، مما أثر بشكل مباشر على نقل السياح الأجانب والجالية المقيمة بالخارج إلى تونس، وفق الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون الذي يرى أن قطاع السياحة هو المتضرر الأكبر من الإضراب العام.
ويقول جبنون للجزيرة نت إنه لا يمكن قياس الخسائر الأولية لمختلف القطاعات المتضررة من الإضراب بشكل فوري، وإن الأمر موكول للمعهد الوطني للإحصاء، لكنه يقر بالتداعيات الثقيلة للإضراب على السياحة جراء اضطراب النقل الذي يمكن لشركات النقل الجوي والبري أن تتخطاه خلال الأيام المقبلة.
تقليل من الخسائر
وقلل جبنون من عمق الآثار المالية والاقتصادية لإضراب بيوم واحد، موضحا أنه لا يمكن الحديث عن خسائر على مستوى تصدير السلع للخارج باعتبارها تمتد على عقود طويلة، كما لا يمكن له أن يؤثر على الاستثمار بحكم أن وقوع مثل هذه الإضرابات أمر اعتيادي في دول متقدمة كأوروبا، وفق قوله.
وأقر بوجود ظروف اقتصادية صعبة تفاقمت مع أزمة الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط والمواد الأولوية، لكنه يؤكد أن الاقتصاد التونسي ما زال يتحلى بالصمود في وجه جميع هذه الأزمات، بيد أنه يحتاج إلى التطوير لخلق الثروة بالتوجه إلى الطاقات المتجددة والصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
صمود إيجابي للاقتصاد
ويقول جبنون “لقد حقق الاقتصاد التونسي خلال الربع الأول من العام الجاري نموا بنسبة 2.4%، وهذا يعني من الناحية الفنية أنه استطاع الصمود أمام جميع الأزمات”، مؤكدا أن الأوضاع الاقتصادية تحتاج حاليا إلى مناخ اجتماعي سلمي وإلى مردودية قوية في العمل أكثر من أي وقت مضى وإلى نجاح المفاوضات مع صندوق النقد.
وتوقع أن تسير المفاوضات بين تونس وصندوق النقد في الطريق الصحيح بناء على مطالبه المتعلقة بالتحكم في النفقات العامة وإعادة هيكلة منظومة الدعم بما يتوافق مع نجاعتها وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتحسين مناخ الاستثمار.
وقال جبنون إن صندوق النقد يسعى إلى تجنب استفحال الأزمة الاقتصادية العالية، خاصة على البلدان الأكثر عرضة لتأثيراتها.
وأضاف “سيقوم الصندوق النقد الدولي بعملية استباقية لمساعدة البلدان الأكثر عرضة للأزمة الاقتصادية العالمية، ويمكن أن نرى تطورات إيجابية في المفاوضات بين تونس والصندوق”.