الحرب عليها تهدد بخسارة ربع السكان.. أوكرانيا تستعجل إجراءات الزواج لإنقاذ المجتمع
كييف – في ميدان الاستقلال وسط العاصمة الأوكرانية (كييف)، أحيا الشاب أوليكساندر مع سفيتلانا حفل زفافهما رمزيا، من دون أن يحضره عدد كبير من الأقرباء والأصدقاء، فمعظمهم لجأ إلى دول الجوار، أو نزح إلى مدن أخرى.
غلب على الاحتفال طابع الحرب المستمرة مع روسيا، من خلال زي العروسين اللذين يخدمان في صفوف الجيش وقوات “الدفاع الإقليمي” جنديا ومتطوعة، بعد أن حصلا على إجازة و”مباركة” من القيادة لهذا الغرض، حسب ما ذكراه للجزيرة نت.
تشجيع على الزواج “أون لاين”
إجراءات زواج أوليكساندر وسفيتلانا تمت عبر الإنترنت، متجاوزة كل حواجز المعاملات والإجراءات البيروقراطية التي يعرفها الأوكرانيون جيدا، وكذلك الطقوس التي كانت متبعة قبل الحرب في مباني عقد القران (زاكس)، بعد أن أقرّت السلطات قانونا يسمح بالزواج “أون لاين”، تشجيعا عليه.
تشجيع يستهدف رفع أعداد المقبلين على الزواج، بخاصة بين الجنود والمتطوعين، بعد أن أوقفت أسابيع الحرب الأولى هذا الأمر تماما في بعض المناطق، ومنها العاصمة كييف، قبل أن يسهم القانون في رفع الأرقام مجددا.
ويبدو أن هذا التعديل كانت نتيجته إيجابية ومرضية للسلطات المحلية، التي تنشر بين حين وآخر أرقاما لأعداد المتزوجين والمواليد الجدد، مشيرة في أحيان أخرى إلى أنها أكبر نسبيا مما كانت قبل الحرب.
على سبيل المثال، نشرت بلدية كييف في التاسع من يونيو/حزيران الجاري ما يشبه “البشرى”، معلنة ارتباط 5147 زوجا في المدينة وحدها، وولادة 3145 طفلا، من أصل نحو 48 ألفا ولدوا في سائر البلاد منذ بداية الحرب.
وفي سياق متصل، نشرت منظمات اجتماعية عدة عريضة على موقع الرئاسة الأوكرانية، تطالب الرئيس فولوديمير زيلينسكي بسنّ قانون صارم يجرم الإجهاض ويعاقب عليه بشدة.
أزمة اجتماعية في الأفق
لكن الأمر، وإن بدا إيجابيا و”ورديا”، فإنه يعكس حقيقة أن البلاد تعاني أزمة اجتماعية كبيرة، وأخرى أكثر خطورة تلوح في الأفق مع استمرار الحرب وموجات اللجوء والنزوح.
مديرة معهد “الديمغرافيا والبحوث الاجتماعية” إيلا ليبانوفا تحدثت الجزيرة نت عن هذا الأمر، فقالت إن “الحرب تنطوي على زيادة في معدل الوفيات وانخفاض في معدل المواليد، وتدهور عام في الصحة، لا سيما بسبب الإجهاد الجسدي والنفسي، وعدم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الجيدة في الوقت المناسب”.
ومع ذلك، ترى ليبانوفا أن “هذه الخسائر ليست كارثية، وتقاس -على أهميتها- بالآلاف لا بالملايين، وتتعامل معها مراكز الرعاية الصحية والنفسية”.
وحسب الخبيرة ليبانوفا، فإن “الأخطر يكمن في غياب ملايين النساء والأطفال اللاجئين، وإمكانية استقرارهم في الخارج، وتأسيس حياة جديدة تبعدهم عن فكرة العودة إلى أوكرانيا”.
ووفقا لإحصائيات حكومية، تجاوزت أعداد من لجأ من الأوكرانيين إلى دول الجوار الأوروبي وغيرها 7 ملايين نسمة، 90% منهم من النساء والأطفال؛ في ظل منع مغادرة الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما بسبب “حالة الحرب” المعلنة.
خسارة قد تبلغ 10 ملايين نسمة
وهنا تتشكل صورة متشائمة أمام مجتمع أوكرانيا، الذي كان يضم نحو 41.2 مليون نسمة في ديسمبر/كانون الأول 2021، فقد يخسر، وفقا لخبراء، ملايين من أبنائه بسبب الحرب.
وتقول مديرة معهد “الديمغرافيا والبحوث الاجتماعية” إيلا ليبانوفا “وفق الوتيرة الحالية، سيتراجع عدد سكان أوكرانيا بحلول عام 2030، في أحسن الأحوال إلى 35 مليون نسمة، وفي أسوئها إلى 30 مليونا”.
وتضيف “إذا استمرت الحرب طويلا، أو 6 أشهر أخرى على سبيل المثال، فإن النساء اللواتي لم ينوين الهجرة في البداية سيجدن عملا مستقرا في الخارج، وسيبقين هناك”.
وتتابع “في ضوء دراستنا، فإن أعداد هؤلاء سترتفع من 600 ألف حاليا إلى 5 ملايين، تشمل نسبة كبيرة من الأزواج الذين سيلتحقون بالنساء والأطفال في دول اللجوء إذا سمح لهم بالخروج، وإذا توفرت أمامهم فرص للعمل”.
وبنظرة متشائمة أيضا، ترى ليبانوفا أن إجراءات الدولة لن توفق إلى سد هذه الثغرة، قائلة “لن تجبر السلطات الرعايا على العودة، ولن نشهد طفرة مواليد في أوكرانيا بعد الحرب كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب تطوير وسائل منع الحمل في القرن الـ21، وتغليب الجوانب المادية على الأسرية، التي تقيّد أعداد الأطفال داخل الأسرة بنحو طفل إلى طفلين فقط، وهذا لا يكفي مجتمعنا اليوم”، على حد قولها.