منذ عامين، ومع انتشار جائحة كورونا واضطرار الكثير من الدول لاتخاذ تدابير احترازية من بينها إغلاق المدارس والرياض، لزم الكثير من الأطفال منازلهم بمفردهم دون إشراف أسري.

أعاد ذلك المشهد ظاهرة انتشرت في أربعينيات القرن الماضي أطلق عليها اسم “أطفال المفاتيح”، مع اختلاف الظروف والملابسات.

 

من “أطفال المفاتيح”؟

تعود حلا من المدرسة مصطحبة شقيقتها الصغرى في الرابعة مساء. تصل أمام بيتهما وتبحث عن المفتاح في حقيبتها، تفتح الباب وتدخل.

تقضي حلا ذات الـ12 عاما، وشقيقتها ذات الـ 7 أعوام ما لا يقل عن 3 ساعات يوميا بمفردهما في البيت، قبل أن تعود الأم من عملها.

 

يشار علميا إلى حلا بـ”طفل المفتاح”، أي الطفل الذي يتراوح عمره ما بين 5 أعوام و13 عاما ويعود بشكل روتيني إلى المنزل بمفرده، ويستخدم مفتاحا لقفل أو فتح باب منزله، ويرعى نفسه من دون إشراف شخص بالغ عليه.

ويعود أول استخدام لمصطلح “أطفال المفاتيح” إلى عام 1944، عندما كان على كثير من الأطفال رعاية أنفسهم لأن آباءهم يشاركون في المجهود الحربي، وخرجت النساء وقتها للعمل من أجل الحفاظ على استقرار الأسرة ماليا، بحسب  موقع “ستادي سولوشن” (Study).

“أطفال المفاتيح” مصطلح يشير لطفل يستخدم مفتاح منزله ويرعى نفسه من دون إشراف شخص بالغ عليه (شترستوك)

كورونا وجيل جديد من “أطفال المفاتيح”

تنتمي حلا لأسرة مرتفعة الدخل، فأبواها طبيبان، ومع انتشار وباء كورونا منذ عامين، كان عليهما التواجد باستمرار في مقر عملهما، مع إغلاق المدارس أبوابها.

اضطرت حلا للبقاء في المنزل مع شقيقتها الصغرى، واضطرت لرعاية نفسها وشقيقتها.

 

ورغم تغير الوضع بالنسبة للكثيرين بعد إقرار العمل من البيت كنوع من الإجراءات الاحترازية، لم ينطبق ذلك على والدي حلا.

احتفظت حلا بمفتاح البيت حتى بعد انتهاء الجائحة، وأظهر والداها تسامحا أو تساهلا أكبر لعودتها إلى البيت مع شقيقتها دون وجودهما.

ازداد عدد “أطفال المفاتيح” وأجبر الوباء الكثير من الأطفال على رعاية أنفسهم. في الولايات المتحدة ترك 7.7 ملايين طفل عام 2020 بمفردهم في المنازل دون إشراف شخص بالغ عليهم، بعد إغلاق البرامج المدرسية، وقيام برامج الرعاية الأخرى برفع الأسعار وتخفيض عدد الفترات الزمنية المتاحة، وفقا لموقع “توداي” (Today).

ما بين اللوم والتماس الأعذار

ما بين الأربعينيات وقت ظهور مصطلح “أطفال المفاتيح” وبين تفاقم الأعداد فترة وباء كورونا، كانت أعداد الأطفال المسؤولين عن أنفسهم تتأرجح مع زيادة اللوم الموجّه للأمهات حينها.

 

وقت الحرب، التمس الكثيرون الأعذار للأمهات اللائي تركن أبناءهن بمفردهم، وكذلك وقت الجائحة.

لكن الأمر كان مختلفا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين ارتفعت معدلات الطلاق وزادت فرص عمل النساء، ونشأ جيل من الأطفال يرتدون المفاتيح في خيوط حول أعناقهم، وانهالت وسائل الإعلام على الأمهات وصما ونقدا، طبقا لموقع “هاو ستاف ووركس” (Howstuffworks).

ومع تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بدخول الألفية الجديدة، انخفض عدد “أطفال المفاتيح” بين العائلات الثرية والمقتدرة ماديا لأسباب، أبرزها: ترك أحد الوالدين العمل والتفرغ لرعاية الأطفال أو الاعتماد على برامج ما بعد المدرسة المدفوعة المصاريف، بينما بقي الوضع كما هو في الأسر الفقيرة.

نظام “هود بودج”

أكثر ما يثير حماسة حلا للوجود في المنزل رفقة شقيقتها الصغرى، هو حرية تناول الوجبات الممنوعة من رقائق البطاطس المقلية والحلوى والوجبات السريعة، بل اختراع وجبات غريبة من العناصر الموجودة في البيت، على حد تعبيرها.

 

من اختراعات حلا خليط من “الهوت دوغ” البارد مع كريب مصنوع من النوتيلا. ويسمى ذلك النوع من النظام الغذائي “هودج بودج” (Hodgepodge) أي خليط عشوائي من الأشياء غير المناسبة.

وبحسب موقع “إيتر” (Eater)، فإن المزيج المميز من الملل وقلة الإشراف التي يعاني منها “أطفال المفاتيح” هي التي خلقت الوصفات الغريبة في الطعام.

لا يتوقف الأمر على مذاق سيئ أو غريب، لكن تطور عادات الأكل بين الأطفال دون إشراف تؤدي إلى مخاطر كبيرة من أهمها السمنة وما يتبعها من أمراض.

في الوقت الذي تقدّر فيه منظمة الصحة العالمية أعداد المصابين بالسمنة بـ340 مليون مراهق و39 مليون طفل حول العالم مع توقع ازدياد الأعداد في السنوات القادمة. ويشير معهد “إيزا” (IZA) لاقتصاديات العمل إلى أن أطفال الأمهات العاملات أكثر عرضة لزيادة الوزن من الأطفال الآخرين، حيث إن “أطفال المفاتيح” قد يأكلون المزيد من الوجبات السريعة، وهم يمارسون الرياضة وينامون أقل، مما يساهم في زيادة الوزن.

يجب تحذير الطفل من خطورة إبلاغ أحد بأن لديه مفتاح البيت أو عرضه في المدرسة أو الأماكن العامة (شترستوك)

مخاوف وخطوات للتعامل

تشعر حلا بالاستقلالية وتطور سلوكا أموميا تجاه شقيقتها الصغرى، لكنها أحيانا تشعر بالخوف بعد قضاء ساعات دون والديها، ويصبح التحدث مع صديقاتها عبر خاصية “الفيديو كول” هو أمانها.

 

الشعور بالوحدة والملل والخوف أكثر شيوعا بين “أطفال المفاتيح” الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات. وفي سن المراهقة المبكرة، هناك قابلية أكبر لضغط الأصدقاء، مثل تعاطي المخدرات والاختلاط الجنسي والتدخين.

وكلما ازداد وقت بقاء الطفل بمفرده فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية ومستويات مرتفعة من المشكلات السلوكية ومعدلات أعلى من الاكتئاب ومستويات أقل من احترام الذات، فضلا عن عدد من المخاطر الأخرى فيما يتعلق بالسلامة الجسدية سواء من استخدام الغاز أو استضافة الغرباء، بحسب دراسة بعنوان “آثار وسلوكيات البقاء في المنزل دون إشراف-أطفال المفاتيح”.

ورغم تلك الآثار السيئة، لا يمكن مطالبة الأمهات بترك أعمالهن والبقاء في المنزل لرعاية الأبناء، خاصة مع الظروف الاقتصادية السيئة، لكن يمكن –بحسب الدراسة المنشورة في “المجلة الأميركية لعلوم التمريض” (American Journal of Nursing Science)- تعليم “أطفال المفاتيح” عددا من الخطوات للتعامل بأمان أكبر داخل البيت، منها:

  • تعليم الأطفال كيفية استخدام الهاتف وقفل الأبواب.
  • وضع قائمة بأرقام هواتف الأقارب والجيران الموثوق بهم والشرطة وإدارة الإطفاء وأرقام الهواتف المهمة الأخرى.
  • تحذير الطفل من خطورة إبلاغ أحدا بأن لديه مفتاح البيت، أو عرضه في المدرسة أو الأماكن العامة.
  • إرشاد الطفل للاكتفاء بإخبار المتصلين بأن الأبوين مشغولين، بدلا من الإشارة إلى أنه في المنزل بمفرده.
  • تنظيم الأنشطة مسبقا، مثل مشروع فني يستهلك أكثر من ساعة، أو غيرها من الألعاب في المنزل مع مكافأة عند إنجازها.
  • ترتيب قضاء الطفل بعض فترات ما بعد الظهر مع أصدقائه، للتخلص من رتابة البقاء بمفرده 5 أيام في الأسبوع.
  • الحرص على منع الطفل من استخدام الغاز أو إشعال النار، ويمكن استخدام الميكرويف لتسخين الطعام بعد تعليمه قواعد الأمان الخاصة به.
  • الحرص على وجود أطعمة صحية في المنزل، بدلا من الوجبات السريعة.
  • الحرص على تحذير الطفل من استقبال الغرباء أو فتح الباب لأحد مطلقا.
  • اقتناء حيوان أليف قد يساعد في تهدئة الطفل.
  • في النهاية، حاولي قدر الإمكان التواجد مبكرا في المنزل، ولا تتركي الأطفال بمفردهم في سن صغيرة جدا أو لفترة طويلة جدا، ولا تمنحيهم الكثير من المسؤوليات، ودعيهم يعبرون عن مخاوفهم واغمريهم بالطمأنينة.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *