بعد نحر فتاة المنصورة.. هل شجعت السينما المصرية على العنف ضد المرأة؟
القاهرة– أثارت حادثة نحر فتاة جامعة المنصورة على يد شاب رفضت الارتباط به ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم البعض السينما المصرية بالتشجيع على هذه الحوادث بتقديمها كثيرا من مشاهد العنف ضد المرأة.
جاء الواقع ليكون أكثر قسوة وبشاعة من تخيل صناع السينما في مصر، فحتى مشاهد التحرش والاعتداء والاغتصاب لم تنته بمشهد قتل امرأة أمام جموع الناس، وبالطبع لم يصل خيال أي من كتاب السيناريو لدرجة نحر فتاة في بداية العشرينيات من عمرها أمام عيون زملائها على مدخل الجامعة.
وعالج عدد من الأفلام الجادة قضايا المرأة، بداية من فيلم “الزواج” (1933) الذي قدم قضية الزواج القسري، إذ تجبر فتاة على الزواج ممن لا تحبه، وتكرر الأمر في فيلمي “شيء من الخوف” (1969) و”الزوجة الثانية” (1967)، وهي أفلام انتصرت للمرأة في النهاية، وجاء المشهد النهائي الخالد في “شيء من الخوف” معبرا عن ثورة الجماهير، اعتراضا على “زواج عتريس من فؤادة”، حتى وإن تضمن إسقاطات سياسية.
لم يشكل العنف ضد المرأة في أفلام الكوميديا في الخمسينيات والستينيات أزمة كبيرة للمرأة، فرشدي أباظة يلقي التحية على شادية في “الزوجة 13” (1962)، ترد التحية ليصفعها على وجهها بقوة قائلا “وكمان بتقولي صباح الخير” في مشهد يعده البعض كوميديًا، تغني شادية لاحقا وتأخذ حقها من زوجها برد الصفعة.
“هي فوضى”
قصة حب من طرف شخص مهوس عنيف مختل نفسيا قدمها المخرج يوسف شاهين في آخر أفلامه “هي فوضى” (2007)، بمشاركة المخرج خالد يوسف، وسيناريو ناصر عبد الرحمن. وفيه نرى كيف يمكن أن يتحول الحب الشديد والرفض من جانب المعشوقة إلى عنف مدمر واغتصاب في إطار قصة عن قمع الشرطة والفساد الذي طالها قبل سنوات قليلة من ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
“لو ينفع أقتلك كي أعيش، سأقتلك..” يقولها أمين الشرطة الفاسد حاتم (خالد صالح) وهو يهاجم الفتاة نور (منة شلبي) -التي يعشقها بهوس، لكنها ترفضه- بعد أن اختطفها وأخذها إلى مكان منعزل، ليغتصبها وهو يتخيل في ذهنه أنها صارت زوجته وأنجبت له ابنا. تقاومه نور بعنف وتصيبه، فينهال عليها بالضرب حتى تفقد وعيها، ويقف أمام جسدها الهامد يبكي بحرقة.
وينتهي الفيلم بثورة أهالي المنطقة ضد حاتم وبطشه، ويطلق حاتم النار على وكيل النيابة وخطيب “محبوبته” شريف (يوسف الشريف)، ثم ينتحر حاتم بإطلاق الرصاص على نفسه، لتكون هذه هي نهاية الظلم.
“احكي يا شهرزاد”
ويعد فيلم “احكي يا شهرزاد” أكثر أفلام الألفية مباشرة في تناول قضايا العنف ضد المرأة، يقدمه يسري نصر الله مخرجا ووحيد حامد مؤلفا، حيث تواجه هبة يونس (منى زكي) مذيعة التلفزيون الشهيرة ضغوط زوجها الصحفي المتسلق كريم (حسن الرداد) للتوقف عن تناول القضايا السياسية في برنامجها، ليحقق طموحاته المهنية في كرسي رئيس التحرير.
فتبتعد هبة عن السياسة في برنامجها، لتقدم قصصا نسائية إنسانية تكشف عن القمع والظلم الذي تواجهه المرأة، في ظروف قاسية وتقاليد مجتمعية راسخة، مما يثير غضب زوجها ويعتدي عليها بالضرب المبرح.
تخرج هبة في مشهد النهاية تواجه جمهور برنامجها التلفزيوني، وعلى وجهها آثار الضرب الذي تلقته من زوجها، وتبتسم للكاميرا لتبدأ سرد حكايتها الشخصية هذه المرة، قائلة “أنا الضيفة المضروبة المقهورة”، فقد طال قهر المرأة في كافة الطبقات الاجتماعية، حتى وصل للمذيعة التي تقدم حكايتهن.
يعلق الناقد طارق الشناوي -في مقاله بمجلة روز اليوسف- أن سيناريو الفيلم قائم على الانتقال من حكاية إلى أخرى، لكن يجمعه مقاومة الظلم والانتصار للمرأة، مثل الشخصية التي قدمتها الفنانة سوسن بدر التي تعالج قضية الزواج في المجتمع الشرقي، والتي عاشت عذراء لأنها لم تكن تريد سوى أن تحقق المساواة في علاقتها بالرجل داخل إطار الزواج الشرعي.
عالم وحيد حامد
وربط المؤلف وحيد حامد في أفلامه بين شرف المرأة ورؤية المجتمع لها وثورتها ضد المجتمع وقيمه وتقاليده، ففي فيلم “ملف في الآداب” (1986) مديحة (مديحة كامل) فتاة تعمل في مهنة بسيطة، تجد نفسها فجأة متهمة ظلما في قضية أخلاقية تسيء لها مع صديقتين، أما غادة سكرتيرة رجل الأعمال (يسرا) في فيلم “المنسي” (1993)، فترفض أمر رئيسها أن تسلم جسدها لرجل ذي نفوذ، وتستعين بعامل تحويلات القطار يوسف المنسي (عادل إمام) كي ينقذها ويحفظ شرفها، في حين تخوض الراقصة سونيا سليم (نبيلة عبيد) معركة ضارية ضد أصحاب النفوذ، لأنهم يرفضون منحها ترخيصا لإقامة دار أيتام في فيلم “الراقصة والسياسي” (1990) عن قصة إحسان عبد القدوس.
“عفوا أيها القانون”
في حين أثارت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي الجدل بفيلمها الأول “عفوا أيها القانون” (1985) سيناريو إبراهيم الموجي، متناولة الظلم في تطبيق القوانين وعدم المساواة بين الرجل والمرأة وكيف يفرق القانون في التعامل مع الرجل والمرأة عندما يكونان في الموقف نفسه، بتقديم الزوج لمحكمة الجنح بينما تقدم الزوجة لمحكمة الجنايات، ويكون الحكم مخففا على الزوج الذي يقتل زوجته الخائنة، بينما يطال الحكم المشدد الزوجة التي تقف الموقف نفسه مع زوجها.
وفي فيلم “لحم رخيص” (1995) من سيناريو صلاح فؤاد، تتناول الدغيدي قضية بيع فتيات الريف من القاصرات لطلاب المتعة من كبار السن والشباب المغامر من غير المصريين من خلال نماذج مختلفة، وأثار جدلا كبيرا بعد عرضه في دور العرض.
ويرى الناقد عبد الغني داود -في كتابه “مخرجو السينما المصرية”- أن “الدغيدي تقدم المرأة في أفلامها ككائن سلبي، كجسد يثير الشهوات، في إطار طبقة غنية غارقة في الثراء منفصلة عن مجتمعها الحقيقي وبعيدة عن مشاكلنا الأساسية والجذرية، ولكن يبقى (عفوا أيها القانون) هو الفيلم الاستثنائي والأهم والأبرز بين أفلامها الأخرى مثل (مذكرات مراهقة) و(كلام الليل) و(الأجندة الحمراء)، وكلها تناولت عالم المرأة وقضاياها المختلفة”.
محمد خان
كما أن المخرج الراحل محمد خان من أكثر المخرجين المصريين اهتماما برصد العلاقة بين الرجل والمرأة، كما في فيلمه “موعد على العشاء” (1981)، حيث تطلب الزوجة غير السعيدة نوال (سعاد حسني) الطلاق من الزوج المتسلط عزت (حسين فهمي)، لكن الأمور تتطور إلى ما لا يحمد عقباه.
وقدمت الزوجة للزوج طعاما مسموما على العشاء وقالت له “لا أنا ولا أنت نستحق نعيش”.
وفي “زوجة رجل مهم” (1988)، يقدم خان العنف النفسي والبدني الذي تتعرض له الفتاة منى (ميرفت أمين) من زوجها رجل الشرطة النرجسي هشام (أحمد زكي)، وتزداد قسوته عليها من حدث لآخر، فهو لا بد أن يكون صاحب السلطة في منزله وعمله، لكن لا يلبث أن يفقد هذا العمل وهذه السلطة، فيجن جنونه، تحاول الزوجة الهروب من بطشه وتلجأ لوالدها لحمايتها فيقتله الضابط وينتحر، في أحداث فيلم قاس عن الحياة الزوجية عندما تتحول إلى جحيم.
أما في فيلمه “أحلام هند وكاميليا” (1988)، تتعرض الأرملة الشابة هند (عايدة رياض) والمطلقة كاميليا (نجلاء فتحي) إلى كثير من الإيذاء النفسي والجسدي والاستغلال المادي والجنسي، وينتهي الحال بسرقتهما كذلك.
ويرى الباحث ياقوت الديب في دراسته “دور السينما المصرية في تفشي ظاهرة التحرش والعنف ضد المرأة” أن فيلم “أحلام هند وكاميليا” استعرض صورا مختلفة من التحرش بالمرأة، من الفقر واضطرار المرأة للعمل في خدمة البيوت والاستغلال والعنف من زوج بخيل كبير السن، والاستغلال المادي من الشقيق العاطل المدمن للمخدرات، والاعتداء بالضرب للحصول على المال والإجبار على السرقة وغيرها من القضايا التي طرحها خان بمنتهى الجرأة.
فيلم 678 والتحرش
في عام 2010، ناقش المخرج محمد دياب في أول أفلامه قضية التحرش الجنسي بالمرأة في فيلمه “678”، الذي يحمل رقم حافلة نقل عام تصبح مسرحا لجريمة التحرش بإحدى بطلات الفيلم، كما استلهم الفيلم قصة حقيقية لفتاة تعرضت للتحرش في الشارع، لتطارد من تحرش بها وتمسك به وتقدمه للشرطة لتتم محاكمته.
يقدم فيلم “678” حلا لمواجهة التحرش، بأن تنتقم المرأة لنفسها حالا وتجرح من حاول التحرش بها باستخدام آلة حادة في منطقة حساسة، وربما يبدو الحل عنيفا إجراميا، لكن ماذا تفعل المرأة عندما يتم التحرش بها في حافلة نقل عام وسط الناس، بينما يتجاهل الأغلبية منهم صراخها أو استغاثتها، وتكون هي المتهمة في كثير من الأحيان، حتى وإن ارتدت أكثر الثياب حشمة، لتواجه مجتمعا يرى أن ملابس المرأة هي السبب في التحرش بها؟
الكوميديا
في المقابل، رسخت بعض أفلام الكوميديا في الألفية لمفهوم ملكية العاشق لمعشوقته، حتى لو رفضته وأهلها، كما في فيلم “صايع بحر” (2004) من إخراج علي رجب وسيناريو بلال فضل، إذ نرى الشاب حسن (أحمد حلمي) يذهب لبيت خطيبته مع أصدقائه، ليفضحها في الشارع ويصيح “يا فاجرة يا خائنة”، ويتهمها بالخيانة في وصلة من السخرية لها ولأهلها، فهذا هو البطل الجريء المجروح عاطفيا الذي يرفض خيانة حبيبته، فيفضحها على الملأ، مطالبا الجمهور بالضحك والتعاطف معه.
وقد تداول رواد موقع التواصل مثل هذه المشاهد عقب حادثة فتاة المنصورة، وكيف رسخت بعض أفلام الكوميديا في أذهان هذا الجيل حتمية انتقام العاشق إذا رفضته محبوبته، سواء بفضح علاقتها به أو التهديد بألا يقترب منها أحد غيره، لكن خيال صانعي هذه الأفلام لم يصل أبدا لدرجة ذبح العاشق لمحبوبته، ليكون الواقع أكثر قسوة وعنفا.