الشاعرة نازك الملائكة في ذكرى رحيلها الـ15.. رحلة تأسيس شعر التفعيلة
بمناسبة الذكرى الـ15 لوفاة رائدة الشعر العربي الحر نازك الملائكة، صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة -أكبر مؤسسة نشر حكومية في العراق- كتابا نقديا عن نازك الملائكة للناقد العراقي محمد صابر عبيد، وحمل عنوان “نازك الملائكة متنا شعريا أنثويا.. مستويات الصوت والخطاب”، ويتساءل عبيد في كتابه عما بقي من تجربة نازك الملائكة والشعر العربي الحر؟
الولادة والبداية
نازك صادق الملائكة شاعرة عراقية، ولدت عام 1923، وحصلت على شهادة دار المعلمين العالية عام 1944. مثلما حصلت على شهادة معهد الفنون الجميلة عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة ويسكونسن- ماديسون في أميركا وعينت أستاذة في جامعة بغداد، وجامعة البصرة، ثم جامعة الكويت.
عاشت في القاهرة منذ عام 1990 في عزلة اختيارية، وتوفيت عام 2007 عن عمر يناهز 83 عاما ودفنت في مقبرة خاصة بالعائلة غربي القاهرة. يعتقد كثيرون أن نازك الملائكة هي أوّل من كتب الشعر الحر عام 1947، فيعد البعض قصيدتها المسماة “الكوليرا” من أوائل هذا الشعر في الأدب العربي، خاصة أنها بدأت في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وشاذل طاقة وعبد الوهاب البياتي.
أواصر التواصل
لنازك الملائكة إصدارات شعرية من بينها “عاشقة الليل” عام 1947، و”شظايا ورماد” عام 1949، و”قرارة الموجة” عام 1957، وكذلك “شجرة القمر” عام 1968، و”ويغير ألوانه البحر” عام 1977، و”مأساة الحياة وأغنية الإنسان” عام 1977، و”الصلاة والثورة” عام 1978.
يقول مدير عام دار الشؤون الثقافية الدكتور عارف الساعدي عن هذه المناسبة إن “نازك الملائكة لم تعد رمزا من رموز الأدب والشعرية العراقية فحسب، بل أصبحت رائدة للشعر العربي بما طرحته مع السياب من قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، بل هي المرأة التي شقّت طريقها وسط الصعاب والمجتمع، لتكون الشاعرة المؤثّرة في الوسطين الأدبي والنسوي”.
وعن طبع الكتاب، قال الساعدي إن “دار الشؤون الثقافية لا تتوانى عن طبع نتاجات الأدباء من مختلف الأجيال، خاصة من تركوا بصمة أدبية ومكانة عربية، ونازك واحدة من الشاعرات اللواتي يجب أن تبقى خالدة للأجيال الجديدة لتبقى أواصر التواصل قائمة”.
وبين أن “الشؤون الثقافية سبق لها أن أصدرت لأدباء كبار، كالجواهري وحسب الشيخ جعفر ولميعة عباس عمارة وآخرين”.
ولفت إلى أن الدار ستقوم على “طباعة الأعمال الشعرية الكاملة لنازك الملائكة مع طباعة عمل نقدي للناقد ماجد السامرائي عنها”، منوها أنه “لا أحد من الشعراء -من مختلف الأجيال- لم يقرأ لنازك سواء اتّفق مع توجهها في القصيدة أو أفكارها، لأنها تعني مرحلة كاملة من تاريخ العراق الشعري، وهي أصبحت أيقونة ومثالا وقدوة”.
وهْم الشعر وثوريته
ويأتي الكتاب الجديد الذي أصدرته دار الشؤون الثقافية ضمن كتب عديدة صدرت عنها، ومن بينها “الموروث الأسطوري في شعر نازك الملائكة” لمحمد رجب النجار، و”موجز الشعر العربي” للشاعر العراقي فالح الحجية، وكذلك “صفحات من حياة نازك الملائكة” للدكتورة حياة شرارة.
يقول الأكاديمي الناقد الدكتور علي حداد إن أهمية الكتاب تكمن في “استعادة الحديث عن شعر نازك الملائكة، وعن مكانتها في تجربة الريادة التي أخذت بعدا من التنازع بين السياب ونازك أكثر من سواهما من الشعراء الآخرين الذين ادّعوا الريادة”.
وبين أن اللافت في وجود الملائكة أنها “أنثى بين بقية الرواد الرجال”، وهو ما يعني -حسب حداد- “وجود فاعلية أنثوية متقدّمة في وعيها وذائقتها الشعرية، ليس على المستوى الشعري الأنثوي في العراق، بل في المحيط العربي كله”.
ويعتقد حداد أن هذا الأمر منح تجربة نازك “امتيازا تاريخيا في حيّز الريادة الشعرية”، لكنه يتوقّف عن تسمية الشعر الحر بقوله “قالب من التعبير أطلق عليه وهمًا الشعر الحر، وليس فيه من الحرية على صعيد الشكل سوى إسقاط القالب التقليدي، من حيث التقفية الموحدة التي تحكم شعر الشطرين”.
ويرى أن نازك الملائكة في مراحلها الأولى “ثورية، لكنها بقيت على صعيد تقديم المثال الشعري أسيرة وقائع ذاتية ومكابدات منغلقة على استعادات مكرورة لم تتجاوزها”؛ ولهذا يعتقد أن “تجربتها تخصها وحدها، ولم تجلب لمتونها من ينشغل بها ويتبنّى قيمها”.
وبسبب ذلك، يقول “لا نجد لها من مريدين يعلنون تأثّرهم بشعرها كما هو الحال مع السياب والبياتي مثلا”، لكنه يستدرك ليتحدث عن منجز الملائكة النقدي الذي قدمت فيه رؤى وكشوفات أكدت “وعيها وعمق استقرائها، وإن شابه -ما سيترسخ لاحقا- تراجعا عن كثير من أفكار التجديد الجارف الذي قالت نازك الملائكة أن الشعر العربي الحديث منته إليها”.
سر التفرد
من مؤلفات نازك الملائكة غير الشعرية “قضايا الشعر الحديث” عام 1962، و”التجزيئية في المجتمع العربي” عام 1974، و”سايكولوجية الشعر” عام 1992، وأيضا “الصومعة والشرفة الحمراء” عام 1965، ومجموعة قصصية “الشمس التي وراء القمة” عام 1997.
ويرى الناقد الدكتور سمير خليل أن “تجربة الشاعرة تكتسب خصوصية وتفردا وعمقا في مجمل مشروعها الريادي وتوجهها النقدي في تأسيس وعي مواز لما أنجزته على مستوى التجديد والتجريب”؛ لذا فإن المقاربة تكون -حسبما يقول خليل- “بينها وبين جيل الريادة وسيلة للكشف عن قدرتها وتمكّنها الذي كان يرتكز على ثقافة شعرية، إلى جانب الوعي بتلك الثقافة”.
والتجديد عندها، حسب خليل، ارتبط “بنقلة نوعية وانبثاق شيء مغاير على مستوى الشكل الشعري الذي كان منفتحا على وعي متعال واستلهام البعد الفكري والمعرفي في الصياغة الشعرية، وهنا سرّ تفردها”، ويرى أن المغايرة عندها “تختلف عن الآخرين الذين بدت عليهم نزعة حلحلة الموروث العمودي واللهاث خلف قصيدة النثر الغربية تماهيا وتناصا معها، من دون أي إفادة أو استثمار لمزايا وخصائص الموروث الشعري”.
ويعتقد أن التجربة لديها كانت “ترتكز على ملكة الشعر وتتمثل في المنجز العمودي إلى جانب نشوء وعي فكري اتسم بالنضج والانفتاح”. وعما قامت به الشؤون الثقافية، قال الناقد إنها “لمسة طيبة تضاف إلى الجلسة الخاصة التي أقيمت لها (نازك الملائكة) في وزارة الثقافة، وهو وفاء كبير”.
اللب والغلاف
أما الناقد الدكتور عمار المسعودي، فله رأي آخر فيقول “لو دخلنا باب الشعرية لوجدناه باب الفطرة والاختيار البريء والبوح السري”؛ لهذا يرى أن ما أُطلق عليه قصيدة التفعيلة كان “هو اللعب على غلاف القصيدة العمودية، لا لبّها؛ ففيها التهجد والمناجاة والتوحد والاصطفاء”.
ويذكر المسعودي أن التجربة التفعيلية “سميّت خطأ بالحرّة؛ بل هي المقيّدة ببحور خليلية مخروقة، في محاولة لجذب الانتباه أمام صخب وقوة جرس العمود الذي تربى على جذب الانتباه منذ أسواق الشعر حتى أيديولوجيا الشعر”.
ويمضي بقوله إن الشعر الحر “لم يقدم التنويعات عليها سوى لحظة تشكيل لذوات تحاول الدخول من باب آخر لتدخل عناصر لا دخل لها بالتجربة الشعرية، مثل أسماء أسطورية أو ميثولوجية، في محاولة لردم هوة الغرض بحجة المعنى”، وهو يرى أن سؤال ماذا تبقى “قد يصلح لأن نقول ماذا تبقى من الشعر؟ لنجيب: هو ما يدخل في الفطرة والرؤية الشعرية وفي الموهبة، ماعدا ذلك فهو خارج الشعرية أنى كان شكله ولونه”.