كمال علاونة استشهد مرتين في جنين.. الجزيرة نت تتحدث لعائلته وتروي القصة كاملة
“يا شهيد ارتاح ارتاح، واحنا نواصل الكفاح” و”يا أم الشهيد نيالك.. كل الشباب ولادك”، و”يا خالد يا ابن الوليد جبنالك شهيد جديد”، لعل هذه الهتافات التي صدحت بها حناجر المئات من الفلسطينيين -عصر اليوم الأحد- وهم يشيعون الشهيد كامل علاونة (كامل الثاني) أحدثت وقعا، لكنها ليست غريبة على أم الشهيد فاطمة ووالده عبد الله، فالمشهد ذاته عاشاه واقعا قبل نحو 20 عاما، عندما ارتقى نجلهما كامل (الأول) شهيدا.
وأعلن في مشفى ابن سينا بمدينة جنين (شمالي الصفة الغربية المحتلة) -بُعيد ظهر اليوم الأحد- استشهاد كامل علاونة (18 عاما) متأثرا بجروح أصيب بها خلال مواجهات مع جنود الاحتلال الإسرائيلي -عصر أمس السبت- عند مدخل بلدته جبع قرب مدينة جنين (شمالي الضفة الغربية).
واخترق الرصاص الحي المتفجر بطن كامل ويده، وأصاب الكبد مباشرة فأدى إلى نزيف حاد لم تفلح معه عمليتان جراحيتان وأكثر من 20 ساعة من العلاج المتواصل في غرفة العناية الحثيثة، حتى أعلن استشهاده.
وشُيع علاونة بمدينة جنين حيث ارتقى شهيدا، وحُمل على الأكتاف في مسيرات جابت شوارعها وأزقتها، قبل أن ينقل إلى مسقط رأسه بلدة جبع، التي بها منزل عائلته التي ألقت عليه نظرة الوداع الأخيرة، ومن ثم إلى مقبرة القرية حيث ووري الثرى على وقع الهتافات وأزيز رصاص المقاومين والدعوات “برد الصاع اثنين والثأر للشهيد”.
بين الأول والثاني.. تشابه الموت والتفاصيل
وللشهيدين الشقيقين تفاصيل كثيرة تروى، وحكاية أعاد الموت إحياءها بين “كامل الأول” الذي استشهد عام 2003 و”كامل الثاني” الذي استشهد اليوم الأحد.
وعلى لسان معتز علاونة (39 عاما) الشقيق الأكبر للشهيدين “الكاملين”، تنقل الجزيرة نت القصة التي تتشابه زمانا ومكانا وتكاد تلتقي في العقدة والنص أيضا.
ويقول معتز إن شقيقه كامل الأول (18 عاما)، الذي انتمى مبكرا لكتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية- حماس)، أنهى اختبارات الثانوية العامة وهمَّ هو وصديق له من سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) بتنفيذ عملية استشهاد داخل “إسرائيل” عام 2003.
وبعد وصولهما -يضيف معتز- إلى مدينة باقة الغربية (شمالي فلسطين المحتلة) فوجئا “بكمين” لجنود الاحتلال، فوقع اشتباك مسلح واستشهد الصديقان معا.
ولمدة 10 سنوات، ظل جثمان “كامل الأول” محتجزا لدى الاحتلال حتى سلمه لعائلته عام 2013، حينها جرى تشييعه “في موكب جنائزي مهيب”، يقول معتز الذي يذكر تلك التفاصيل جيدا.
ويضيف “آنذاك، شارك الكل وجاب المشيعون شوارع القرية وأزقتها وصولا للمقبرة، وهم يحملون العلم الفلسطيني وأعلام الفصائل، ويهتفون للوحدة الوطنية ولأم الشهيد والانتقام له، واليوم أعادوا المشهد نفسه”.
اسم الشهيد وصيْته
وحتى والد الشهيدين -الذي ولج عقده الثامن- استقبل خبر استشهاد نجله كامل الثاني برد الفعل نفسه الذي تلقى به خبر نجله كامل الأول، برباطة جأش وموقف صلب، وقال للذين جاؤوا يزفون الخبر إليه ويعزونه -حسب ما يروي نجله معتز- “أنا من يعزيكم”.
أما فاطمة علاونة والدة الشهيدين، فقد تجرَّعت الحسرة مرتين فهي لم تنس نجلها الأول، وكانت السنوات المتعاقبة وأحداثها كفيلة بأن تشعل نار صدرها حزنا على ولدها وشوقا إليه، ليأتي خبر نجلها الآخر اليوم ويوقد النار مجددا.
وكان لميلاد كامل الثاني عام 2004 أثر في نفس العائلة، فلم يكد يمضي حينئذ عام على استشهاد شقيقه، وجاء هو ليحمل اسمه وصيْته المقاوم الذي ذاع وتداوله الناس بينهم، وكانوا يخبرون به كامل الثاني، فشبَّ محبا لشقيقه الراحل ومتقمصا شخصيته بحذافيرها.
وفي حين استشهد كامل الأول في 26 يونيو/حزيران 2003 مشتبكا بالسلاح مع الاحتلال، ارتقى “الثاني” تزامنا مع ذكرى شقيقه مشتبكا بالحجارة، وقبل أن ينهي ثانويته العامة التي تبقى منها اختبار أو اثنان.
وشيع الشهيد “كامل الثاني” في موكب جنائزي مهيب، جاب الطريق ذاته في القرية، وردد والده كلمات الوداع نفسها “أنا من يعزيكم باستشهاد نجلي”، ودفن في مقبرة البلدة إلى جانب شقيقه الشهيد.
العائلة.. العقاب مضاعف
وبين سطور حكاية “الشهيدين الكاملين”، خُطت تفاصيل معاناة العائلة، فوالد الشهيدين أسير محرر أمضى بسجون الاحتلال 12 عاما لتأسيسه “خلايا الكفاح المسلح” في سبعينيات القرن الماضي.
واقتحم الاحتلال منزلهم عدة مرات، وفرض عليهم منعا أمنيا وقيَّد حركتهم على المعابر والجسور وحتى حريتهم داخل وطنهم.
ورغم ذلك كله، فإن استشهاد “كامل الثاني” أحيا سيرة “كامل الأول” وضجت مواقع التواصل الاجتماعي مذكرة به، ووضعت صورته خلفية على ملصق الشهيد الثاني، وحمل ملصق آخر صورة الشهيدين معا.
وكتب أسامة أبو عون -على صفحته عبر موقع فيسبوك- “فعلا في فلسطين، تسمّي الاسم مرتين، فتولد مرتين، وتستشهد مرتين!”
في حين خط جاد القدومي -على جداره الأزرق- قائلا “كامل عاش 18 عاما يحمل اسم أخيه كامل الذي استشهد عام 2003… من كامل علاونة 2003 إلى كامل علاونة 2022، حكاية عائلات كل ما حان وقت ثمن، دق الوطن بابهم”.
بين كامل الأول وكامل الثاني واستشهادهما تولد حكاية “كامل الثالث” (5 أعوام) وهو نجل الشاب إمام علاونة (شقيق الشهيدين الكاملين) الذي ودَّع عمه الشهيد وهو يبكي، لكنه سيظل يحمل اسمهما، في رسالة من العائلة للمحتل بأن “الشهيد حي فينا ما حيينا، ولن نُكسر” يختم معتز علاونة قائلا.