تيك توك.. كيف تحول إلى غول يهدد عرش فيسبوك؟ وهل حاول العملاق الأزرق القضاء عليه؟
لا جدال في أن فيسبوك أشهر مواقع التواصل الاجتماعي وأكثرها انتشارا، إذ يتجاوز عدد مستخدميه مليارين، لكن هذا “الوحش” لم يصل إلى هذه النقطة بسبب مزاياه فقط؛ ففي رحلة التفرد والسيطرة ابتلع معظم مواقع وتطبيقات التواصل المنافسة مثل إنستغرام وواتساب، أو احتوى بعضها مثل سناب شات.
لكن تطبيقا آخر للتواصل الاجتماعي صيني المنشأ، لم يكن بحسبان فيسبوك، ظهر من العدم وصعد كالصاروخ، ورغم كل محاولات فيسبوك للسيطرة عليه فإنه فشل في الحد من نمو تطبيق “تيك توك”، الذي يخشى فيسبوك أن يسحب البساط من تحت قدميه.
قصة تطبيقين
يعد تيك توك قصة تطبيقين وليس تطبيقا واحدا، لذا قبل الخوض في كيف أصبح هذا التطبيق يهدد فيسبوك علينا الاطلاع على تلك القصة:
في عام 2016، أطلقت شركة “بايت دانس” (ByteDance) الصينية -ومقرها بكين- تطبيق تواصل اجتماعي لمشاركة الفيديو يدعى “دوين” (Douyin)، وهذا التطبيق لا يزال موجودا على نحو منفصل في الصين، وأُطلق على النسخة الدولية منه “تيك توك” عندما طُرح عام 2017.
في الأثناء، كان معظم مستخدمي تيك توك الغربيين يتابعون في الأساس خدمة التواصل الاجتماعي “ميوزيكال.لي” (Musical.ly) التي طُرحت عام 2014، وهي خدمة تواصل اجتماعي صينية مقرها شانغهاي، وتملك مكتبا أميركيا في سانتا مونيكا بكاليفورنيا.
وكانت هذه المنصة تتيح للمستخدمين صنع ومشاركة فيديوهات قصيرة (من 15 ثانية إلى دقيقة)، تقوم على مزامنة الشفاه مع فيديوهات موسيقية، ويختار المستخدم الموسيقى المصاحبة والسرعة التي يريدها (مثل: بطيء، وعادي، وسريع… إلخ)، وإضافة المرشحات والمؤثرات التي يحبها.
وبحلول نهاية مايو/أيار 2017، كانت تلك الخدمة تملك أكثر من 200 مليون مستخدم، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام استحوذت بايت دانس على ميوزيكال.لي ثم دمجتها في تيك توك في أغسطس/آب 2018، وفي الوقت نفسه تحول اسم ميوزيكال.لي إلى تيك توك.
وبسبب القاعدة الكبيرة من المستخدمين التي انطلق منها تيك توك، فإنه أصبح شعبيا بدرجة استثنائية، خاصة بين جيل الألفية الأصغر (الذين ولدوا في الفترة بين 1981 و1996) والجيل “زد” (مواليد منتصف عقد التسعينيات إلى نهاية عقد الألفين).
1.1 مليار مستخدم
يمتلك تيك توك -وفقا لإحصاء في يناير/كانون الثاني 2022- أكثر من 1.1 مليار مستخدم نشط شهريا، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.8 مليار مستخدم بحلول نهاية هذا العام، وفقا لموقع “بيزينس أوف آبس” (business of apps).
وعلى سبيل المقارنة، يملك فيسبوك (تأسس سنة 2004) 2.9 مليار مستخدم نشط شهريا، ويوتيوب (تأسس سنة 2005) 2.2 مليار، وإنستغرام (تأسس سنة 2010) 1.4 مليار، وسناب شات (أطلق سنة 2011) 500 مليون، وبنتريست (تأسس سنة 2009) 480 مليونا، وتويتر (تأسس سنة 2006) 397 مليونا.
فتيك توك -الذي طُرح بعد سناب شات بـ6 سنوات- يملك ضعف عدد مستخدميه النشطين شهريا، كما أنه أحدث من تويتر بـ11 سنة ويتفوق عليه في عدد المستخدمين النشطين شهريا بأميال، وهو يقترب من القفز فوق إنستغرام ليصبح ثالث أكثر خدمات التواصل الاجتماعي من حيث عدد المستخدمين النشطين شهريا.
لكن ما دام أن الفارق بينه وبين فيسبوك في عدد المستخدمين النشطين شهريا كبير جدا فلماذا تخشاه فيسبوك؟ وكيف له أن يتفوق عليها؟
دقائق الاستخدام
تقول الإحصاءات –حسب موقع ستاتيستا (Statista)- إن مستخدمي تيك توك كانوا يمضون أكثر من 960 دقيقة شهريا في التطبيق عام 2021 بمعدل 32 دقيقة يوميا، فكيف نقارن هذه الأرقام مع فيسبوك وغيرها من خدمات التواصل الاجتماعي؟
حسب الإحصاءات، فإنه في 2021 كان مستخدمو فيسبوك يمضون 33 دقيقة يوميا على المنصة، بإجمالي 990 دقيقة شهريا، وهذه نتيجة مرعبة لفيسبوك، إذ إن الفارق بينهما ضئيل جدا، لكن ليس هذا ما يرعب فيسبوك فقط!
فحسب الأرقام المتراكمة، فإن الوقت الذي يمضيه المستخدمون على فيسبوك يتقلص شيئا فشيئا، وتُظهر الإحصاءات حول معدل الوقت الذي يمضيه المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي في 2020 أن الجيل الأصغر حوّل اهتمامه إلى وسائل تواصل اجتماعي أخرى غير فيسبوك، وأن تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام ستصبح المفضلة لدى “الجيل زد” في السنوات المقبلة.
وفوق كل ذلك، خسر فيسبوك 15 مليون مستخدم منذ عام 2017. وفي ذلك العام كان معدل الوقت الذي يمضيه المستخدمون على فيسبوك يبلغ 39 دقيقة يوميا، وفي عام 2018 انخفض إلى 36 دقيقة، ثم انخفض إلى 33 دقيقة في 2019، قبل أن يصعد إلى 35 في 2020، ثم ينخفض مرة أخرى إلى 33 دقيقة في 2021.
في المقابل، فإن مستخدمي تيك توك كانوا بعد أول سنة من انطلاقه -أي عام 2018- يمضون فيه 22 دقيقة يوميا، وفي عام 2019 أصبحوا يمضون 25 دقيقة يوميا، ثم قفز عدد الدقائق إلى 35 دقيقة في 2020، قبل أن ينخفض في 2021 (مثل معظم تطبيقات التواصل الاجتماعي) إلى 31 دقيقة يوميا.
وتعني تلك الأرقام أنه حتى لو كان فيسبوك يتمتع بأكبر قاعدة من المستخدمين فإن الوقت الذي يمضيه هؤلاء المستخدمون على التطبيق ينكمش باستمرار على أساس سنوي لصالح تطبيقات أخرى، خاصة تيك توك.
كرة الثلج
تعلم فيسبوك أن تيك توك أصبح مثل كرة الثلج؛ فقد تدحرج ليصبح أكثر التطبيقات شعبية في أعوام 2019 و2020 و2021، إذ تم تنزيله 718 مليون مرة في 2019، و978 مليون مرة في 2020، وحتى مع تراجعه في 2021 نتيجة حظر الهند له فقد تم تنزيله 656 مليون مرة في ذلك العام، ومع ذلك فقد كان أكثر التطبيقات تنزيلا.
فعلى سبيل المقارنة، فإنه -وفقا لموقع “آبتوبيا” (Apptopia)- فقد تم في عام 2021 تنزيل تطبيق فيسبوك 416 مليون مرة، ليحل هذا التطبيق -صاحب أكبر قاعدة مستخدمين- في المرتبة الثالثة بعد إنستغرام الذي حل ثانيا في عدد مرات التنزيل في 2021، بـ545 مليون مرة.
ورغم أنه أطلق عام 2017، فإن تيك توك كان سابع أكثر التطبيقات تنزيلا خلال العقد الثاني من القرن الحالي، وتم تنزيله على مدى عمره أكثر من ملياري مرة عبر متجري غوغل بلاي وآب ستور؛ ولهذا فإنه يعد منافسا حقيقيا لإزاحة فيسبوك عن عرش شبكات التواصل الاجتماعي.
لماذا يحب المستخدمون تيك توك؟
تقوم خدمة تيك توك على مشاركة مقاطع فيديو صغيرة، مع تطبيق عدد من المؤثرات والمرشحات عليها تجعلها طريفة، لكن ما المميز في ذلك مقارنة بفيسبوك؟
يتميز تطبيق تيك توك بسهولة الاستخدام، ويتيح للمستخدم تمرير ما لا يعجبه بعيدا، وهو يملك خوارزمية تتكيف بسرعة مع ما يريد المستخدم رؤيته، ويحدث هذا فعليا في أقل من 5 دقائق، وفقا لموقع “إنك دوت كوم” (inc.com)، وهذا بالطبع نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يحاول فيسبوك أيضا القيام به، لكن عندما يتعلق الأمر بفعاليته فتيك توك يتفوق كثيرا على فيسبوك.
علاوة على ذلك، فإن فيسبوك مليء أيضا بالإعلانات، ورغم أنها ليست مزعجة أو بغيضة مثل إعلانات يوتيوب، فإنها تطفوا على شاشة الهاتف وتتنافس لجذب انتباه المستخدم، أما تيك توك فهو لا يجبر المستخدمين على مشاهدة الإعلانات ويتيح لهم التعامل معها كما يتعاملون مع المحتوى، فإذا لم تكن مستمتعا بما تشاهده في غضون جزء من الثانية، فما عليك سوى تمرير الإعلان بعيدا.
محاولات رسمية لكبح تيك توك
الصعود الكبير لتيك توك وإقبال الشباب والمراهقين عليه لفت الأنظار إليه، وبدأت بعض الدول محاولات حظره لأسباب مختلفة.
ففي 2019، حُظر التطبيق في الهند وباكستان لأسباب “أخلاقية”، قبل أن تعيدا السماح به، ثم عادت الهند وحظرته مرة أخرى في يونيو/حزيران 2020، إلى جانب مجموعة من التطبيقات الصينية كرد فعل على تصاعد التوتر بين الهند والصين، قبل أن يصبح الحظر دائما في يناير/كانون الأول 2021.
وفي الولايات المتحدة، حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020 حظر تيك توك بذريعة أنه قد يستخدم لجمع معلومات شخصية عن مستخدميه الأميركيين لصالح الصين، ورأى أنه يمثل تهديدا للأمن الوطني، وأصدر قرارا بمنع التنزيلات الجديدة للتطبيق، لكن في النهاية تم تجميد محاولات ترامب بوصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة.
أما أحدث محاولات القضاء على تيك توك فجاءت في الأول من يوليو/تموز الجاري، عندما حثّ مفوض لجنة الاتصالات الفدرالية الأميركية (FCC) الجمهوري بريندن كار شركتي آبل وغوغل على حظر تطبيق تيك توك من متجري تطبيقاتهما، مبينا أنه “ذئب في رداء حمل”، إذ إنه يجمع بيانات حساسة عن مستخدميه في الولايات المتحدة والتي يمكن الوصول إليها في بكين.
وطلب المفوض من آبل وغوغل إزالة تيك توك من متجري تطبيقاتهما بحلول الثامن من يوليو/تموز الحالي، وفي حال عدم تنفيذ ذلك عليهما تبرير الأسباب مع توضيح لماذا لم يمتثلا لطلبه بحلول 24 يوليو/تموز الجاري.
واستند كار في اتهاماته إلى اعتراف تيك توك -حسب تقرير لموقع “بلومبيرغ” (Bloomberg) بأن بعض موظفي الشركة خارج الولايات المتحدة يمكنهم الوصول إلى معلومات عن المستخدمين الأميركيين. وذلك في رسالة وجهها رئيسه التنفيذي شو زي شو إلى 9 أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي استجابة لعدة تساؤلات طرحها الأعضاء على الشركة، لكنه أكد “أنه لا تتم مشاركة أي من هذه المعلومات مع الحكومة الصينية، وهي تخضع لضوابط قوية وبروتوكولات حماية”.
فيسبوك تسعى للقضاء على تيك توك
شعرت شركة فيسبوك (التابعة للشركة الأم “ميتا”) بخطر تيك تكوك منذ انطلاقه، فبدأت محاولاتها للقضاء عليه أو حتى كبح جماحه.
ففي عام 2020، دفعت “ميتا” لواحدة من أكبر شركات الاستشارة في الولايات المتحدة لتنظيم حملة على المستوى الوطني من أجل قلب الناس ضد تيك توك عبر نشر مقالات رأي ورسائل إلى المحررين في المنافذ الإخبارية الرئيسية في البلاد، والترويج لقصص مشكوك فيها حول توجهات تيك توك المزعومة، التي نشأت بالفعل على فيسبوك، ودفْع الصحفيين السياسيين والسياسيين المحليين لمساعدتها في القضاء على هذا التطبيق الذي غدا بين ليلة وضحاها أكبر منافس لها.
ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) -التي حصلت على معلومات عن تلك الحملة من رسائل بريد إلكتروني داخلية تسربت إليها- فإن موظفين في شركة “تارغيتد فيكتوري” (Targeted Victory) سعوا إلى تقويض تيك توك عبر حملة إعلامية وحملات ضغط على مستوى البلاد تصور التطبيق سريع النمو على أنه خطر على الأطفال والمجتمع الأميركي.
الخطوة الأخرى الرئيسية في إستراتيجية ميتا الدفاعية لمحاربة تيك توك استندت إلى محاولة “تدمير” الخصم بمحاكاة أبرز خصائصه في تطبيقاتها؛ فطرحت في أغسطس/آب 2020 ميزة “ريلز” (Reels) التي تتيح مشاركة فيديوهات قصيرة في تطبيقي إنستغرام وفيسبوك.
وبدأت الشركة الدفع لمنشئي المحتوى مقابل ما ينشرونه على “ريلز”، كما يفعل تطبيق يوتيوب، في محاولة لاستقطاب مشاهير المؤثرين في مواقع التواصل، وبالتالي زيادة عدد المستخدمين والمشاهدات، لكبح خطورة تيك توك الذي لا يدفع -حتى الآن- كثيرا للناشرين في منصته.
فهل تنجح فيسبوك في تهميش تيك توك أو القضاء عليه، أو أنها معركة خاسرة منذ بدايتها بعد أن أصبح كثيرون ينظرون إلى فيسبوك على أنه “موضة قديمة” ولا يجاري روح العصر؟