من تقليد تشرشل إلى مصير ترامب.. هذه أخطاء جونسون القاتلة التي نقلته من المجد السياسي إلى القاع
لندن- نجح رئيس الوزراء البريطاني في صنع صورة خاصة عنه، جعلت شهرته تتعدى المملكة المتحدة إلى دول العالم، فهو حالة جديرة بالمتابعة والاهتمام، بشعره المبعثر على الدوام وتصريحاته المثيرة التي تخلق الجدل.
وتصادف صعود نجم بوريس جونسون مع وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، مما جعل كثيرين يصفون جونسون بأنه النسخة المصغرة لترامب، لولا أن هناك اختلافات جوهرية بين الرجلين، وإن كان كلاهما ينهلان من المدرسة الشعبوية.
فجونسون ابن أصيل للسياسة البريطانية عركها وعركته جيدا، وهو صاحب قلم قوي تشهد به مقالاته التي كان يكتبها قبل وصوله لرئاسة الوزراء، وتدرج في المناصب السياسية إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، يعني أنه ليس حالة طارئة على السياسة في بريطانيا كما هو الحال بالنسبة لدونالد ترامب.
في المقابل، فإن وجه الشبه بين الرجلين هو رفض الإقرار بالهزيمة، فجونسون الذي انهارت حكومته وحقق رقما قياسيا في أعداد المسؤولين المستقيلين خلال أيام معدودة، يرفض الاستقالة حتى آخر لحظة ويقول إنه حصل على أصوات 14 مليون بريطاني في انتخابات 2019، وهو الرقم الذي لم يحصل عليه أي زعيم قبله ولهذا فهو لن يستقيل.
ولم ينجح جونسون في الحفاظ على مجد سياسي بناه في سنوات، بل إن 3 سنوات في رئاسة الوزراء كانت كافية لتحويل مساره من حلم تقليد زعيم البريطانيين الأوحد وينستون تشرشل، إلى سياسي معزول ومستقيل من رئاسة الوزراء.
ومر بوريس جونسون بالكثير من المحطات التي نقلته من قمة المجد السياسي إلى القاع الذي أدى لإخراجه من المشهد السياسي البريطاني.
نقاط القوة
أسس جونسون شرعيته السياسية على 3 محطات أساسية، أولها هي الحملة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ونجاحه في إقناع البريطانيين بالتصويت للخروج من التكتل الأوروبي، وحينها كان يوصف بأنه عراب البريكست والقادر على التأثير على الرأي العام.
أما المحطة الثانية فكانت بعد استقالته من منصب وزير الخارجية في حكومة تيريزا ماي، وشنه حملة شرسة لإسقاط ماي من منصبها، وبعدها الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها سنة 2019، وهي الحملة التي سيقودها جونسون أيضا ويفوز فيها حزب المحافظين بأغلبية تاريخية وغير مسبوقة، وفي هذه المرحلة سيظهر جونسون كأنه الزعيم الأوحد في البلاد وصاحب الشعبية الطاغية ويجر خلفه أغلبية برلمانية تمرر له ما يشاء من قوانين دون عناء يذكر.
وفي ملف كورونا، وبعد نجاح بريطانيا في تصنيع لقاح “أوكسفورد”، ودخولها في عملية تلقيح المواطنين لتكون أول بلد في العالم تطلق عملية تلقيح واسعة بينما كانت بقية الدول الأوروبي تعاني الأمرين للحصول على جرعات كافية من اللقاح، حينها شبه البعض ما حدث بأنه انتصار يضاهي انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، وذهب البعض لتشبيه جونسون برئيس الوزراء البريطاني الأشهر وينستون تشرشل.
ورطة البريكست ولعنة كورونا
ولعل ما كان من أسباب صعود جونسون سيكون أحد أسباب زعزعة الثقة فيه، ويتعلق الأمر بملف البريكست والذي ما زالت المملكة المتحدة لم تخرج من دوامته بعد 5 سنوات من الاستفتاء، بل تحول إلى ملف حارق يهدد وحدة المملكة، بسبب ورطة القضية الأيرلندية.
وتراجعت الاستثمارات الأجنبية في البلاد وكذلك التجارة الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أزمة حادة في العمال، التي كانت إحدى مظاهرها أزمة الوقود بسبب نقص سائقي الشاحنات الكبرى، مما اضطر البريطانيين للوقوف في طوابير للحصول على الوقود.
كل هذا غير من المزاج الشعبي تجاه البريكست، حيث تراجعت نسبة تأييد البريكست إلى 37% فقط سنة 2022، بينما زاد تأييد البقاء في الاتحاد الأوروبي إلى 53%، وتحول البريكست من نعمة إلى نقمة.
وبينما كان بوريس جونسون يوجه خطاباته الصادمة للبريطانيين والعالم حول وباء كورونا، وبأن “كثيرين سيفقدون أحبابهم” بسبب الوباء، وبينما كان يحض الجميع على البقاء في منازلهم، تبين أن الرجل لم يكن يحرم نفسه من تنظيم حفلات في مقر رئاسة الوزراء.
وأظهرت عدة تسريبات أن جونسون نظم عددا من الحفلات رفقة موظفيه داخل مقر عمله الرسمي، في الفضيحة التي باتت معروفة بـ”بارتي غايت”، بينما كان البريطانيون يعيشون تحت إغلاق صارم.
وفي البداية نفى جونسون علمه أو مشاركته في هذه الحفلات، قبل أن يتم تسريب صور له وهو يشارك فيها، وبعد تقرير للجنة تقصي حقائق قامت الشرطة بتغريم جونسون لخرقه قواعد الحجر الصحي، وحينها تزايدت المطالب باستقالة جونسون.
أموال مشبوهة ومحاباة
بعد قرار بوريس جونسون إحداث تعديلات وتجديدات في شقته في مقر رئاسة الوزراء وتغيير ألوان الجدران ووضع ورق مطلي بماء الذهب، أثارت هذه التجديدات التساؤلات عن مصدر التمويل، في البداية قال جونسون إنه هو من تكفل بهذه الإصلاحات، قبل أن يحرجه كبير مستشاريه السابقين دومنيك كامينغز الذي أكد أن جونسون حصل على تبرعات سرية، ويرفض الإفصاح عن هوية صاحبها، وهو أمر مناف للقوانين.
وبعد التحقيق في الأمر تبين بالفعل أن جونسون قد أساء استعمال أموال التبرعات، وبأنه لم يكن صادقا عندما قال إنه هو من تكفل بأموال هذه التبرعات.
لم يدخر بوريس جونسون جهدا في الدفاع عن أصدقائه الذي تورطوا في أخطاء مهنية وأخلاقية، كما حدث مع النائب المحافظ أوين باترسون الذي تورط في الحصول على أموال مقابل القيام بأنشطة ضغط لصالح شركات خاصة في البرلمان، ورغم إدانته من قبل لجنة برلمانية فإن جونسون وجه نواب الحزب لدعمه ومنع إقالته، إلا أن الغضب السياسي والشعبي دفع باترسون للاستقالة رغم دفاع جونسون المستميت عنه.
وصولا لقضية كريس بينشر الذي عينه جونسون نائبا لرئيس لجنة الانضباط في حزب المحافظين، رغم علم جونسون أن بينشر متورط في فضائح أخلاقية منذ 2017، وقدم جونسون تصريحات كاذبة بأنه لم يكن يعلم بأخطاء بينشر عند تعيينه، قبل أن يتبين أنه كان على علم بها جميعا، وقام بالتغطية على صديقه، وهي القضية التي أفاضت الكأس وجعلت الوزراء والمسؤولين يستقيلون الواحد تلو الآخر من حكومة جونسون، وأدت لإسقاطه من الحكومة.