يعتقد علماء أن القدرة على التحكم في الأحلام، وهي مهارة يسعى كثير من الناس لاكتسابها من أجل المتعة المطلقة، قد تكشف -إذا أُخذت على محمل الجد- عن أسرار جديدة لم تكن معروفة من قبل عن العقل البشري.
ويقول الكاتب البريطاني ديفيد روبسون، في تقرير نشرته صحيفة الغارديان (The Guardian) البريطانية، إن هناك حاليا مجتمعا مزدهرا في الفضاء الافتراضي لكثير من الأشخاص الذين يحاولون تعلم كيفية التحكم في أحلامهم وجعلها أكثر وضوحا، وعلى سبيل المثال فإن إحدى المدونات المخصصة لهذه الظاهرة تضم أكثر من 400 ألف شخص.
ويؤكد روبسون الذي ألف كتابا حديثا بعنوان “تأثير التوقع: كيف يمكن لطريقة تفكيرك أن تغير حياتك؟”، أن كثيرا من هؤلاء يبحثون بكل بساطة عن المتعة إذ إنه “لأمر مثير للغاية ولا يصدق فعلا أن تكون في حلم واضح، وأن تتابع عقلك وهو يخلق هذه المحاكاة الحية بشكل كامل”، وفق تعبير ميشيل كار الباحثة الأميركية المتخصصة في النوم بجامعة روتشستر بولاية نيويورك.
ويأمل آخرون أن تؤدي ممارسة مهارات التحكم في أحلامهم إلى زيادة قدراتهم في الحياة الواقعية، حيث “يستخدم كثير من الرياضيين من النخبة الأحلام الواضحة لممارسة رياضتهم”.
كما أن هناك أسبابا أكثر عمقا لاستغلال حالة النوم هذه من مجرد تطوير القدرات الشخصية -يضيف روبسون- فيأمل علماء النفس والجهاز العصبي الإجابة عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بطبيعة الوعي البشري، بما في ذلك قدرتنا الفريدة من نوعها كما يبدو على الوعي الذاتي، من خلال تحديد نشاط الدماغ الذي يؤدي إلى زيادة الوعي والإحساس بالقدرة على التحكم في الأحلام الواضحة.
وقد تنامى هذا الاهتمام بالأحلام الواضحة بشكل غير منتظم منذ أكثر من قرن، ورغم أن سيغموند فرويد كان مفتونا بالتفاعل بين العقل الواعي والعقل الباطن، فإنه لم يكد يتطرق إلى موضوع الأحلام الواعية في كتاباته، وكانت الكاتبة الأرستقراطية الإنجليزية ماري أرنولد فورستر هي التي قدمت أحد أقدم الأوصاف وأكثرها تفصيلا باللغة الإنجليزية لهذه المسألة في كتابها “دراسات في الأحلام” (Studies in Dreams).
واستعرض الكتاب الذي نشر عام 1921 عددا لا يحصى من المغامرات المتنوعة في مشهد الأحلام، بما في ذلك وصف ساحر لمحاولات الكاتبة الطيران خلال نومها، حيث ورد في الكتاب “حركة تجديف طفيفة بواسطة يدي تمكنني من زيادة سرعة الرحلة واستخدامها إما لأستطيع الارتقاء إلى ارتفاع أكبر أو لغرض التوجيه، خاصة عبر الممرات الضيقة مثل العبور من خلال بوابة أو نافذة”.
وبناء على تجاربها ذهبت أرنولد فورستر إلى أن البشر لديهم “وعي مزدوج”، أحدهما “الأنا الأول” (primary self) الذي يسمح للمرء بتحليل ظروفه وتطبيق المنطق على ما يمر به، لكنه عادة ما يكون غير نشط أثناء النوم فيتركنا بوعي الحلم الذي لا يمكن أن يعكس حالته الخاصة، أما في الأحلام الواعية فإن هذا الأنا الأول “يستيقظ” جالبا معه “الذكريات ومعرفة الحقائق وسلاسل التفكير”، فضلا عن الإدراك بأن المرء نائم.
ويرى روبسون أن العلماء اليوم قد يرفضون مصطلح “الوعي المزدوج” لكن معظمهم يتفقون على أن الأحلام الواضحة تنطوي على زيادة الوعي الذاتي والتفكير، وعلى إحساس أكبر بالقوة والإرادة والقدرة على التفكير في الماضي والمستقبل الأبعد، وهي عناصر تمثل معا تجربة عقلية مختلفة تماما عن الحالة السلبية النموذجية للأحلام غير الواضحة.