في عام 2003، وبعد أن علم أنه مُصاب بنوع نادر من سرطان البنكرياس، حاول ستيف جوبز، أحد مؤسسي شركة “آبل” (Apple)، معالجة نفسه باتباع نظام غذائي صارم يتكون من الفواكه والجزر فقط، بدلا من الجراحة التي أوصى بها الأطباء.
ورغم أنه تراجع عن ذلك في عام 2008، وبدأ دمج الأسماك والبروتينات في وجباته، بعد أن ساءت صحته وفقد كثيرا من وزنه، فإن السرطان كان قد انتشر في عظامه وأجزاء أخرى من جسده، وتوفي في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وفقا لما ذكره موقع “بزنس إنسايدر” (Business Insider).
ورغم أن الممثل الأميركي أشتون كوتشر تعرض لمخاطر صحية أدخلته المستشفى في عام 2013، بعد أن ألزم نفسه بحمية ستيف جوبز الغذائية شهرا كاملا، وهو يجسد شخصيته في فيلم السيرة الذاتية “جوبز” (Jobs)، فلا يزال بعض الناس، خصوصا المشاهير، يتبعون “حمية الفواكه” (Fruitarian Diet) التي تقتصر على الفاكهة بكل أشكالها، من دون أن يتوقعوا أنها قد تكلفهم أثمانا صحية باهظة.
مجموعات الفاكهة السبع
تشتهر الفواكه بخصائصها الصحية، لمساعدتها في الترطيب، ومحتواها العالي من مضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن، والألياف التي تُعزز الشبع وتدعم خسارة الوزن.
ويدور النظام الغذائي القاصر على الفاكهة فقط حول “مجموعات الفاكهة السبع”، وهي: الفواكه الحمضية (الحمضيات، والتوت البري، والأناناس)، والفواكه الأقل حمضية (الكرز الحلو، والتوت، والتين)، والفاكهة الحلوة (الموز، والعنب، والبطيخ)، والفواكه الزيتية (الأفوكادو، وجوز الهند، والزيتون)، والفواكه النباتية (الفلفل، والطماطم، والخيار، والقرع)، ثم المكسرات (البندق، والكاجو، واللوز، والفستق، والجوز)، وأخيرا البذور (عباد الشمس، والقرع).
وغالبا ما تُشكل الفاكهة النيئة من 50% إلى 75% من محتوى الوجبات، ولكن من يتبعون حمية فواكه صارمة قد يأكلون ما يبلغ 90% من الفاكهة النيئة، و10% من المكسرات والبذور.
وحسب اختصاصية التغذية المعتمدة كريسي كارول، فإنه على الرغم من الفوائد الغذائية لمعظم الفواكه، يبقى خطر الإصابة بسوء التغذية مرتفعا، بسبب استبعاد الأطعمة الصحية الغنية بالدهون والبروتينات، وذلك قد يؤدي إلى اختلال التوازن الغذائي، ويجعل خبراء الصحة والتغذية لا ينصحون به.
أضرار جسيمة
وتُنبه كارول إلى أن “معظم الدراسات التي أجريت على الفاكهة تُركز على الخصائص المضادة للأكسدة، أو بعض الفوائد الصحية الأخرى، من دون التركيز على الآثار الطويلة المدى، والعيوب الخطرة لهذا النظام”، وتحذر من أن “الادعاءات الصحية الداعمة لحمية الفواكه تأتي من مصادر قصصية، أو من أشخاص يتبعونها”.
ووفقا لخبيرة التغذية كيت باتون، يُعدّ نظام حمية الفواكه “أحد أكثر الأنظمة الغذائية تطرفا”، إذ يميل أنصاره -على نحو خاطئ- إلى الاعتقاد بأن البشر ليسوا من آكلي اللحوم، وأن جهازهم الهضمي مُصمم لهضم الفاكهة والخضراوات النيئة، لكن الخبراء يقولون “إن هذا ربما كان صحيحا، قبل أن يتطور جسم الإنسان”.
كذلك يقول دعاة حمية الفاكهة إنها “سبيل إلى النضارة”، ولها فوائد تشمل علاج السرطان والقضاء على الانتفاخ ورائحة الجسم، ويرد الخبراء بأنه “لا يوجد دليل قوي لدعم هذه الادعاءات”.
“ريجيم الفواكه” خطير إذن، وفقا للدكتور جيمس براون الأستاذ المشارك في كلية علوم الحياة والصحة بجامعة “أستون” البريطانية، وتكمن خطورته في أنه يبدو للوهلة الأولى مفيدا للصحة والاستدامة البيئية، ولكنه يحمل في طياته العديد من الأضرار الجسيمة، مثل:
الجوع
فمن دون توفر الحصص الآمنة من البروتين والدهون، “سيظل الجسم يتضوّر جوعا، ويُصبح عُرضة لمخاطر سوء التغذية، وحتى لو أضفت قليلا من المكسرات أو البذور إلى وجبات الفاكهة، فلن تشعر بالشبع وسيشعر جسمك بشيء غير مريح”، كما تقول كيت باتون.
الضعف
فالفاكهة فقيرة جدا بالبروتين الموجود في منتجات الألبان واللحوم والدواجن والبيض والأسماك. وحتى لو أضفنا إليها بعض المكسرات والبذور، فلن يكفي للحصول على البروتين اللازم لصحة الجسم، وبناء العضلات، والوقاية من ضعف جهاز المناعة، والعدوى والمرض، والضعف.
فقدان فيتامين “دي” (D)
وهو فيتامين مضاد للالتهابات، ويساعد في دعم نظام المناعة، كما أنه ضروري لصحة عظامنا وقوتها، ويوجد بشكل طبيعي “في الحليب والحبوب والأسماك الدهنية كالسلمون والماكريل والسردين”، حسب مايو كلينك. ولأن هذه الأطعمة محظورة تماما في ريجيم الفاكهة، فلا يمكن لأجسامنا امتصاص الكالسيوم والمغنيسيوم جيدا من دونها.
الهوس بالأطعمة الممنوعة
إن اختزال النظام الغذائي في الفاكهة “قد يؤدي إلى اضطراب الأكل، والرغبة إلى حد الهوس بكل طعام ممنوع كلوح الشوكولاتة على سبيل المثال”، كما يقول الدكتور جيمس براون.
فعندما يفتقر الجسم إلى العناصر الغذائية الضرورية، فإنه يُرسل رسائل قوية، للتعبير عن الحاجة إلى الأطعمة التي تحتوي على العناصر التي تنقصه.
اضطراب الهضم
“الفاكهة غنية بالكربوهيدرات المُعقدة التي تسهم في توفير البريبيوتيك، الضروري للهضم”، وفقا لموقع “مايو كلينك”. ولكن الجسم لا يستطيع امتصاصه من دون تناول العناصر الغذائية الأخرى، كما أن توفر الألياف والماء بكميات زائدة في الفاكهة “يمكن أن يزعج الجهاز الهضمي، ويمنع امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح”، كما تقول الخبيرة لورا لين فانينغ.
زيادة الوزن وتسوّس الأسنان
رغم الاعتقاد بأن تناول الفاكهة يُعدّ وسيلة فعالة لفقدان الوزن، فإن غناها بالسكريات يجعلها سببا في زيادة الوزن، فعندما يعجز الجسم عن تكسير السكر الزائد، يبدأ تخزينه في شكل دهون، بخاصة في منطقة البطن. كما يمكن أن تُسهم الفواكه الحمضية -خصوصا العصير- مثل البرتقال والليمون والغريب فروت، بالإضافة إلى العنب، في تسوس الأسنان؛ فيمكن للحمض أن يُتلف مينا الأسنان، ويجعلها عُرضة للتسوس.
تضرر الشعر والأظفار والبشرة
“الفاكهة مفيدة للبشرة، ولكن بشرط توازنها مع العناصر الغذائية الأخرى التي يحتاج إليها الجسم”، حسب نصيحة لين فانينغ. لكن الاكتفاء بها قد يحرمنا من فيتامينات “بي” (B) و”سي” (C)، والكالسيوم والحديد والزنك، وأحماض أوميغا الدهنية، وهي عناصر غذائية لها دور مهم في صحة الشعر والأظفار. فقد يتسبب ريجيم الفاكهة في “تساقط الشعر، وعدم نموه جيدا، وجعله يتقصف بسهولة”، والشيء نفسه ينطبق على الأظفار، وكذلك على البشرة التي “قد تصبح أقل نضارة، بسبب نقص الفيتامينات وانخفاض الكولاجين”.