الصراع الغربي الصيني على أفريقيا.. ماذا أعدّت دول مجموعة السبع؟
في وقت تُحَقّقُ فيه الصين نجاحات غير مسبوقة في أفريقيا مستفيدة من التراجع الغربي وحاجة القارة لما يمكن لبكين أن توفره بشروط يسيرة، تتوجس الولايات المتحدة وحلفاؤها من هذا التمدد المشفوع بأوراق قوة لا تتوفر لديها، مما دفعها للبحث عن تحالف عالمي يواجه الصين في أفريقيا على وجه الخصوص.
فما فرص مجموعة السبع في كبح تصاعد النفوذ الصيني في أفريقيا؟ وما إستراتيجياتها؟ وما مستوى الشراكة الاقتصادية لكلا الطرفين مع القارة؟
الشراكة الصينية الأفريقية
منذ الأزمة المالية في آسيا عام 1997، انتبهت الصين إلى أنها بحاجة لسياسة خارجية عالمية تتبنى الاندماج في الاقتصاد العالمي، وجعلت من أفريقيا جزءا أساسيا من هذه الخطة لتفادي مخاطر الاعتماد الاقتصادي الأحادي.
واعتمدت بكين في علاقاتها مع أفريقيا على اعتبارات تجارية، وانخرطت في الشراكة الاقتصادية معها منذ عام 2000، لتصبح عام 2013 أكبر شريك تجاري لها.
وتعود نجاحات الصين في أفريقيا إلى عدد من الأسباب، أهمها: الأسلوب الذي تقدم به الصين نفسها للقارة باعتبارها إحدى الدول النامية وليس لديها تاريخ استعماري، فضلا عن تجاوز الشروط الدولية التي يضعها الغرب في تقديم المساعدات والدخول في المشروعات المشتركة.
تطور الشراكة الاقتصادية بين الصين وأفريقيا
- أسست الصين 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وألغت ديون 31 دولة أفريقية بقيمة 1.27 مليار دولار.
- وقعت 46 دولة أفريقية على اتفاقيات تعاون مشترك مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
- تعمل في أفريقيا 3500 شركة صينية في مختلف المجالات، كما بلغت استثمارات الصين في البنية التحتية في القارة بين 2016 و2020 أكثر من 200 مليار دولار.
- وجّهت الصّين 45% من مساعداتها الخارجية بين 2013 و2015 للقارة الأفريقية في شكل منح، وقروض من دون فوائد، وقروض ميسرة 270 مليار يوان (42 مليار دولار).
- تدفق منذ 2005 ما يقرب من 300 مليار دولار من الصين إلى أفريقيا، كما زاد عدد الطلاب الأفارقة الدارسين في الصين 20 ضعفا منذ 2005.
- أنشأت الصين مع مجموعة “البريكس” بنكا عام 2014 في شنغهاي أطلقت عليه “بنك التنمية الجديد” ترافقه عبارة “لن يتدخل البنك في السياسة”، وتعتبره المجموعة قوة مضادة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ما مستوى الشراكة الأوروبية الأميركية مع أفريقيا؟
ما يؤكده المراقبون والباحثون في هذا المجال هو أن بواعث الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتقارب إلى حد كبير، وهي التصدي للصعود الصيني في أفريقيا مع انعدام تنسيق الجهود والمبادرات. ففي الوقت الذي اعتبر الاتحاد الأوروبي عام 2020 عام الشراكة مع أفريقيا، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصف الدول الأفريقية بأنها “دول القذارة” (Shithole countries).
هذا إضافة إلى التاريخ الاستعماري للدول الأوروبية الذي ورثته الولايات المتحدة الأميركية، بجعل الأنشطة العسكرية والأمنية هي الغالبة في علاقاتها مع أفريقيا مقارنة بالتعاون الاقتصادي الذي يأتي في مرتبة أقل.
وظلت سياسة الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة مجرد وعود وحسن نوايا لم يتم الوفاء بها، وقد تحرك الاتحاد الأوروبي بعد موجات اللجوء والهجرة في محاولات لتدارك الأمر، ووعد باستثمار 46 مليار دولار في أفريقيا.
وتبنت الولايات المتحدة الأميركية عددا من المبادرات المتعلقة بالمساعدات، على غرار ما عرف بإجماع واشنطن أو الشروط الدولية لتقديم المساعدات، وتلاه برنامج الفرص والنمو (AGOA) الذي يتصل مباشرة بالقلق من التحدي الصيني، وأخيرا مبادرة “أفريقيا مزدهرة”، لكن جميعها اصطدم بصخرة الشروط وانعدام التمويل وضعف الشراكة، علما بأن 18 دولة فقط من 39 دولة أفريقية وقّعت على قانون (AGOA) ودخلت حيز التطبيق.
تراجع الاستثمار الأميركي المباشر في أفريقيا إلى 47.5 مليار عام 2020، بعد أن بلغ 141 مليار دولار في 2008، وهو رقم متواضع مقارنة بالاستثمارات الصينية.
قدّمت واشنطن 592 مليون دولار مساعدات إنسانية لأفريقيا.
ما مبادرة مجموعة السبع؟
في ظل تفوّق الصين وتعميق شراكتها وتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي خططت لها في أفريقيا، وفي ظل تراجع قدرة الولايات المتحدة في التصدي لها منفردة، يحاول الغرب الاستناد إلى جدار مجموعة السبع في سبيل الظفر ولو بجزء من الكعكة في أفريقيا.
ومفاد مبادرة المجموعة هو السعي إلى جمع ما يقارب 600 مليار دولار بحلول عام 2027، لتقديم أفضل العروض للعالم من حيث الاستثمار في البنية التحتية. وستشكل أفريقيا جنوب الصحراء أولوية رئيسية للشراكة التي أطلقتها مجموعة السبع.
ورصدت الولايات المتحدة 200 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي 300 مليار دولار، على أن يُكمل باقي الأعضاء ما يتبقى من المشروع. وفي 2025 ستكون الصين قد رصدت 440 مليار دولارا، مما يعني أنها يمكن أن تتجاوز مشروع السبع لوحدها.
ويؤكد مراقبون على أن المشروع إذا وجد طريقه إلى التنفيذ فقد ينافس التنين الصيني، ولكن في ذات الوقت هناك تخوفات من تمكن المجموعة من الوفاء بهذه الالتزامات.
في هذا الشأن، تقول كمالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي “ندرك الأهمية الحاسمة لتعزيز علاقاتنا مع البلدان في جميع أنحاء أفريقيا، ولهذا سنعقد قمة قادة الولايات المتحدة وأميركا بين 13 و15 ديسمبر/كانون الأول القادم، وستظهر هذه القمة التزام أميركا الدائم تجاه أفريقيا”.
وتضيف هاريس أن الحواجز لا تزال قائمة، وأبرزها محدودية الوصول إلى رأس المال وارتفاع تكاليف التمويل والتعقيدات القانونية والتنظيمية، وهو دليل كاف على الاعتراف بالعجز أمام اكتساح الصين.
كيف تنظر أفريقيا إلى تنافس المشروعين؟
يرى مراقبون أن الكثير من الدول الأفريقية ستأخذ المساعدات والأموال من أي طرف، كما يرغب القادة في أفريقيا في تخفيف الشروط على المساعدات، وهو ما يتوفر مع الصين التي تقدم الأموال أكثر من غيرها مع حرصها على تيسير القروض والإعفاء من جزء منها عند الضرورة.