قضايا التجسس الاقتصادي تزايدت مع انتشار الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات في عمل الشركات (شترستوك)

قضايا التجسس الاقتصادي تزايدت مع انتشار الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات في عمل الشركات (شترستوك)

يعدّ التجسس الاقتصادي من المخاطر التي تولي الشركات والحكومات اهتماما كبيرا لمحاربتها، لما يترتب عليها من تهديد للاستقرار والتطور الاقتصادي.

وضاعفت الثورة الرقمية والاعتماد الكلي على الاتصالات الرقمية من تشديد الشركات والمسؤولين على الحفاظ على الأسرار التجارية من السطو والسرقة، كما سهّلت أيضا على المتسللين والقراصنة سبل الوصول إلى المعطيات والأسرار الخاصة بالشركات والمؤسسات الاقتصادية.

 

المفهوم

يقصد بالتجسس الاقتصادي (يسمى كذلك التجسس الصناعي) سرقة الأسرار التجارية بهدف الحصول على معلومات حساسة لتحقيق ميزة تنافسية ومنفعة تجارية، أو تحطيم الخصم وإرباكه وإلحاق الخسائر به.

يمكن أن يحدث التجسس الاقتصادي من خلال التعاون مع شخص من داخل الشركة أو المؤسسة المراد اختراقها، أو من خلال استغلال الثغرات الأمنية التي عادة ما تكون في الأنظمة المعلوماتية المستخدمة في أعمال الشركات والمؤسسات الاقتصادية.

 

الدوافع والأسباب والعوامل

دفعت الثورة التكنولوجية -خاصة في القرن 21- معظم الشركات والمؤسسات في العالم إلى الاعتماد شبه الكلي على الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات في تسيير أعمالها وبرامجها، ووضع خططها وإستراتيجيتها.

ويحرص المتسللون على تطوير مهاراتهم باستمرار، ويعملون على استحداث برامج جديدة للتجسس، مما يؤدي إلى تضاعف الهجمات الإلكترونية من قبل الأطراف المنافسة، وأحيانا من وكلاء حكومات أجنبية.

وتلجأ بعض الشركات إلى التجسس الاقتصادي لسرقة المعلومات والتصاميم والبرامج والمنتجات، وتوفير الجهد وتقليل التكلفة وربح الوقت في طرح الخدمات والمنتجات الجديدة، عوض إنفاق سنوات طويلة وأموال طائلة في التطوير والإعداد.

كما أن التجسس الاقتصادي قد يكون الهدف منه هو التشويش على المنافسين، وإرباك برامجهم وخططهم، وإلحاق الخسارة بمنتجاتهم.

تقنيات التجسس الاقتصادي

تتنوع الطرق والتقنيات التي يستخدمها المتجسسون للسرقة التجارية، بحسب الظروف والأوضاع والأهداف المراد تحقيقها.

فقد يتم هذا التجسس عبر تجنيد أشخاص من داخل الشركة المنافسة يسرّبون أسرارها ومعلوماتها، وربما يصل الأمر إلى قيامهم بسرقة بعض أجهزتها وتجهيزاتها، أو إلى زرع برامج تجسس في أجهزة الشركة وشبكاتها.

وقد يتم التجسس أيضا عن بعد بزرع برمجيات خبيثة في أجهزة الحاسوب عبر رسائل إلكترونية، من أجل جمع المعلومات وأسماء المستخدمين وكلمات المرور، أو لتدمير برامج عمل الشركة التي وقع عليها التجسس وقاعدة معلوماتها.

 

بعض أشهر حالات التجسس الاقتصادي

لم تخل العصور المختلفة من قضايا تجسس اقتصادي وتجاري، سواء كان ذلك في إطار تنافسي بحت بين الشركات، أو بدافع الصراع السياسي بين الدول، وفي ما يلي نماذج من التاريخ:

  • حطم البيزنطيون الاحتكار الصيني عندما بعث الإمبراطور جاستنيان رهبانا إلى الصين لمعرفة سرّ الحرير، فعادوا وبرفقتهم دودة القز مخبأة في أمتعتهم.
  • كما أنشأ مهاجر إنجليزي يدعى صمويل سلاتر مصنعا يعدّ الأول من نوعه للنسيج يعمل بالماء في أميركا، من خلال الاعتماد على تقنيات من بلده، وقد جرّمه القضاء البريطاني وأصدر في حقه عقوبة الإعدام لسرقته أسرارا تجارية، ووصفه الإنجليز بـ”سلاتر الخائن”.
  • نظمت شركة “أمتورغ” (Amtorg Trading Corp) السوفياتية زيارات إلى الولايات المتحدة لعقد صفقة تجارية مع مصانع “فورد” (Ford Motor Co)، وتم استغلال هذه الزيارات لسرقة مخططات وأجزاء من جرار فوردسون.
  • بين عامي 1987-1989، اكتشف مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) في الولايات المتحدة الأميركية أن المخابرات الفرنسية تجسست على عدد من شركات الإلكترونيات الأميركية، مثل “آي  بي إم” (IBM) و”تكساس إنسترومنت” (Texas Instruments) لصالح شركة الحاسوب الفرنسية (Compagnie des Machines Bull) المملوكة للدولة، وقد تباينت أساليبها بين المراقبة الإلكترونية ومحاولة تجنيد أفراد ساخطين على الشركات الأميركية.
  • على عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على واردات السيارات اليابانية الفاخرة، وفي الوقت نفسه كان ضباط وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” (CIA) يوظفون أحدث تقنيات التنصت على المديرين التنفيذيين لشركتي تويوتا ونيسان اليابانيتين، لنقل أسرارهما إلى شركات أميركية.
  • في عام 1993، غرّمت شركة فولكس فاغن 100 مليون دولار بعد سرقتها أسرارا تجارية من شركة جنرال موتورز.
  • في عام 2004، اخترق قراصنة في مدينة شنغهاي يعملون لصالح شركة هواوي الصينية شبكة “نورتل” الكندية للاتصالات.
  • في عام 2014، اتهمت الحكومة الأميركية كوريا الشمالية بالوقوف وراء هجوم إلكتروني للتجسس على أستوديو “سوني” في هوليود، وهي اتهامات نفتها بيونغ يانغ.
  • في فبراير/شباط 2018، نشرت وسائل إعلام غربية معلومات تفيد بأن جهات في كوريا الشمالية متهمة باختراق شركة أوراسكوم (Orascom) المصرية للاتصالات، التي كان لها تعاون مع شركة “كوريولينك” للاتصالات.
  • في نهاية عام 2019، اتهمت شركة صناعة السيارات الألمانية “بي إم دبليو” (BMW) قراصنة فيتناميين بمحاولة اختراق شبكاتها، وأبلغت هيونداي (Hyundai) وتويوتا (TOYOTA) عن أنشطة مماثلة.
  • في عام 2020، فرضت محكمة تايوانية غرامة على “الشركة المتحدة للإلكترونيات الدقيقة” (يو إم سي) (UMC) بمبلغ 36 مليون دولار، بعد أن اتهمتها شركة “ميكرون تكنولوجي” (Micron Technology) الأميركية لصناعة الرقائق بسرقة أسرار تجارية استفادت منها شركة “فوجيان جينهوا” (Fujian Jinhua) المملوكة للحكومة الصينية.
  • في فبراير/شباط 2021، اتهمت السويد أحد مواطنيها -وهو مستشار تقني- بتمرير أسرار تجارية، منها شفرات خاصة بشركتي “سكانيا” (scania) و”فولفو” (volvo)، إلى دبلوماسي روسي مقابل عدة آلاف من الدولارات.
  • في تقرير نشر في 2 مارس/آذار 2021، يقول موقع ستراتفور -المعروف باهتمامه بموضوع التجسس وعمل الاستخبارات- إنه اعتبارا من عام 2018، خصصت الصين 72 مليار دولار لتحقيق أهداف خطة “صنع في الصين 2025″، لدعم قطاع صناعة أشباه الموصلات. وبحسب الموقع المذكور، يرتكز جزء من الخطة على توظيف المهندسين التايوانيين، مع تقديم حوافز مالية ومكافآت لمن يجلب تقنيات جديدة من شركات منافسة.
استهداف قاعدة بيانات الشركات والسطو عليها من أساليب التجسس الاقتصادي (غيتي إيميجز)

قوانين وعقوبات

هناك بعض الإجراءات والقوانين الدولية التي تهدف لكبح ممارسات التجسس الاقتصادي، منها ما نصّ عليه قانون التجارة الدولي من حماية للأسرار التجارية، أو ما نصت عليه اتفاقية “تريبس” التي تحث أعضاء منظمة التجارة العالمية على حماية حقوق الملكية الفكرية والمعلومات السرية ذات القيمة التجارية.

وتتيح هذه الاتفاقية تطبيق العقوبات الجنائية في حالة التعدي على حقوق الملكية الفكرية، خاصة عند تعمّد ارتكابها على نطاق تجاري.

كما أنشأت لجنة القانون الموحد (ULC) -وهي منظمة أميركية غير ربحية- قانون الأسرار التجارية الموحد (UTSA) الذي يحدد الأسرار التجارية والادعاءات المتعلقة بها، واعتمدته 47 ولاية أميركية ومقاطعة كولومبيا.

وفي عام 1996، وقّع الرئيس الأميركي بيل كلينتون على قانون التجسس الاقتصادي الذي يهدف إلى حماية مصالح ومعلومات وبيانات الشركات الأميركية، في ظل وجود عدد من الكيانات الأجنبية التي تسعى إلى سرقة الأسرار التجارية.

ويجرّم هذا القانون سرقة الأسرار التجارية بهدف إفادة أي حكومة أو وسيلة أو وكيل أجنبي، ويعاقب على مثل هذه الجرائم بغرامة تصل إلى 500 ألف دولار، أو بالسجن 15 سنة، أو بالعقوبتين معا.

وينصّ القانون أيضا على تغريم اللصوص الذين يسرقون الأسرار التجارية لتحقيق مكاسبهم الخاصة، أو سجنهم 10 سنوات، كما يعاقب القانون الشركات التي تختلس الأسرار التجارية بغرامة مقدارها 5 ملايين دولار في حال قامت بذلك لتحقيق مكاسبها الخاصة، وبـ10 ملايين دولار إذا كان ذلك لصالح حكومة أجنبية.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *