القاهرة – أصدر مجلس الوزراء المصري قرارا بشأن ضوابط التصوير الشخصي بالأماكن العامة، ورغم ما يتضمنه القرار من بنود يرى البعض أنها تمثل انفراجة في استخدام كافة أنواع الكاميرات، فإنه اشتمل على محاذير تبعث المخاوف حول حرية التصوير بالبلاد، وفق ما أكده مختصون.
وسمح القرار الحكومي الصادر الاثنين الماضي، بالتصوير الشخصي للمصريين والأجانب المقيمين والسائحين في الأماكن العامة بدون اشتراط الحصول على تصاريح أو سداد رسوم، وذلك باستخدام كافة أنواع كاميرات التصوير.
في المقابل اشترط القرار الحصول على تصريح مسبق لتصوير الأراضي والمنشآت والمعدات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية والجهات السيادية والأمنية والقضائية والمجالس النيابية، بالإضافة إلى الوزارات والمصالح الحكومية.
كما أوجب الحصول على تصريح لاستخدام المعدات الاحترافية مثل وسائل الإضاءة الصناعية أو التي من شأنها إشغال الطرق العامة، وفق القواعد المنظمة الجديدة.
وحظر القرار تصوير أو نشر أي صور أو مشاهد تسيء للبلاد أو للمواطنين أو المخلة بالآداب العامة، بالإضافة إلى عدم تصوير الأطفال، أو تصوير ونشر صور المواطنين بدون موافقة كتابية منهم.
قوانين متعارضة
ويبدو القرار الحكومي الأخير وما يتضمنه من محظورات تجعل التصوير بالأماكن العامة انتقائيا لما لا يسيء للبلاد، متعارضا مع حزمة قوانين تلتزم بها مصر منها الدستوري والدولي الذي يكفل حق التصوير والنشر.
وتنص المادة 65 من الدستور المصري على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه قولا أو كتابة أو تصويرا أو غير ذلك من وسائل النشر”.
وتعترف المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموقعة عليه مصر بأحقية الأفراد في التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء بدون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
ويرى مراقبون أن القرار الجديد الذي يحظر تصوير المواطنين بدون موافقة كتابية منهم يتعارض مع القانون رقم 154 لسنة 2019 والذي يشترط على المحلات التجارية تركيب كاميرات مراقبة داخلية تصور العملاء وكاميرات خارجية تراقب المنطقة المحيطة بالمحلات.
أجواء التصوير قبل القرار
وفي أبريل/نيسان الماضي، نشر المدون الأميركي الشهير “ويل سونبوشنر” مقطعا مصورا عن رحلته إلى مصر بعنوان “مصر أسوأ مكان للتصوير في أفريقيا”.
وأوضح أن الشرطة المصرية صادرت جميع معدات التصوير الخاصة به فور وصوله إلى القاهرة بعد 4 ساعات من الاستجواب الأمني في ساعات الصباح الباكر.
واضطر المدون الأميركي إلى تصوير رحلته بالهاتف الجوال، لكنه تعرض للتضييق الأمني أيضا رغم حصوله على تصريح من جانب الهيئة العامة للاستعلامات (جهة رسمية).
واستطرد “أوقفني رجال الشرطة وطلبوا استعراض المقاطع التي صورتها، وبعدها طلبوا مني حذف كل الصور لأنها غير جميلة ولا ترقى للمعايير”.
ورغم معاناة السائح الأميركي خلال محاولته التصوير بمصر، لكنها تبدو محتملة مقارنة بما لقيه مصورون مصريون جراء قيامهم بعملهم في شوارع بلدهم.
فمنذ 4 أعوام يقبع المدون محمد إبراهيم الذي ينشر تقارير من الشارع عن أوضاع حقوق الإنسان بمصر عبر مدونة “أكسجين مصر”، في سجن طرة بتهمة الانضمام لجماعة محظورة.
وبعد نحو 5 أعوام من السجن تم الإفراج عن المصور محمود أبو زيد، حيث ألقت الشرطة القبض عليه في أثناء تصويره أحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في أغسطس/آب 2013.
تخبط إداري
وتمثل ضوابط التصوير الجديدة هذه أحد نماذج التخبط الإداري للحكومة، وفق رأي مدير المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، مصطفى خضري.
وأوضح خضري أن سبب التخبط هو وجود قوانين بالفعل تحمي الحياة الخاصة من التصوير والتسجيل لأي شخص بدون إذنه مثل المادة 309 من قانون العقوبات، وتشريعات تكفل الحماية الكاملة للأطفال مثل قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 96، “وبالرغم من ذلك فقد تم إقحامهم في هذا القرار بغير داع” وفق تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع خضري سبب إصدار ضوابط جديدة للتصوير إلى الرغبة في السيطرة على الإعلام بشكل عام وظاهرة المواطن الصحفي بشكل خاص، بوضعهما تحت طائلة القانون.
وعن المادة الخاصة بحظر تصوير المشاهد المسيئة للبلاد، أكد الخبير الإعلامي أنها تحمل كثيرا من التفسيرات، ما يجعلها سيفا مسلطا على كل من يرغب في التصوير.
وفي نفس الإطار، عبّر الناشط الحقوقي وائل عباس عن مخاوفه تجاه ضوابط التصوير الجديدة، حيث اعتبر البند الخاص بحظر تصوير المشاهد المسيئة فضفاضا.
وقال -عبر صفحته الشخصية على موقع فيسبوك- إن القرار الجديد يعطي السلطات الحق في منع المواطن من تصوير أي شيء بل وعقابه، واستطرد “ممكن يقولك المبنى الأثري ده مش مترمم إزاي تصوره”.
تسويق بدون مصاريف
مقابل ذلك، ثمة مزايا لضوابط التصوير الجديدة ألقى عليها الكاتب الصحفي أحمد منصور الضوء عبر مقال حمل عنوان “التصوير بالأماكن العامة.. تسويق بدون مصاريف”.
وقال إن السماح بالتصوير بدون تصريح يوفر على الحكومة ملايين الجنيهات التي كانت تنفقها في سبيل التسويق عبر إعلانات مدفوعة الأجر، وتابع “سيقوم المواطن أو السائح بعملية التصوير الشخصي ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال تواجده بالمواقع الأثرية والميادين العامة، وذلك سيحقق بلا أدنى شك انتشارا واسعا”.
واعتبر منصور القرار دلالة على وجود رؤية حقيقية لدى صانعي القرار تستهدف إزالة العقبات والابتعاد عن التعقيدات في مختلف المجالات.
وكان المجلس الأعلى للآثار أصدر قرارا خلال عام 2019، يسمح بالتصوير الشخصي التذكاري للمصريين والسائحين بالهواتف المحمولة وكاميرات التصوير الفوتوغرافي التقليدية أو الرقمية والفيديو داخل كل المتاحف والمواقع الأثرية.