شيرين أبو عاقلة.. مراسلة الجزيرة التي اغتيلت برصاصة إسرائيلية في جنين
شيرين أبو عاقلة، من الرعيل الأول للمراسلين الميدانيين في “الجزيرة”، ولدت في القدس عام 1971، واغتيلت برصاص الاحتلال في 11 مايو/أيار 2022، أثناء تغطيتها الهجوم الإسرائيلي على جنين.
الولادة والنشأة
ولدت شيرين نصري أنطون أبو عاقلة في مدينة القدس المحتلة عام 1971، لأسرة فلسطينية مسيحية، تنحدر من مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
حصلت على الجنسية الأميركية من والديها، لكنها لم تعش في أميركا، وتوفي والداها قبل سنوات قليلة من اغتيالها، ولها أخ واحد هو طوني نصري أبو عاقلة.
شيرين بعيون زملائها
يصفها زملاؤها، بكونها مقدامة شجاعة رزينة وهادئة، وتتميز بأخلاقها ومهنيتها العالية.
قال عنها الصحفي المدرس في جامعة “بيرزيت” محمد دراغمة “أنا أعتبرها من أقوى الصحفيين في العالم العربي. أنا أدرّس تقاريرها لطلابي في جامعة بيرزيت وفي قطاع غزة”.
وأضاف “هي لا تضع مشاعرها في الأخبار التي كانت تحرص على تقديمها بموضوعية وحيادية، كانت جملها تتميز بجمل قصيرة مكثفة، ووتيرة صوتها هادئة لا تحمل تحريضا”.
تساءل كثيرون إن كانت لا تخاف من تغطياتها الخطيرة، فأجابت في مقابلة أجرتها معها وكالة أنباء النجاح “بالطبع أكون خائفة في كثير من الأحيان أثناء إعداد التقارير”، مضيفة “أنا لا أرمي بنفسي إلى الموت، أنا أبحث عن مكان آمن أقف فيه وأعمل على حماية طاقمنا الصحفي قبل أن أقلق على اللقطات”.
وعرفت بمبدئها الذي يقول “لا أريد تسييس قصتي أريد أن أعطي حقائق ومعلومات”.
الدراسة والتكوين
أنهت شيرين دراستها الثانوية في مدرسة راهبات الوردية ببيت حنينا في المدينة المقدسة.
درست الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن استجابة لرغبة والديها.
ثم توجهت إلى دراسة الصحافة المكتوبة وحصلت على بكالوريوس في الإعلام من جامعة اليرموك بالأردن، وعادت إلى فلسطين بعد تخرجها.
حصلت على شهادة الدبلوم في الإعلام الرقمي من جامعة بيرزيت في فلسطين.
التجربة الإعلامية
عملت بعد عودتها إلى فلسطين مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثم في إذاعة صوت فلسطين وقناة عمّان الفضائية، وبعدها في إذاعة “مونتي كارلو” ومؤسسة مفتاح، لتنتقل أخيرا إلى قناة الجزيرة الفضائية عام 1997.
كانت من أوائل المراسلين المنضمين لفرع الجزيرة في فلسطين بعد عام من تأسيسه، وعملت لـ25 عاما مراسلة ميدانية، قبل أن تنقل آخر سطورها عبر البريد الإلكتروني لزملائها في قناة الجزيرة في الدوحة صباح يوم اغتيالها، وتخبرهم بأن “جيش الاحتلال اقتحم مدينة جنين ويحاصر منزلا هناك”، وبأنها ستوافيهم بالخبر فور اتضاح الصورة، لتكون هي الخبر في النهاية.
اتهمتها إسرائيل أكثر من مرة بتصوير مناطق أمنية، وقالت إنها كانت دائما ما تشعر بكونها مستهدفة من الاحتلال، ناهيك عن تعرضها لمضايقات من مستوطنين مسلحين أثناء عملها.
شهدت شيرين على أحداث مفصلية في فلسطين، منها انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) بين عامي 2000 و2004 واجتياح مخيم جنين وطولكرم عام 2002، بالإضافة للغارات والعمليات العسكرية التي تعرض لها قطاع غزة.
كانت أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان عام 2005، قابلت خلالها الأسرى الفلسطينيين المسجونين لأكثر من 20 سنة، ووصفت زيارتها تلك بأنها “الأكثر تأثيرا”، ونقلت معاناتهم لذويهم وللعالم.
من آخر ما غطته المواجهات في الأقصى والقدس وحي الشيخ جرّاح، وتعرضت هي وزملاؤها للتنكيل والاعتداء من قبل جيش الاحتلال، أصيبت على إثرها برصاص الاحتلال أكثر من مرة وفي مواضع مختلفة.
كان لها أثر في المنطقة العربية حيث تنقلت لتغطية عدة أحداث، فذهبت إلى مصر بعد إعادة فتح مكتب الجزيرة في القاهرة، واختارتها القناة لتكون أول من يفتتح بثها هناك في يوليو/تموز 2021، لتزور الدوحة بعدها.
كما ابتعثت لتغطية الانتخابات الأميركية لعام 2020.
مما قالته شرين أبو عاقلة عن مسيرتها “اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان. ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم… أنا شيرين أبو عاقلة”.
المهام والإنجازات
- غطت معظم حروب الاحتلال الإسرائيلي وهجماته واعتداءاته منذ بداية مشوارها الصحفي.
- من أول المراسلين الميدانيين في الجزيرة من فلسطين.
- غطت الكثير من الأخبار داخل فلسطين وخارجها.
- لم تترك شيرين قرية أو مدينة أو مخيما فلسطينيا إلا وأعدت عنه أو منه قصة صحفية.
- كانت أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان عام 2005.
الاغتيال
في 11 مايو/أيار 2022، أثناء سلسلة الهجمات الإسرائيلية على الضفة وخلال تغطيتها لاقتحام جنين في منطقة الجابريات بين مخيم جنين وقرية برقين غربي مدينة جنين، أصابها قناص إسرائيلي برصاصة وراء أذنها، وأصاب كتف زميلها علي السمودي الذي يعمل منتجا لقناة الجزيرة في جنين.
رواية زملائها في الميدان وقت اغتيالها
قال الصحفيان علي السمودي ومجاهد السعدي اللذان كانا بجانب شيرين عند إصابتها، إن جيش الاحتلال تعمّد إطلاق النار بشكل مباشر على الصحفيين “مع العلم أنه لم يكن يوجد مسلحون ولم تكن هناك مواجهات وكانت المنطقة آمنة”.
وقال السعدي “حاولنا كشف أنفسنا للاحتلال كي نوضح لهم أننا صحفيون لكيلا يتم استهدافنا، فقد كنا ندرك أن الوضع صعب، وتقدمنا بشكل تدريجي لإظهار أننا صحفيون”.
وهو ما أكده وليد العمري مدير قناة الجزيرة في فلسطين، حيث قال إنه لم تكن هناك مواجهات وإن قناصة للجيش الإسرائيلي كانوا يعتلون أسطح المنازل، وإن شيرين أصيبت برصاص هؤلاء القناصة.
وروت الصحفية شذا حنايشة، التي كانت بجانب شيرين لحظة إصابتها إنها كانت ترتدي الدرع والخوذة الخاصين بالصحافة، وأضافت أن من أطلق النار عليها كان يقصد قتلها، وأن ما حدث “جريمة اغتيال”، وأن الصحفيين “كانوا هدفا للاحتلال”.
6 تحقيقات ميدانية تؤكد اغتيال شيرين برصاص إسرائيلي
تحقيق الجزيرة
أعلنت شبكة الجزيرة إحالة ملف اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وشكلت تحالفا قانونيا لمتابعة الجريمة في الهيئات القضائية الدولية.
ونشرت الجزيرة صورة للرصاصة التي اغتيلت بها الزميلة شيرين أبو عاقلة، توضح أن الرصاصة انطلقت من بندقية من طراز “إم 4” (M4).
كانت الرصاصة من عيار 5.56 مليمترات وهي مما تستخدمها قوات الاحتلال، وتبين أن تشوها أصاب الرصاصة بعد دخولها رأس شيرين وارتطامها بالخوذة التي كانت ترتديها.
وأظهر التحقيق إعادة محاكاة باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد لمعرفة المزيد عن نوع الرصاصة المستخدمة، وعيارها الناري، ونوع البنادق المحتمل استخدامها لإطلاق هذا النوع من الرصاص.
واستند تحليل الجزيرة إلى آراء خبراء عسكريين، ويوضح أن الرصاصة المستخدمة في اغتيال شيرين من النوع الخارق للدروع.
السلطة الفلسطينية
أكد النائب العام الفلسطيني أكرم الخطيب أن أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي أطلق الرصاص على شيرين وأصابها في الرأس أثناء محاولتها الهرب، مشيرا إلى أن الرصاصة التي قتلت الزميلة الشهيدة تحتوي على جزء حديدي خارق للدروع.
وأوضح أن الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة قطرها 5.56 مليمترات، وتستخدمها قوات الاحتلال، وأن سبب الوفاة كان التهتك في دماغ شيرين أبو عاقلة، بما يفيد بأنها كانت في وضعية هروب.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يرى الصحفيين بشكل جلي ومكشوف، وأنهم قاموا بإظهار أنفسهم بشكل واضح لقوات الاحتلال في جنين.
وقال النائب العام الفلسطيني “لدينا حقائق ومعطيات تمكننا من مواجهة أي رواية إسرائيلية”، مشددا على أن التحقيق كان فلسطينيا خالصا من دون أي مشاركة خارجية.
وقد أكد النائب العام أن السلطة الفلسطينية لن تسلم الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة للجانب الإسرائيلي على الإطلاق، ولن تقبل بتحقيق مشترك مع الاحتلال.
وأضاف “قررنا إحالة ملف شيرين أبو عاقلة إلى الجنائية الدولية، لمحاسبة إسرائيل على جرائمها”.
تخبط الروايات الإسرائيلية
الرواية الأولى
في 11 مايو/أيار 2022 (يوم اغتيال أبو عاقلة) جاءت الرواية الأولى التي نقلتها وسائل إعلام ومواقع إسرائيلية، ونسبتها لمصدر عسكري، بأن الجيش “حيّدَ إرهابيين في مخيم جنين”، لكنها سارعت إلى شطبها من مواقعها، بعد أن تبيّن أن صحفيين أصيبا، هما علي السمودي، وشيرين أبو عاقلة.
الرواية الثانية
وفي اليوم ذاته، أشارت رواية للجيش الإسرائيلي إلى أن التقديرات الأولية، خلافا لما ينشر في وسائل الإعلام العربية، هي أن مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة قتلت نتيجة نيران مسلحين فلسطينيين في مخيم جنين أثناء تغطيتها الإخبارية.
الرواية الثالثة
جاءت الرواية الثالثة في مساء يوم اغتيال الزميلة على لسان رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي الذي قال إنه في هذه المرحلة لا يمكن تحديد مصدر إطلاق النار عليها، وإن فريقا خاصا شُكّل لتوضيح الحقائق وتقديمها كاملة، وفي أسرع وقت ممكن.
الرواية الرابعة
وفي اليوم نفسه أيضا، أفادت الرواية الرابعة للجيش الإسرائيلي بأنه باشر بالتحقيق، وشكّل فريقا مهنيا لبحث ظروف مقتل شيرين أبو عاقلة، وسيصل إلى الحقيقة.
الرواية الخامسة
وفي 15 مايو/أيار 2022، كشف مسؤول إسرائيلي أن جنديا إسرائيليا كان يحمل بندقية مجهزة بعدسة تلسكوبية أطلق النار من على بُعد نحو 190 مترا من الزميلة أبو عاقلة، وقد يكون هو من أصابها.
الرواية السادسة
وفي 19 مايو/أيار 2022، أعلن الجيش الإسرائيلي رفضه فتح تحقيق جنائي في ظروف اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة.
الموقف الأميركي
أعلنت واشنطن في 4 يوليو/تموز 2022 أن منسق الأمن الأميركي خلص بعد الاطلاع على تحقيقين منفصلين أجراهما الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، بالإضافة للتحليل الجنائي، إلى أن الزميلة شيرين أبو عاقلة قتلت على الأرجح بإطلاق نار من موقع الجيش الإسرائيلي.
كما قالت الخارجية الأميركية إن المنسق لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن مقتل شيرين كان متعمدا، ولكنه كان “نتيجة لظروف مأساوية خلال عملية عسكرية”، وفق تعبيرها.
تحقيقات الصحافة الأميركية
“سي إن إن”
قالت شبكة “سي إن إن” (CNN) في تحقيقها، إنها جمعت أدلة تؤكد أن الجيش الإسرائيلي استهدف مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في جنين، وأن تحليل آثار الرصاص في الشجرة التي احتمت بها شيرين يدل على أنه تم استهدافها عمدا لاغتيالها.
وأشار التحقيق إلى “عدم وجود مسلحين أو مواجهات مسلحة قرب شيرين أبو عاقلة خلال اللحظات التي سبقت قتلها… وأنها قد استهدفت من قبل القوات الإسرائيلية”.
“أسوشيتد برس”
وبدورها، قالت وكالة “أسوشيتد برس” (Associated Press) إن تحقيقها يعزز تأكيدات السلطات الفلسطينية وزملاء الفقيدة بأن الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة جاءت من بندقية جندي إسرائيلي.
وذكرت الوكالة أن نتائجها تتوافق مع ما توصلت إليه مجموعة “بيلينغكات” (Bellingcat) -وهي مجموعة للصحافة الاستقصائية مقرها هولندا- من أن قوات الاحتلال كانت قريبة من موقع شيرين، ويؤكد وضوح موقعها لهم، بناء على تحليل فيديوهات ومقابلات شهود عيان، مما يرجح استهداف القوات لها.
وأضافت أن تلك اللقطات تظهر الصحفيين والمارة وهم يهربون من النيران التي أطلقت من جهة مركبات الجيش الإسرائيلي.
وحسب تقرير الوكالة، فإن الوجود الوحيد المؤكد لمسلحين فلسطينيين كان على الجانب الآخر من القوات الإسرائيلية، وعلى بُعد حوالي 300 متر، وتفصلهم عن أبو عاقلة مبان وجدران، مما يفنّد الرواية الإسرائيلية الثانية.
تحقيق واشنطن بوست
أعلنت صحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post) الأميركية في تحقيقها أنه من المحتمل أن تكون مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة قد لقيت حتفها برصاصة جندي إسرائيلي.
وأخضعت الصحيفة 15 مقطع فيديو للتحليل والمراجعة، وتبين أنه لم يكن هناك أي مسلحين في المنطقة، وأن جنديا إسرائيليا أطلق النار وقتل مراسلة الجزيرة على الأرجح.
كما حللت صوت إطلاق النار وقت الحادثة من قبل خبيرَين متخصصين، وكشفا أن إطلاق النار تم من مسافة تتطابق تقريبا مع المسافة بين الصحفيين وموقع الجيش الإسرائيلي.
ونفى التحقيق فرضية إطلاق النار على شيرين من جانب فلسطيني، ويؤكد صدق الروايات والشهادات التي ظهرت عقب مقتل مراسلة الجزيرة.
نيويورك تايمز
أكد تحقيق صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) الأميركية أن الرصاصة التي قتلت شيرين أطلقها جندي من قوات النخبة الإسرائيلية، وأنه لم يكن هناك أي مسلحين فلسطينيين بالمكان.
وقال التحقيق إن الأدلة تؤكد إطلاق 16 رصاصة من موقع القوات الإسرائيلية، وهو ما يتعارض مع رواية الاحتلال، وأشارت إلى أن الرصاصة التي قتلت شيرين أُطلقت من الموقع الذي كانت توجد فيه القافلة العسكرية الإسرائيلية.