أغلب أحداث فيلم "دورية نهارية" تدور تحت إضاءة شمس كاليفورنيا الساطعة على عكس المعتاد في أفلام مصاصي الدماء (مواقع التواصل)

أغلب أحداث فيلم "دورية نهارية" تدور تحت إضاءة شمس كاليفورنيا الساطعة على عكس المعتاد في أفلام مصاصي الدماء (مواقع التواصل)

الرعب والكوميديا نوعان سينمائيان -على الورق- يظهران متناقضين، أحدهما يدفع المتفرج للضحك، والآخر للخوف، لكن كثيرا ما يختلطان، ليقدما مزيجا مثيرا يتناسب مع الكثير من الأذواق، ومن أحدث الأعمال التي تنتمي لهذا النوع فيلم “وردية نهارية” (Day Shift) الذي صدر مؤخرا على منصة “نتفليكس” (Netflix)، من بطولة جيمي فوكس وإخراج جيه جيه بيري، في أول تجربة إخراج له.

فيلم “وردية نهارية” عمل استهلاكي يصلح للمشاهدة حتى على شاشة الهاتف المحمول، ويتناسب مع متطلبات المنصات الإلكترونية؛ فعلى الصعيد البصري لم يقدم ما يستحق العرض سينمائيا، لكن هل كان مسليا بما فيه الكفاية؟

 

مصاصو الدماء في وضح النهار

أفلام مصاصي الدماء لها سماتها البصرية المميزة التي تفرقها عن باقي أفلام الرعب الأخرى، واكتسبت هذه السمات من الأدب؛ فعندما تعرفنا -لأول مرة في رواية الكاتب برام ستوكر بعنوان “دراكولا”- على قواعد هذا العالم وشخوصه، كان مصاصو الدماء ينشطون ليلا، وبالتالي أغلب الإثارة تحدث بعد حلول الظلام، فاكتست الأفلام التي من بطولتهم بالظلال والنهارات القصيرة والأبطال شاحبي الوجوه، مع تصوير داخلي في أقبية منازل على الطراز المعماري القوطي، تحفل بالأثاث العتيق الذي يتعثر فيه البطل خلال هروبه من منزل الوحش.

على العكس من كل ذلك، دارت أغلب أحداث فيلم “وردية نهارية”، وكما يتضح من عنوانه كانت تحت إضاءة شمس كاليفورنيا الساطعة، وتغيرت فيه طبيعة مصاصي الدماء، ولم يعودوا خائفين من الشمس بعد اختراع زعيمتهم لمستحضر يقيهم منها لوقت محدود فينقذهم من خطرها، لذلك عكس الفيلم السمات البصرية المتصلة بهذا النوع من الأفلام، وجعله يبدو مميزًا بالنسبة لنوعه على هذا الصعيد.

كذلك  حاولت قصة الفيلم الخروج عن التقليدية، فلدينا هنا عالم فيلمي به مصاصو الدماء حقيقة واقعية، لكن لا يعرفها كل البشر، فقط الجماعة التي تعمل في صيدهم ولهم اتحاد ينظم عملهم ويحمي المدنيين من خطرهم. وأنياب هذه المخلوقات الماصة للدماء يتم بيعها بثمن مرتفع للغاية.

بطل الفيلم “باد” محارب مصاصي الدماء كان أحد أعضاء الاتحاد قبل طرده لمخالفته الكثير من القوانين، لا تعلم عائلته عن عمله السري، وتظنه مجرد منظف للمسابح، وغموضه الشديد مع زوجته يدفعها للانفصال عنه، وتقرر أخذ ابنتهما والسفر إلى فلوريدا، خاصة أنه يعاني من أزمة مالية كبيرة.

بعد ذلك، يقرر باد العودة للاتحاد بأي ثمن، لتحسين وضعه المادي، وإعالة عائلته، ويوافق الاتحاد بشرط العمل في الوردية النهارية التي لا يوجد بها كثير من ضغط العمل، لأن أغلب مصاصي الدماء يخافون الشمس، وكذلك يعينون له مراقبا ساذجا لم يجرب العمل الميداني من قبل.

الأكشن من دون حبكة

حبكة أي فيلم يمكن تلخيصها بالكامل في سطرين، وذلك من الأمور المتعارف عليها، لكن مشكلة فيلم “وردية نهارية” أن أحداثه بالكامل يمكن تلخيصها في هذين السطرين، فلا يحدث فيه ما يستدعي الساعتين من المشاهدة، فهو عبارة عن كثير من مشاهد الأكشن والقتال مع مصاصي الدماء، وقتلهم بالأسلحة المبتكرة، ثم تنزل كلمة النهاية.

في مثل هذه الأعمال، مشاهد القتال بالتأكيد مهمة، لكن في المعتاد يتم التحضير لها طوال الفيلم لتصاعد التشويق والإثارة، ثم تبدأ المواجهة. أما في فيلم “وردية نهارية”، فما حدث هو العكس، مما جعل الفيلم مجموعة مشاهد غير مترابطة بشيء إلا بخيط واه دراميا، لا يلفت الانتباه، ولا يستحق المتابعة، فعلاقة الأب مع ابنته وزوجته لم يتم التأسيس لها بما فيه الكفاية لتستدعي كل هذه المغامرة.

ربما يرجع ذلك إلى أن الفيلم هو الأول لمخرجه -الذي عمل سابقا لنحو 3 عقود ممثلا بديلا أو دوبليرا للمشاهد الخطرة- فبخبرته استطاع بالفعل تصميم مشاهد حركة مميزة اعتمدت على رشاقة الممثلين الذين قاموا بأدوار مصاصي الدماء، والمؤثرات البصرية وطريقة التصوير، فبدت كأنها استعراضات الأكروبات في السيرك، لكن بدون السياق المناسب، لتصبح هذه المشاهد مجرد إبهار فارغ من معناه، خاصة أنها وضعت البطل في موقف صعب، لأنه لم يستطع مجاراة حركات هؤلاء الممثلين فبدا جامدا مثل التمثال.

وكذلك، غابت الكوميديا عن الفيلم بشكل كبير رغم تصنيفه الواضح منذ البداية، والدعابات الملقاة هنا وهناك، وخفة ظل بطله جيمي فوكس الشهيرة، وتم زرع شخصية المساعد من الاتحاد لخلق المزيد من الكوميديا بإظهار التضاد الواضح في الشجاعة بينه وبين البطل “باد”، ورعبه الخاص من مصاصي الدماء الذي يدفعه للتبول على نفسه كلما رأى واحدا منهم، لكن كل ذلك لم يحدث الأثر المطلوب، فأتت هذه الشخصية سخيفة للغاية، بأداء هزلي وليس مضحك.

أراد المخرج جيه جيه بيري إعادة تجربة “تشاد ستاهلسكي” الذي تحول من ممثل بديل للمشاهد الخطرة إلى واحد من أشهر المخرجين بأفلام “جون ويك” الشهيرة، لكن المشروعين مختلفان تمامًا، ففي فيلم أكشن مثل “جون ويك” تصبح مشاهد الحركة الكثيرة أمرا منطقيا، هذا بالإضافة إلى أن الممثل الرئيسي كان كيانو ريفز -الشهير للغاية برشاقته وقدرته على تقديم حركات أكشن معقدة- فأتى كل شيء متسقا ومميزا.

بينما غابت كل هذه المزايا عن فيلم “وردية نهارية”، فأتى العمل بمستوى أقل من العادي، يصلح للمشاهدة على الهاتف المحمول في لحظات الملل، وليس بداية قوية لمسيرة مخرج جديد.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author