عمان – يعدّ اكتئاب المراهقين حالة نفسية لها خصوصيتها؛ يسود فيها الشعور بالحزن وعدم الاكتراث أو الاهتمام بأي نشاط بدني يتطلب جهدا وتحدّيًا، وتؤدي إلى التأثير سلبا في طريقة التفكير الذهنية للمراهق وفي سلوكه كما تسبّب تقلبا في المزاج غير مفهوم.
ويرى تربويون أن أسباب اكتئاب المراهقين تعود إلى التغيرات الهرمونية أو الوراثية في تاريخ العائلة، أو تعرض المراهق لصدمات انفعالية على الصعيد العاطفي، مثل فقدان أحد الوالدين أثناء الطفولة أو التعرض لإساءة جسدية تقوده إلى الشعور بالعجز.
ويظهر اكتئاب المراهقين في صور متنوعة، منها: التوتر الزائد عند مواجهة المراهق لأي تحدّ مهما كان بسيطا، وضعف الذاكرة، والشكوى المستمرة من مشاكل صحية وجسدية، وتهرّب المراهق من مسؤولياته بالكسل والنوم لعدم رغبته بالتفاعل مع الآخرين، وتكون تلك العلامات مصحوبة باضطرابات في المزاج العام لأي نشاط حياتي يومي يتعامل معه، وفق التربويين.
ويؤكد التربويون أن الاكتئاب يعيق أداء الوظائف الجسمية بشكل طبيعي واعتيادي يومي، ويحدّ من القدرة على العيش بسلامة، فالتحصيل الدراسي يتراجع، لأن العقل السليم في الجسم السليم، ولأن الجسم يشكو فالعقل بات متأثرا بطريقة التصرف غير السوي، فالشعور بالعجز والإحباط والتوتر يؤدي إلى الانسحاب من متطلبات الدراسة، وترك المهام المطلوبة التي تتطلب قدرات إدراكية عالية، فضعف الذاكرة يؤثر سلبا في التحصيل، فلا توجد همة محفزة للدراسة؛ لسوداوية الشعور لدى المراهق وعلاقاته بالآخرين.
ليس “حزنا عابرا”
وللتوسع في توضيح مفهوم اكتئاب المراهقين وآثاره، حاورت الجزيرة نت استشاري الطب النفسي الدكتور أشرف الصالحي الذي أوضح أن “اكتئاب المراهقين اضطراب نفسي خطر يشعر فيه المراهق بالحزن الدائم وعدم القدرة على الاستمتاع بأي شيء في حياته، كما أن حياته تتأثر من الناحية الاجتماعية والدراسية والشخصية”.
ويضيف أنه ليس “حزنا عابرا”، وليس “فترة تمرّ”، بل هو حالة مرضية تتمثل في مجموعة من الأعراض تظهر معا في الوقت نفسه عند المراهق، منها: الحزن الدفين، وعدم الاستمتاع، واضطرابات النوم والأكل، والشعور بالدونية، والأفكار السلبية، والانعزال، وانخفاض الطاقة، والتفكير بالموت أو الانتحار.
البيئة والجينات
ويبيّن الاستشاري الصالحي أن الاكتئاب يصيب الأطفال في عمر المراهقة (12-17 سنة)، وقبل ذلك يسمى اكتئاب الأطفال، وبعده يسمى اكتئاب البالغين، وأسبابه: البيئة والجينات.
ويتابع أن “الدراسات على أطفال التوأم المتطابق أثبتت وجود سبب جيني للاكتئاب، فإذا أصيب أخ بالاكتئاب، فإن نسبة إصابة الأخ التوأم المتطابق بمرض الاكتئاب نفسه هي 50-75%، مقارنة بالأخ في التوأم غير المتطابق، إذ تقدر النسبة بـ20%”.
أما الأسباب البيئية فقد تكون ناتجة عن نظام التربية الخاطئ، أو الضغوط الاجتماعية المتراكمة ومشاكل الأهل المتكررة، أو ضغوط الدراسة والتنمر أو ضغوط الزملاء، ولا ننسى أيضا التغيرات الهرمونية في مرحلة المراهقة، وما يصاحبها من تغيرات مزاجية وسلوكية وجسدية وعقلية، حسب الصالحي.
تغيرات الأفكار والمشاعر
ويذكر الدكتور الصالحي أن من علامات اكتئاب المراهقين حدوث تغيرات مفاجأة أو تدريجية في 3 أمور في حياة المراهق؛ تشمل أفكاره، ومشاعره، وسلوكه.
ويشرح أن أفكار المراهق “تتغير، لتصبح سلبية نحو نفسه ونحو المجتمع ونحو المستقبل، فتنخفض ثقته بنفسه، ويبدأ الشك بقدراته، ويعتقد أن كل من حوله أفضل منه، ويتوقع مستقبلا سيئا، ويظن أن العالم من حوله لا يحبه ولا يفهمه. وتختلف مشاعره أيضا، فتصبح سوداوية، ويكون دائما حزينا، ولا يشعره أي شيء بالفرح، يتردد كثيرا في قراراته، وينعزل عن الناس، ويقل اهتمامه بنظافته، وقد يصبح عدائيا وعصبيا أيضا”.
الاحتواء والاستماع
ويقول الصالحي إن التصرف الصحيح للأهل أن يتحدثوا إلى أطفالهم المراهقين، ويفهموا احتياجاتهم، ويتقبلوا أنهم في مرحلة حرجة يصعب على الأولاد أنفسهم فهمها.
ويضيف “على الأهل احتواء الطفل المراهق والاستماع له ولمخاوفه، ومناقشة مشاعره وتقديم الحب والدعم والتفهم، ومنحه مساحة شخصيه ليعبر عن مشاعره”.
ويوضح الصالحي أن من الأخطاء التربوية الشائعة في التعامل لوم الطفل ونصحه بالقول “لا تبك”، و”شد حالك”، و”ما في شي بيستاهل” (لا شيء يستحق)، كذلك من الأخطاء التربوية أن يذهب بعض الأهالي إلى لوم طفلهم وتأنيبه على تراجع علاماته المدرسية أو تغير تصرفاته، بدلا من محاولة فهمها.
ويضيف “قد يتهم بعض الأهالي أطفالهم بأنهم بعيدون عن الله، وأن دينهم قد ضعف، فأصابهم الحزن، وهم لا يدركون أنهم بذلك يزرعون في طفلهم مزيدا من الألم والحزن والابتعاد عن الدين، لأن الطفل سيفهم أن الله لا يحبه”.
ومن مضاعفات الاكتئاب إذا لم يتعالج الطفل، وفق الصالحي، خسارته للأصدقاء، والعزلة، والتراجع الدراسي بسبب نقص التركيز، والابتعاد عن الأهل داخل البيت، وأيضا سلوك العدوان والعصبية، والتفكير بالانتحار.
نصائح للتعامل مع المراهقين
ويقدم الاستشاري الصالحي مجموعة من النصائح للأهالي في التعامل مع أبنائهم المراهقين:
- على الأهل أن ينتبهوا إلى أطفالهم جيدا في مرحلة المراهقة (12-17 سنة)، وأن يجلسوا معهم ويسألوهم عن يومهم ومشاعرهم ومشاكلهم.
- على الأهل أن يعلّموا أطفالهم من خبراتهم وتجاربهم، وألا يستسهلوا بإعطائهم حلولا “معلبة”، بل ينبغي أن يعلموهم آلية التفكير في حل المشكلات.
- يجب على الأهل ألا يوهموا الأطفال أن العالم يطفح بالفراشات والورود، بل ينبغي إعطاؤهم صورة حقيقية ومتوازنة عن الحياة، وأن فيها صعوبات ومشاكل، وتحتاج أن يكون الطفل قويا بعقله وجسده.
- على الأهل أن يشجعوا أطفالهم على ممارسة الرياضة، وتشكيل علاقات اجتماعية، وتخفيف الأوقات التي يمضونها على الأجهزة الإلكترونية.
- على الأهل مراجعة الطبيب النفسي فورا إذا شعروا بأن المراهق أصبحت حالته:
- مستعصية؛ وأنهم مهما حاولوا مساعدته، فإنه لا يزال حزينا.
- خطرة؛ إذا شعروا بأن المراهق يفكر بالانتحار أو توقف عن الأكل أو فقد أكثر من 15% من وزنه في أسبوعين.
- تراجع دراسيا تراجعا كبيرا.
- أصبح عدائيا أو منعزلا.