التنمر مشكلة اجتماعية ونفسية يمكن أن نواجهها في أي وقت من حياتنا، في المدرسة أو الجامعة أو العمل، والمتنمر هو شخص يعاني من مشاكل نفسية عميقة، وليس من السهل التعامل مع التنمر، ولا توجد حلول بسيطة له، إذ يمكن أن يتسبب في شعور الكثير من البشر بالعجز والضعف والارتباك، وغالبا ما يكون الضحايا مصدومين أو محرجين أو مستائين، لدرجة أنهم غير متأكدين مما يجب عليهم فعله، ولسوء الحظ فإن هذا التردد أو عدم الاستجابة يمكن أن يفتح الباب لمزيد من التنمر.
ويوجد التنمر بأشكال عديدة: يمكن أن يكون جسديا (الدفع أو اللكم أو الضرب) أو لفظيا (الشتائم أو التهديدات) أو نفسيا وعاطفيا (نشر الإشاعات أو إهمال أحد في محادثة ما أو نشاط معين)، حسب ما ذكرت منصة “بيرنتس” (Parents) مؤخرا.
ومع الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يحدث التنمر خارج ساعات الدراسة أو العمل عبر رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وغالبا ما تكون هذه المنشورات عبر الإنترنت والمعروفة باسم “التنمر الإلكتروني” مؤذية وضارة إلى أبعد الحدود.
ومن أخطر أنواع التنمر ذلك المرتبط ببيئة العمل لما له من آثار خطيرة، ليس على الفرد (الموظف) نفسه فقط ولكن على عائلته وأطفاله أيضا، إذ من الممكن أن يؤدي إلى ترك العمل أو الفصل منه من قبل مدير متنمر، وهو ما يزيد مشاكل البطالة والفقر والحرمان في العالم.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف قانوني للتنمر فإنه يمكن وصفه بأنه سلوك غير مرغوب فيه من شخص قد يكون زميلك أو مديرك في العمل، أو مجموعة من الأشخاص الذين يشكلون “لوبي” خاصا داخل المؤسسة التي تعمل فيها، وتدخل في هذا الباب التصرفات المسيئة والكيدية أو المهينة، بما في ذلك إساءة استخدام السلطة التي تقوض أو تهين أو تسبب أذى جسديا أو عاطفيا لموظف ما، وذلك وفقا لمنصة “فير وورك” (Fair Work).
أشكال التنمر في العمل
يمكن أن تتضمن أمثلة التنمر في العمل الأشكال التالية، وذلك حسب ما ذكرت منصة “الحكومة البريطانية” (gov.uk) في تقرير لها عن الموضوع:
- قيام زميل لك بنشر الشائعات الخبيثة والمغرضة عنك داخل المؤسسة.
- الإحباط خلال الاجتماعات من خلال التقليل من قيمة أفكارك أو انتقادها بشكل مهين أو السخرية منها على الملأ.
- أن يكلفك مديرك المباشر بكمية عمل أكبر بكثير من بقية زملائك.
- قيام شخص ما بوضع تعليقات أو صور مهينة أو مسيئة أو تهديدية على وسائل التواصل الاجتماعي.
- محاولة فرض الآراء والأفكار المسبقة عليك، مع التقليل من قيمة إنجازاتك والسخرية منها.
- السخرية من لون أو عرق أو دين أو معتقدات موظف ما من قبل بعض زملائه في العمل.
التنمر التصاعدي
- يمكن أن يحدث التنمر بطريقة عكسية أيضا من الموظفين تجاه المدير أو صاحب عمل، وهو ما يسمى التنمر التصاعدي (upward bullying).
ويمكن أن تتضمن أشكال التنمر التصاعدي:
- إظهار عدم الاحترام المستمر للمدير.
- رفض إتمام المهام التي يطلبها المدير.
- نشر الشائعات حول المدير.
- القيام بأشياء تظهر المدير أنه غير كفء أو غير قادر على القيام بعمله بشكل صحيح.
- قيام بعض الموظفين بمحاولة تقويض سلطة مديرهم المباشر من خلال نشر الإشاعات المغرضة عنه.
قد يكون من الصعب إذا كنت في منصب كبير أن تدرك أنك تعاني من سلوك تنمري من قبل موظفيك، وهنا فإن من المهم النظر في الأسباب الحقيقية لهذا السلوك، وعلى سبيل المثال قد تكون هناك مشكلة أوسع تتعلق بثقافة المؤسسة، ولهذا يجب على أصحاب العمل والمديرين العمل معا لتحديد سبب المشكلة ومعالجتها، وذلك حسب ما ذكرت منصة “أكاس” (acas.org).
مواجهة التنمر
مواجهة التنمر ضرورية جدا لإيقافه والحد منه، لأن عدم مواجهة المتنمرين يفاقم المشكلة ويؤدي إلى نتائج نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة.
وفي بعض الحالات قد لا يدرك الشخص المتنمر نتيجة أفعاله، فالبشر قادرون تماما على تبرير أفعالهم مهما كانت مشينة، وهنا تكون البداية في الحديث مع المتنمر وشرح عواقب ما يفعله، مثلا: اشرح المشاعر السيئة التي تنتابك نتيجة أفعاله، والقلق والتوتر الذي يترافق معك خارج بيئة العمل إلى البيت، والنتائج النفسية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة التي يسببها هذا السلوك، وفي هذا الحديث كن حازما ولكن ليس عدوانيا، وتمسك بالحقائق واذكر سلسلة التصرفات التي مارسها المتنمر ضدك.
أما إذا كنت لا تشعر بالراحة في التحدث مع الشخص وجها لوجه يمكنك كتابة رسالة له بالبريد الإلكتروني أو الحديث مع شخص ما في المؤسسة، وقد يكون هذا الشخص مديرك المباشر، أو مديرا آخر تشعر بالراحة معه والثقة به، أو شخصا مسؤولا في الموارد البشرية، أو مستشارا داخل المؤسسة التي تعمل فيها، أو نقابتك العمالية التي تنتمي لها إن وجدت.
سجل لحالات التنمر
من الجيد أيضا الاحتفاظ بمذكرات أو سجل لحالات التنمر، بما في ذلك:
- كيف جعلك التنمر تشعر؟
- التواريخ والأوقات التي حدث فيها التنمر عليك.
- أي دليل مادي، على سبيل المثال: رسائل البريد الإلكتروني أو لقطات شاشة لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، أو أي شهود آخرين شاهدوا حالات التنمر.
تحدث معظم حالات التنمر بعيدا عن أنظار الآخرين، لذلك قد لا يكون لديك أي شهود أو حتى أدلة مادية، فكثير من حالات التنمر تحدث بالكلام والألفاظ المشيئة أو الساخرة، ولكن هذا يجب ألا يمنعك من إبلاغ مديرك بحالات التنمر التي تواجهها من زميلك، تذكر أن المواجهة ضرورية في جميع الحالات.
واجب المؤسسة والمديرين وأصحاب العمل
يجب أن تكون لدى مؤسستك سياسة خاصة بشأن التنمر توضح كيفية التعامل معه، ولكن حتى إذا لم تكن هناك سياسة فإن صاحب العمل مطالب بحمايتك أثناء وجودك في العمل، وهذا يشمل التعامل مع قضايا التنمر.
وتذكر دائما النصيحة الأساسية، وهي: واجه التنمر والمتنمرين بحكمة وروية ولا تخشَ منه أو منهم.