بعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، يبدو أن الصراع في أوكرانيا أبعد ما يكون عن الحسم، كما يبدو أن موسكو وكييف مصممتان على الاستمرار في القتال إلى مدى غير معروف. فكيف إذن ستكون نهاية الصراع الذي تحول إلى حرب استنزاف؟ وما السيناريوهات المحتملة لنهايته؟
للإجابة عن هذه الأسئلة نستعرض ما ورد في مقال تحليلي نشرته مجلة ناشونال إنترست (National Interest) الأميركية تحت عنوان “كيف ستنتهي حرب الاستنزاف الروسية الأوكرانية؟” ويلقي الضوء على واقع الحرب ويحاول استشراف مآلاتها.
يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ميسون الأميركية مارك كاتز -في مقاله بالمجلة- إلى أن الحرب لم تسر وفق حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان يتوقع عندما بدأ غزو أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي أن حملته العسكرية ستؤدي إلى استسلام أو سقوط سريع لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لكن المقاومة الشرسة التي قابل بها الأوكرانيون “الغزو” الروسي وإمدادات السلاح السخية التي انهالت على كييف من دول الغرب -خاصة من الولايات المتحدة- حالت دون تحقيق ما يصبو إليه بوتين، وبعد 6 أشهر من القتال يرى كاتز أن الصراع قد تحول إلى حرب استنزاف طاحنة.
ويقول الكاتب إنه رغم اعتراف زيلينسكي بأن القوات الروسية تحتل نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، فإن القوات الأوكرانية المدعومة من قبل الغرب قد تتمكن من منع الروس من تحقيق مزيد من التقدم، لكن كييف على الأرجح لا تملك القدرة على طرد قوات بوتين خارج حدودها.
ورغم كل ما سبق يقول كاتب المقال إنه لا يبدو أن أيا من الطرفين مستعد لوقف إطلاق النار، الأمر الذي يعني أن الحرب قد تستمر أشهرا أخرى وربما سنوات.
يستعرض مقال ناشونال إنترست سيناريوهات عديدة محتملة لنهاية الصراع في أوكرانيا الذي تحول -في رأيه- إلى حرب استنزاف قد يطول أمدها.
ومن بين تلك السيناريوهات أن يتمكن أحد أطراف الصراع من تحقيق نصر عسكري، كأن تتمكن روسيا -رغم الصعوبات التي تواجهها الآن- من تغيير مسار الحرب وتحقيق هدفها الأساسي المتمثل في إسقاط حكومة زيلينسكي أو إجبارها على الاستسلام. أو أن تتمكن القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب من إخراج القوات الروسية بطريقة ما من معظم الأراضي التي استولت عليها، إن لم يكن كلها.
لكن الكاتب يذكرنا بأن الحروب قد لا تنتهي بالضرورة بتمكن أحد أطرافها من إلحاق هزيمة عسكرية بخصمه؛ فحروب الاستنزاف قد تنتهي بطرق أخرى؛ ومنها الانهيار الداخلي لأحد أطراف الصراع بسبب متطلبات الحرب، مثلما حدث في ألمانيا مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
وقد يدفع استمرار القتال لسنوات دون تمكن أحد الخصمين من حسم المعركة لصالحه أطراف الصراع لقبول وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات بسبب التكاليف الباهظة للحرب، كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت سنوات من عام 1980 إلى 1988.
ويرى الكاتب أن هناك عوامل قد تحسم نتيجة الحرب لصالح أحد الطرفين، من بينها استمرار تدفق السلاح الغربي إلى كييف، الذي سيمكّن الأوكرانيين من الاستمرار في الحرب، أو يجبرهم على الاستسلام في حال توقفه.
وفي المقابل يحتاج بوتين إلى استمرار الدعم الشعبي الروسي لحربه ليتمكن من الاستمرار في القتال.
كما يشير المقال إلى دور محتمل للانتخابات الأميركية في مسار الحرب، إذ يرى أنه في حال قدرة بوتين على الاستمرار في القتال حتى عام 2024، وترشح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفوزه في الانتخابات، فإن ذلك سيعني نهاية الدعم الأميركي لكييف، مما يساعد موسكو على تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
ويخلص الأكاديمي الأميركي في مقاله إلى أنه إذا لم تتمكن روسيا أو أوكرانيا -كما هو مرجح الآن- من تحقيق نصر عسكري في المستقبل القريب؛ فإن الحرب ستستمر إلى أن ينهار أحد الطرفين أو يتخلى كلاهما عن محاولة إلحاق الهزيمة بخصمه.