كييف- تضج وسائل الإعلام العالمية بمخاوف حدوث كارثة نووية جديدة في أوكرانيا، مع تكرار القصف على أراضي محطة زاباروجيا للطاقة النووية، واستمرار المعارك والمناوشات قريبا منها.
ما هي محطة زاباروجيا؟ وما أهميتها؟
تقع محطة زاباروجيا للطاقة النووية على ضفة بحيرة اصطناعية ضخمة في مدينة إنيرهودار بمنطقة زاباروجيا جنوب شرق أوكرانيا، وتعتبر أكبر محطة نووية في أوكرانيا والقارة الأوروبية.
تأسست المحطة في عام 1981، ودخلت الخدمة فعلا عام 1984، وهي تضم 6 مفاعلات نووية، تعمل جميعها، في حين أن محطة تشيرنوبل، التي شهدت كارثة في 1986، كانت تضم 4 مفاعلات فقط.
وسرعان ما أصبحت المحطة مصدرا رئيسيا للطاقة الكهربائية، حيث تنتج سنويا نحو 6 آلاف ميغاوات، أي ما يكفي حاجة سكان أوكرانيا جميعا، الذين تقدر أعدادهم بنحو 42 مليون نسمة، ويلبي نحو 30% من حاجة البلاد عموما إلى الكهرباء، بما يشمل حاجة المصانع والشركات ووسائل المواصلات وغيرها.
تتبع المحطة إداريا لشركة “إنيرغو آتوم” (Energoatom) الأوكرانية للطاقة، لكن روسيا سيطرت على أراضيها منذ أوائل مارس/آذار الماضي، بعد أيام من بداية حربها على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
لمعرفة خصائص محطة زاباروجيا، والفروقات بينها وبين محطة تشيرنوبل، والرأي حول إمكانية أن تتكرر الكارثة، وكيف ستكون تداعياتها حينئذ، تحدثت الجزيرة نت إلى الخبيرة في مجال السلامة النووية بوزارة الطاقة، أولغا كوشارنا، التي عملت سنوات طويلة في “هيئة التفتيش النووية الحكومية” أيضا، وترأس كذلك قسم البحوث النووية في في مركز “رازومكوف” للدراسات.
هل تتشابه زاباروجيا مع تشيرنوبل؟
تقول كوشارنا إن “بنية محطة زاباروجيا تختلف جذريا عن بنية محطة تشيرنوبل، فلا مجال للمقارنة بينهما، أو لتوقع مشهد مشابه لكارثة الأخيرة”.
وتضيف موضحة “مفاعلات محطة زاباروجيا تقع تحت الأرض ضمن مجسمات من الإسمنت المسلح المحاط بغلاف حماية يسمح بإعادة تركيب الهيدروجين عند الطوارئ؛ فهي بذلك تشبه -من حيث البنية- مفاعلات محطة فوكوشيما في اليابان؛ وهذا كله لم يكن موجودا في تشيرنوبل، حيث كانت المفاعلات خارجية وغير مغطاة”.
وتتابع في الإطار ذاته “لمواجهة حالات الطوارئ، كانقطاع التيار الكهربائي الذي يستخدم لتحريك زعنفات التبريد وغيرها، زودت محطة زاباروجيا، بعد حادثة محطة فوكوشيما في اليابان سنة 2011، بمولدات احتياطية داخلية ومتنقلة تعمل بالديزل، وهذا يقلل احتمالات تعرضها للخطر، على ألا تستمر عملية التوقف عن التبريد فترة تتراوح بين 3 و6 ساعات، أو 27 ساعة، بحسب طاقة عمل المفاعلات؛ واعتمادا على حسابات علمائنا، فإن هذه الفترة كافية -غالبا- لإصلاح الأعطال، أو تأمين وقود الديزل”.
هل نحن على مشارف كارثة في زاباروجيا؟
ترى الخبيرة أن حدوث كارثة نووية جديدة مستبعد في زاباروجيا، لكنها في الوقت نفسه تحذر من خروج الأمور عن السيطرة بسبب “جنون الحرب وأخطائها”.
وتؤكد أن روسيا معنية بسلامة المحطة، لأنها كانت تريد نقلها إلى ملكية شركة “روس آتوم” بعد منح الجنسية للعاملين فيها، واستخدامها لتزويد القرم وباقي المناطق المحتلة بالكهرباء، مع أن قدرة المحطة أكبر بكثير من حاجتها جميعها.
ومن جانب آخر، تؤكد أن أوكرانيا غير معنية بقصف المحطة، حتى وإن خرجت عن سيطرتها، لأن تداعيات الحادثة ستصيب سكانها وأراضيها قبل أي مكان آخر”.
وفي سياق متصل، تؤكد الخبيرة كوشارنا أن “روسيا دولة إرهاب وإرهاب نووي، ومن تصفهم بخبرائها في المحطة ما هم إلا متعاونون لتحديد أهداف عمليات القصف بعيدا عن المواقع الهامة والخطيرة؛ يعلنون عن القصف، ويلوذون سريعا بالملاجئ قبل بدايته، بحسب موظفين في المحطة”، على حد قولها.
وتضيف “هدف روسيا كان وصل المحطة بشبكة الكهرباء القادمة من القرم، لتلبية احتياجات المحطة الخاصة للعمل، تمهيدا لتحويلها إلى عهدتها بالكامل، لكن محطات الكهرباء في القرم قُصفت، فألغيت الخطة، وتلاشت أحلام روسيا، لكن المحطة بقيت محل تهديد واستفزاز لأوكرانيا والعالم”، على حد قولها أيضا.
وفي إطار التهديد، تشير كوشارنا إلى أن القصف الروسي أدى إلى انقطاع كهرباء التبريد عن المفاعلين الخامس والسادس في المحطة يوم 25 أغسطس/آب، قبل أن تعمل مولدات الديزل الاحتياطية، ثم تحل المشكلة باستئناف ربط المحطة بشبكة الكهرباء الأوكرانية”.
إلى أين قد تصل الإشعاعات؟
ورغم ما تتمتع به المحطة من خصائص معمارية وإجراءات سلامة، فإن استمرار القصف قد يخرج عن السيطرة، وعندها ستكون الكارثة كبيرة، وتداعيات واسعة النطاق.
تقول الخبيرة كوشارنا “في يوليو/تموز، قدرنا أن أي سوء يصيب مفاعلا واحدا في المحطة سيؤدي إلى تسرب إشعاعي يقدر بنحو 100 ألف بيكريل لكل متر مربع، وستتشكل سحابة إشعاعات نشطة يصل مداها إلى رومانيا وبلغاريا بعد 6 ساعات، وإلى تركيا بعد 23 ساعة، إذا كانت الرياح شمالية غربية”.
وتتابع “وإذا هبت الرياح شرقا، فإن الإشعاعات ستصل روسيا، وأراضي مناطق فيها كمنطقة كراسنودار لن تكون صالحة للعيش مدة 300 سنة”.
لكنها أشارت إلى أن معظم الإشعاعات ستبقى في المحطة بحكم طبيعة بنائها المحصنة تحت الأرض، حتى وإن أدى أي انفجار في المفاعلات إلى احتراق “الوسائد الإسمنتية” التي ترتكز عليها”.
ما دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
ومع حديث عن قرب وصول مفتشين عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطة، بعد طول جدل دار حول آلية وصولهم وطبيعة المهام الموكلة إليهم، يتحدث الخبراء عن أدوار “تفتيش ورقابة عاجلة ودائمة” يجب أن تؤديها الوكالة.
تقول الخبيرة أولغا كوشارنا “في 12 أغسطس/آب، 42 دولة دعت إلى تحرير المحطة بشكل خاص، وأوكرانيا بشكل عام. على الوكالة أن تكون حاجزا أمام طموحات روسيا، وضمانا لعدم تحويل المحطة إلى درع نووي في يد موسكو، مع رصد انتهاكات الأخيرة، وتحميلها كامل المسؤولية عما يحدث وقد يحدث هناك”.